صادقت المحكمة الدستورية على دستورية القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، مؤكدة عدم مخالفته لأحكام الدستور، مع تسجيل ملاحظات تقنية تخص بعض مواده، من بينها المواد 1 و5 و12. جاء القرار عقب مداولات مطولة انتهت بالإعلان عنه يوم الأربعاء، في خطوة تمهد لنشر القانون في الجريدة الرسمية وتفعيله بشكل رسمي بعد تبليغه لرئاسة الحكومة. القرار يضع حدا للنقاش حول عدد من المقتضيات القانونية المرتبطة بممارسة الإضراب، خصوصا ما تعلق منها بالعلاقة بين الأجر والعمل، إذ اعتبرت المحكمة أن تنصيص المشرع على عدم استحقاق الأجر خلال فترة الإضراب لا يمس جوهر هذا الحق، ما دام متماشيا مع مبدأ التوازن بين حقوق العمال وضمان حرية المبادرة والمقاولة، كما نص على ذلك الفصل 35 من الدستور. في السياق ذاته، صادقت المحكمة على المادة الثامنة التي تحدد مهلة زمنية للتفاوض بين الأطراف قبل تنفيذ الإضراب، معتبرة أن مضمونها يرسخ مبدأ الحوار الاجتماعي ولا يتعارض مع مبدأ عدم التنازل عن حق الإضراب. أما بخصوص صلاحيات الحكومة، فقد رأت المحكمة أن منحها إمكانية التدخل لحل النزاعات وتقدير وجود "خطر حال" لا يتنافى مع الدستور، بل يندرج ضمن الالتزام الإيجابي المنصوص عليه في الفصل الثامن، والذي يُحمّل الدولة مسؤولية حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وفي ما يتعلق بجهة الدعوة إلى الإضراب، حسمت المحكمة الجدل القائم حول المادة 11، واعتبرتها متسقة مع المبادئ الديمقراطية التي يجب أن تحكم تسيير النقابات، مؤكدة أن الجهة المخولة قانونًا هي الأجهزة المنتخبة داخل التنظيمات النقابية. كما وافقت المحكمة على المادة 12، التي تنص على إحالة تحديد كيفيات الدعوة إلى الإضراب في القطاع الخاص إلى نص تنظيمي، لكنها شددت في المقابل على ضرورة التزام هذا النص بحدود المادة نفسها دون توسيعها أو إنشاء صيغ جديدة غير منصوص عليها. وفي ما يخص آليات التبليغ وآجال تنفيذ الإضراب، وافقت المحكمة على مضامين المواد 13 إلى 15، معتبرة أن الصيغة المعتمدة تحترم الطابع التصريحي للإضراب ولا تفرض قيودا غير متناسبة، بل تراعي التوازن بين ممارسة الحق واحترام النظام العام. المحكمة صادقت كذلك على المواد المتعلقة بالعقوبات (23 إلى 30)، مشيرة إلى أنها لا تمس جوهر حق الإضراب، بل تؤطر ممارسته وفق شروط قانونية محددة تراعي مبدأ التناسب بين الفعل والعقوبة، وتتماشى مع مبدأ حماية حرية العمل والمبادرة الاقتصادية. كما اعتبرت المحكمة المادة 19، التي تخول لرئيس الحكومة إمكانية توقيف أو منع الإضراب في حالات استثنائية، متوافقة مع الدستور، بشرط ألا يتجاوز هذا التدخل حدود الضرورة وأن يرتبط فعليًا بدرء أضرار محتملة على النظام العام وسلامة الأشخاص والممتلكات. وفي المقابل، سجلت المحكمة أن المادة الأولى من القانون، رغم عدم تعلقها مباشرة بشروط وكيفيات ممارسة الحق، لا تشكل خرقًا دستوريا، مادامت تقتصر على التذكير بالمبادئ والمرجعيات الدولية ذات الصلة. ويعد هذا القرار محطة حاسمة في مسار تقنين ممارسة الإضراب بالمغرب، إذ يُنتظر أن يسهم في ضبط العلاقة بين الشغيلة والمشغلين، وتأطير الحركات الاحتجاجية المهنية ضمن ضوابط قانونية واضحة، تحفظ الحقوق وتضمن الاستقرار المهني والاجتماعي.