تعيش اليوم دول الثورات والربيع الديمقراطي، التي استطاعت تشكيل حكومات مستقرة، مخاض عسير، بين الحكومات ذات التوجهات الإسلامية، والمعارضة بمختلف أطيافها بما فيها بعض التيارات ذات المرجعية الإسلامية، التي رفضت الانخراط في مشاريع أخونة الدولة -حسب تعبيرها-، حتى أن البعض منها حمل سيف المعارضة من داخل الائتلاف الحاكم كما هو عليه الحال بالمغرب. وتبريرها، هو استفراد تيارات الإخوان بمختلف هذه الدول بالحكم، متناسيين في غالب الأحيان أراء ومواقف شركاءهم السياسيين مثل النموذج المغربي وتونسي، ومعتبرين في ذات السياق أن فكر المعارضة الذي جاءت منه مختلف أحزاب الإسلام السياسي الحاكمة بهذه الدول، مازال هو السائد على أسلوب قيادتها للسلطة، حتى أن هذه الأحزاب لم يتغير خطابها المعارض مما يعني أنها لم تصدق بعد وجودها في دفة الحكم (دائما حسب تعبير المعارضة الحالية). وتعتبر مصر ساحة الحسم بين أطراف هذا الصراع الدائر على طول جنوب المتوسط والذي وصل إلى حدود الأناضول (عند نموذج التعايش بين العلمانية ومشروع الإسلام السياسي)، نظرا لما تحتله من مكانة بارزة، لمحورية دورها في المنطقة، باعتبارها إحدى اكبر وأقوى الدول بالشرق الأوسط والخليج العربي، ولموقعها الجيو استراتيجي كأحد دول المجاورة لفلسطين المحتلة، مما سيكون للحسم بين أطراف الصراع الدائر، الآثار القوية على دول المنطقة، خصوصا تلك التي تتوفر على حكومات منبثقة عن الحراك الشعبي وذات المرجعية الإسلامية. فقد أكدت محطة 30 يونيو 2013، التي تعتبرها المعارضة المصرية، سواء تلكم الملتئم منها في إطار سياسي "جبهة الإنقاذ الوطني" أو تلك المجتمعة في إطار دينامية شعبية "حركة تمرد"، انطلاقة حركة عصيان مدني داخل ارض الكنانة ضد حكم الإخوان وحكم المرشد، معتبرين أن النموذج الاخواني أو ما ينعت بمشروع أخونة الدولة، الذي أفرزته ثورات الربيع العربي الامازيغي، قد دخل قاعة الانتظار في أفق إجراء عملية جراحية دقيقة قد تودي بحياة هذه التجارب التي أبانت في مهدها، عن بعض مما كان يخفيه هؤلاء من ضيق صدرهم وعدم اقتناعهم بالمشروع الديمقراطي، بل هو فقط بالنسبة لهم وسيلة وشعار لبلوغ سدة الحكم وتحقيق مشروعهم، الهادف إلى إقامة دولة الخلافة، التي لا تؤمن بالتعددية والاختلاف والرأي والرأي الأخر -حسب تعبير المنتقدين-. ملايين من المحتجين والمعارضين يغلقون مقار حكومية، ومنع موظفي محافظات من دخولها، وإغلاق محاكم ومؤسسات تعليمية ومسيرات واعتصامات بمختلف المحافظات والمدن المصرية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. واعتصام مليوني لمعارضي الرئيس محمد مرسي بميدان التحرير، الميدان الذي جمع بالأمس القريب كل القوى المصرية المتناحرة اليوم، ضد حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك في إطار ثورة 25 يناير التي عجلت بإسقاط حكم الجمهورية الوراثية، واعتصام مفتوح للمعارضين أمام قصر الاتحادية، وتجمع موازي لأنصار الرئيس مرسي بميدان رابعة العدوية. وموجة من العنف بين مؤيدي ومعارضي الرئيس الحالي خلفت العشرات من الضحايا موزعين بين قتيل وجريح، دفعت الجيش إلى التدخل وإمهال جميع الأطراف 48 ساعة، كمهلة أخيرة للتوافق بين الأطراف المتصارعة، وتلبية مطالب الشعب الذي خرج بالملايين ليعبر عن رأيه. الجيش أكد انه لن يكون طرفا في الدائرة السياسية مشيرا في البيان الذي أصدره عقب اجتماع قيادته (دون مرسي رغم انه قائد للجيش حسب الدستور الجديد لمصر) صباح يوم الاثنين 1 يوليوز أن الأمن القومي لمصر معرض لخطر شديد، محذرا من مغبة تأزم الوضع ودخول مصر في طريق اللاعودة. ومعارضون يقدمون على إحراق مقر جماعة الإخوان المسلمين، معيدين بذلك سيناريو إضرام النار في مقر الحزب الوطني الحاكم سنة 2011، وهذا ما دفع الجماعة إلى الرد وإعلانها عن تشكيل مليشيات مسلحة للدفاع عن النفس حسب نص بيانها، وهذا ما يثبت ويؤكد بالملموس أن المصريين أمام حكم للجماعة وليس حكومة ذات شرعية تحترم التوجهات الديمقراطية وسيادة مؤسسات الدولة، يزكي هذا الطرح رفع غالبية الموالين للرئيس لأعلام جماعاتهم، بخلاف المعارضة التي توحدت أطيافها تحت العلم المصري، وهو ما يعطي الانطباع أن مصر اليوم تتجه نحو نفق مظلم لم تحدد معالمه بعد، لكنه يحمل شعار "مرسي ارحل". وتطرح المعارضة بتوجهاتها المختلفة، سيناريوهات مرحلة ما بعد الإخوان، أولها حكومة تقنوقراط، للتصريف الأعمال، تقودها شخصية مدنية أو عسكرية متوافق عليها، تحضر لانتخابات رئاسية سابقة للأوان. هي إذن حال مصر اليوم بعد تطورات 24 ساعة من الأحداث المتسارعة، مصر أم الدنيا، مصر الأدب والثقافة والفن والعلوم، مصر الحضارة والتاريخ مصر القلب النابض للعالمين العربي والإسلامي، والامتداد الطبيعي لشعوب شمال أفريقيا بمختلف مكوناتها من امازيغية وعربية وافريقية ...
لحظة ترقب تعيشها المنطقة، ومعها العالم من اجل معرفة تطورات الأحداث، وما ستؤول إليه الأمور بمصر، فسقوط نظام الإخوان لن يمر بردا وسلاما على إخوانهم في حكومات المنطقة، (حسب المعطيات الدائرة) التي اختار شعوبها بعد الثورات التي عرفتها بلدانهم، أنظمة ذات توجهات إسلامية محافظة، شأنها في ذلك شأن بعض الدول التي شهدت تغيير هادئ يؤسس إلى إقرار الانتقال الديمقراطي العميق مثل النموذج المغربي. هي إذن موجة حراك شعبي جديد، ينبأ بصيف ساخن ستعرفه المنطقة، في ظل احتدام الصراع بين القوى السياسية الحاكمة ذات التوجهات الإسلامية، ومعارضها من مختلف الأطياف، بعد أكثر من سنة ونيف من حكم الإسلاميين في المنطقة، والتي لم تقدم أي جديد يذكر، فقط تصريحات متوالية لزعماء الحكومات الجديدة والذين يحملون من خلالها كامل المسؤولية للحكومات السابقة عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي ببلدانهم، دون تقديم حلول حقيقة للازمات التي تعصف بالمنطقة. فتونس التي شهدت وصول حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية إلى سدة الحكم بعد سنوات من المعارضة تشهد صراع قوي داخل الحكومة، بعدما تم تغيير رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي القيادي في نفس الحركة، بآخر هو علي العريض المعروف بقربه للغنوشي المرشد العام للحركة. وتتلقى حكومة العريض انتقادات لاذعة من المعارضين بسبب أداءه وأداء حكومته، التي لا تستمد حتى مساندة كاملة من الطرف الإسلامي الشعبي، يقودهم السلفيون، والذين يتهمون العريض بالتنازل عن الكثير من مطالب الجماهير الإسلامية كتطبيق الشريعة الخ... كما يتهمها المعارضون رفاق الأمس في ثورة الياسمين، بتقربها من فلول النظام السابق، وانعدام كفاء مكوناتها، هذه الأخير، هي نفس الاتهامات التي يوجهها خصوم بنكران (رئيس الحكومة المغربية والقيادي الإسلامي) إلى حكومته، سواء من داخل الائتلاف الحاكم متمثل في حزب الاستقلال (ذو المرجعية الإسلامية) أو من طرف المعارضة التي تمثل كل الأطياف الأيديولوجية مختلفة. تنضاف إلى هذه الانتقادات، أخرى تتأسس على استفراد بنكران بالقرار وتغليب المنطق الحزبي وضعف وبطئ الأداء الحكومي ، وجر المغرب إلى أزمة اقتصادية عميقة قد تؤثر سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين وتكريس الوضع الاجتماعي المتأزم أصلا. هذا هو حال حكومات الإسلاميين في المنطقة، فسقوط حكومة الإخوان بمصر ستؤدي لا محالة إلى زيادة الضغط عليها، وستسهم في انطلاقة ربيع جديد لكنه هذه المرة ربيع في موسم الحصاد، وسيكون للحصاد والاقتلاع حكومات الإسلاميين نصيب بكل تأكيد. ناشط شبابي باحث في تدبير الشأن العام والقضايا الدولية الراهنة