تكررت حوادث تعرض الفتيات للتحرش الجماعي، وتطورت أحيانا إلى محاولات اغتصاب بالمناطق المحيطة بميدان التحرير وسط القاهرة. ولوضع حد لهذه الظاهرة أطلق نشطاء مبادرة من أجل “تحرير خال من المتحرشين”. ومع تصاعد الاحتجاجات مؤخرا بالميدان، سُجلت حادثة تحرش ومحاولة اغتصاب تعرضت لها فتاتان بميدان التحرير. ففي السادسة من مساء 23 نوفمبر/ تشرين الثاني، وبالتحديد تقاطع شارعي قصر العيني والشيخ ريحان بمحيط ميدان التحرير، وعندما كانت الفتاتان تحاولان الهرب من آثار الغاز المسيل للدموع، إذا بهما تقعان فريسة مجموعة من المتحرشين. وتروي إحدى الضحيتين بشهادة نُشرت على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي ما جرى لها، قائلة: “هجمت علينا مجموعة من الشباب ظهروا فجأة، وبدؤوا يمزقون ملابسنا. شاهدنا أحد الأصدقاء من بعيد فجاء يجري محاولا مساعدتنا، فأمسك به المهاجمون وأخذ اثنان منهما يخنقانه بالكوفية التي يرتديها، وأثناء ذلك كنا نحاول المقاومة، لكن أيادي المهاجمين مزقت ملابسي، وسرقوا كل ما كان في جيوبنا، وكانت صديقتي مُلقاة على الأرض وكذلك الصديق الذي حاول إنقاذنا”. وتضيف: “عندما جرينا هربا إلى ميدان التحرير، وجدنا أنفسنا وسط أعداد كبيرة أخرى من المتحرشين. وعند مدخل شارع محمد محمود انفصلت عني صديقتي وفقدنا بعضنا البعض. وأخذت الجموع تدفعني وأنا أحاول المقاومة. ولم أكن أستطيع التمييز بين من يحاول أن ينقذني وبين من يحاول أن يعتدي عليّ جنسيا وينتهكني. وفي لحظات قليلة تمزقت ملابسي تماما في زحام المهاجمين الذين أمسكوا بكل جزء في جسمي بلا استثناء”. وتروي أن معاناتها استمرت طويلا، ومن مكان إلى مكان، إلى أن وجدت نفسها “مثبتة على مقدمة إحدى السيارات وجموع المهاجمين محيطة بها وهي عارية”. وتضيف أنه حينما سأل أحد المارة المتحرشين المحيطين بالسيارة ما الذي يجري، كانت الإجابة “البنت دي على بطنها قنبلة” ورغم غرابة هذا التفسير، لم يتدخل أحد لإنقاذها. واستمرت معاناة الفتاة إلى أن وصلت السيارة لمنطقة عابدين وسط القاهرة، وهناك أنقذتها سيدة ومجموعة من الرجال المسلحين بالعصي الخشبية. عمليات منظمة هذه الشهادة سجلها الكاتب والشاعر محمد خير ونشرها على موقع فيسبوك. ويقول إن الحادث الذي تعرضت له الفتاة “هو حادث منظم لوجود مجموعات منظمة شاركت فيه”. ويتساءل خير عن الأطراف التي تخول لنفسها الاعتداء على الفتيات بهذه الطريقة الوحشية، مستبعدا أن يكون الدافع سياسيا، لعدم وجود أدلة على ذلك. ويقول: “إذا كنا نتكلم عن عصابة تختطف الفتيات وتغتصبهن فإننا بالتأكيد نتكلم عن عمل إجرامي منظم، لكننا لا نعرف، في حالة حوادث التحرش هذه، ما هي الجهة التي تقف وراءه”. لكنه يؤكد أن حوادث التحرش الجماعي ومحاولات الاغتصاب قد “تكررت” في محيط ميدان التحرير، الأمر الذي “يتطلب تحديد مناطق الخطر” أي أن “تكون هناك دوائر حمراء حول هذه المناطق، وتحذير النساء والفتيات وتوفير طرق للحماية”. في الحادثة نفسها، التي دُوّنت تفاصيلها على موقع فيسبوك كانت هناك فتاة أخرى، تروى حكايتها المخرجة سلمى الطرزي. وقد حاولت الأخيرة مع مجموعة من أصدقائها إنقاذ الفتاة من أيادي المتحرشين. وتروي سلمى أن الفتاة وبعد تمزيق ملابسها قد تمكنت من الهرب والاحتماء بأحد المساجد القريبة من ميدان التحرير بعدما أن منحها أحد الشباب ملابس لترتديها. وتقول سلمى إن المناطق المحيطة بالميدان كانت ممتلئة بالمتحرشين “حينما كنا نسير من الميدان إلى المسجد لم نسلم من التحرش، طوال الطريق كان هناك متحرشون”. وتضيف “بصعوبة شديدة تمكنا من إخراج الفتاة من المسجد وبالاستعانة بمجموعة من الشباب لتأمين خروجها، فقد تطوعت مجموعة بالحماية عن طريق تفريق المتجمهرين باستخدام الأحزمة الجلدية لإبعاد أي متحرش”. وخلال محاولة تأمين خروج الفتاة من المسجد كان هناك عدد كبير من الشباب يصورون ما يجرى، كما تقول سلمى “لم يتدخل أحد لوقف التحرش، وهذا أمر غريب، ولا أفهم لماذا يصور أحد المشهد إذا كان قادراً على التدخل ووقف هذه الحادثة المأساوية؟ لماذا يبقى البعض مكتوف الأيدي؟” وترى سلمى أن التحرش قد “أصبح منظما” مضيفة أن أغلب حالات التحرش الجماعية تحدث حينما يكون عدد المتظاهرين قليلا، وفي أماكن محددة وفى أوقات ثابتة أيضاً. وتجد المتحرشين يتحركون في مجموعات، وينفذون العملية بآلية واحدة ثابتة حيث ينخرطون في حلقات تحيط بالفتيات، وحينما ينقضون على الضحية تكون هناك أكثر من حلقة تمنع ثوار الميدان من إنقاذهن. قوة ضد التحرش هذه الحوادث المتكررة دفعت عددا من النشطاء إلى تنظيم مبادرات عدة لوقف التحرش، كان أحدثها مبادرة “قوة ضد التحرش” والتي جمعت متطوعين ومتطوعات لتأمين الميدان من التحرش. وهكذا انتشرت لافتات “ممنوع دخول المتحرشين” عند مداخل التحرير. وخرجت مجموعات من الفتيات يرتدين قمصانا كُتب عليها” ميدان آمن للجميع”. “القوة” نظمتها مجموعة من الناشطات لمنع التحرش بالتعاون مع عدة منظمات مثل “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” و”نظرة للدراسات النسوية” بالإضافة إلى تعاونيات مثل “مصرين للإعلام الشعبي”. كما حرص المنظمون على نشر أرقام تلفونات للإبلاغ عن أي حالة تحرش. وخلال الأيام الماضية تدخلت “القوة” بالفعل لوقف عدة عمليات تحرش مما جعل ميدان التحرير أكثر أمنا. ولكن بعد فترة جرت حوادث تحرش جماعي بمناطق جديدة خلف المتحف المصري مثلا، لهذا أعلنت القوة عن احتياجها لمتطوعين جدد.