لنرجع سيناريو الأحداث و على سبيل التمهيد إلى السابع من أكتوبر الجاري، حين شنت حركة حماس هجوما تمكنت من خلاله تحقيق عملية نوعية: جوا، وبرا، وبحرا، إما برجم إسرائيل بآلاف الصواريخ وقذائف الهاون، أو عبر التسلل من الحواجز الحدودية، أو عبر إنزالات نوعية لفرقة مقاتلين مضليين . أغلب التحليلات التي أريد لها و بقدرة قادر أن تحاول تسييد المشهد الإعلامي ، خصوصا في وسائط الإعلام الناطقة بالعربية (قناة الجزيرة على سبيل المثال )، تقول إن ما حدث كان إخفاقا ذريعا "لدولة إسرائيل"، مقابل انتصار خارق وغير مسبوق لحركة حماس ، انتصار حققته عبر عنصري "المفاجأة" و"المباغتة". عملية تتبعها العالم بأسره وحركت رغبة ظلت تسكن الشارع العربي والإسلامي في الانتشاء بدور البطولة الغائبة عنه منذ زمن طويل؟ … لنعد إلى قراءتنا المتواضعة للحدث ولنقف عن كيفية تعامل بلادنا المملكة المغربية معه، وكيف صاغت موقفها مما يجري في الشرق الأوسط؟ قبل الخوض في مقاربة هذه الإشكالات المطروحة، يتوجب علينا أن نتفق أولا أننا بصدد موضوع يدخل ضمن دائرة السياسة الدولية، والسياسة الدولية كما هو معلوم تدار وفق مبدأي العقلانية والبراغماتية ، وبعيدا عن التعاطي العاطفي. والواقع أن أغلب التحليلات الأعلامية شابها التعاطي العاطفي من كلا الجانبين . ولما كان الأمر على هذا النحو، وجدنا أنفسنا مضطرين إلى أن نأخذ مسافة نقدية من كل تحليل غير محايد وموضوعي ، ففي السياسية، هناك مبدأ يقول: "إن الحقيقة تختفي مباشرة خلف كل مبالغة". وفضلا عن الوازع الأكاديمي، الذي يلزمنا بتوخي الحذر المنهجي، ثمة مؤشر آخر يزكي التزامنا بأقصى درجات الارتياب والحيطة العلميين من كل أطروحة يتم تسويقها إعلاميا ، إنه مؤشر بلاغ وزارة الخارجية المغربية، الذي تم تضمينه الموقف الرسمي للمملكة مما يقع في الشرق الأوسط. فما موقف بلادنا من الموضوع؟ كان للمملكة المغربية.. موقف ذكي ، إذا تمعنا جيدا في منطوق البلاغ الصادر عن وزارة الخارجية المغربية، من حيث كونه المعبر الوحيد عن الموقف الرسمي للمملكة المغربية مما وقع . سنلاحظ عزيزي المتلقي، أن المملكة وصفت ما حدث في غزة بأنه أعمال عسكرية، من شأنها تقويض فرص السلام بالمنطقة . معنى ذلك أن الموقف الرسمي المغربي كان ذكيا في وصف ما قامت به حركة حماس هذه المرة بأنه مقاومة وذلك بالنظر لنوعية العملية ودقتها وكيف استطاع مهندسوها العسكريين تعطيل أجهزة الرادار والتعقب الإسرائيلية . وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن تلك الأحداث لم تكن في جوهرها أحداثا عادية، بل كانت عالية التخطيط ، وهو الأمر ذاته الذي لا زال يسيل الكثير من المداد في تحليل "عملية حماس" ، وما دام الأمر يتعلق بحدث "غير عادي "، فقد أكد البلاغ ذاته على إدانة المملكة استهداف المدنيين ، حيث جاء في ذات البلاغ تذكيرا من خلال عبارة لكل من يهمه الأمر التي حسمت أمر الإبتعاد عن إستهداف المدنيين واحترام القانون الدولي الإنساني ، والمغرب إذ يعبر عن هذا الموقف، فهو يعبر عنه بإعتبار الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس، وهو بهذه الصفة يقطع الطريق عن كل من يود المساومة بالقضية الفلسطينية، أو الابتزاز بها، ويشدد في الآن ذاته على أن حل هذا الصراع لن يكون إلا حلا "سلميا" ينتج عن "حوار بناء، ومفاوضات تفضي إلى حل الدولتين". هكذا إذن يتضح أن المملكة المغربية قد تبنت موقفا حياديا في هذا الصراع، أما دافعها إلى ذلك، فهو أن المغرب يعتبر البلد الوحيد القادر، اليوم، على الإدارة الناجحة للمفاوضات بين الفلسطين والإسرائيليين، وذلك بفضل امتلاكه لجملة من المقومات التي لا تتوفر في غيره، لا سيما: 1 – إمارة المؤمنين: وهنا لابد من التركيز على الطبيعة الدينية وقدسية مبدأ الإمارة ومن هذا المنطلق نرجع بكم الى خطاب جلالة الملك محمد السادس في استقباله لبابا الفاتيكان، أي أن جلالته يعتبر أميرا روحيا لمجموع التشكيلات السكانية العقدية لفلسطين وحتى من بإسرائيل. 2 – الجالية المغربية في إسرائيل: تعتبر ثاني أكبر جالية مغربية في الخارج ، حسب دليل وزارة الهجرة المغربية 2015 ،ذلك أنه توجد في إسرائيل أكثر من مليون مغربي من أصل 5 ملايين نسمة و بنسبة 1/5 من ساكنتها، وهذه الجالية معروفة بتعلقها، وولائها الروحي لجلالة الملك، ولوطنها الأم المغرب. 3 – الرصيد التاريخي : ذلك لأن المغرب يمتلك رصيدا و خبرة كبيرة في تدبير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، منذ عهد الملك الراحل المغفور له الحسن الثاني. وجدير بنا في هذا السياق أن نتذكر رسالة باراك أوباما إلى جلالة الملك سنة 2009 و التي طلب فيها من جلالته ، وبشكل صريح الاضطلاع بدور أكبر في إدارة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين . غير أن الموقف المغربي ، وإن نحا صوب الحياد ، فإنه رغم ذلك قد أبدى بعض الحزم تجاه إستهداف المدنيين والمنشآت المدنية والتجاوز غير المسبوق لإسرائيل في تغييب القانون الدولي . لنعد لتحليل الأحدات من زاوية متقاطعة ونعيد الى أدهانكم يا سادة إلى ما تساءل عنه بعض محللي أحداث الشرق الأوسط الأخيرة والاستهداف الخطير للمدنيين والبنى التحتية لغزة ، بأنه استنساخ واضح لسيناريو أحداث 11 شتنبر 2001 و تفجير تنظيم القاعدة لبرجي التجارة العالمية في نيويورك. وهل أخفقت مخابرات الولاياتالمتحدة CIA وFBA ، وجيشها القوي و في عقر دارها !؟ أمريكا قد اعترفت بنفسها أنها قبلت أن تنحني قليلا، حتى يتسنى لها أن تفعل ما تريد. وهو الأمر الذي تأكد حدوثه فعلا بعد ذلك (إحتلال أفغانستان – إحتلال العراق – تركيع العالم الإسلامي بدعوى مكافحة الإرهاب)، تبقى هذه الفرضية مستبعدة بالنظر للحق المشروع والدائم للشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وهو حق غير مشروط وغير مقيد . واسترسالا في قراءتنا المتواضعة ورغم تسارع الأحداث و تغول الآلة الحربية الإسرائيلية ودعم "الماما أمريكا" إلا أنه غالبا ما يتردد دائما في حقل النزاعات الدولية أنه إذا أردت أن تفهم اللعبة فابحث عن المستفيد منها، ولفهم اللعبة سنحاول أن نبحث عن المستفيد من هذه اللعبة القاتلة والمدمرة ، وذلك بمحاولة ملامسة الغايات التي أشعلت من أجلها هذه الحرب في الواقع ثمة غايتان أساسيتان تتجلى أولاها ، وبشكل مباشر، في محاولة إنقاذ إسرائيل من خطر التفكك، الذي بات يهددها بسبب إصرار "نتانياهو" على إحكام قبضته على مؤسسات الجيش، والقضاء، والإعلام ، فقد عاينا الانقسام الحاد في إسرائيل، المعبر عنه بمظاهرات مناهضة لسياساته، واستمرت لمدة 33 أسبوعا.. مما خلف وضعا خطيرا، لم يستطع معه المدعو "تاميرو باردو"، رئيس جهاز "الموساد" الأسبق، إلا أن يكتب مقال رأي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قال فيه : "إن حكومة بنيامين نتنياهو، بهذه الممارسات، قد تؤدي إلى نهاية الحلم الصهيوني" . لكن الوضع سيتغير مباشرة بعد عملية حماس ، حيث استطاع مصاص الدماء أن يجعل الجميع ينسون فضائحه، وخروقاته، بل ويلتفون حوله في أكبر وحدة وطنية تعرفها إسرائيل منذ عهد "مناحيم بيغن" في حرب الغفران أكتوبر 1973. فبعد أن عرفه عليه العجز الدائم عن تشكيل أضعف الحكومات في إسرائيل ، نتابع الآن كيف استطاع ،وبسرعة قياسية ، تشكيل حكومة وحدة وطنية ورأينا أيضا كيف صارت الأجهزة والمؤسسات المختلفة تحت سيطرته.. أما الغاية الثانية فيكشف عنها تصريح "نتانياهو" لوسائل الإعلام، حين قال: "إن ردنا كإسرائيليين على حماس سيغير الشرق الأوسط " و هذا التصريح صار مكشوفا أمام أنظار الجميع لتجاوز مجرد الرد عن حركة حماس الى استهداف المدنيين العزل و على الخصوص الأطفال هذا العنف المبالغ والمتجاوز لحدود كل رد او حتى حق في الدفاع عما تسميه إسرائيل "بالأمن القومي " وتكتل قوى عالمي إلى جانب الكيان الصهيوني والمشاركة والمساعدة في جرائمه ضد الإنسانية لم يكن سوى من أجل القيام بما هو أكبر من مجرد عملية رد على إعتداء وحق مشروع للمقاومة الفلسطينية ، إلى إعتداء أكبر وأفضح وهنا نقف على مجزرة مستشفى المعمداني التي صنفها الجميع على أنها عملية إبادة جماعية وجريمة شنعاء ضد الإنسانية وخرق غير مسبوق للقانون الدولي الذي يمنع استهداف المدنيين والمباني والمنشآت المدنية وهو ماعبر عنه البلاغ الأخير للخارجية المغربية الى جانب بيانات تنديد دولية عبر عنها الشارع الدولي وليس العربي والإسلامي فقط . الأمر الذي يتضح معه ومن خلال سياق الأحداث العنيفة وإستعراض القوة أن الأمر يتعلق بالقيام بشيء أكبر بكثير ، سماه محللو السياسة الخارحية أنه يتعلق "بتغيير الشرق الأوسط". نحن الآن، إذن، أمام مشروع إسرائيلي كبير بدعم أمريكي يتم تنزيله على أرض الواقع فاتورته المئات من المدنيين الأبرياء . خلاصة الأمر ، ليست هناك حرب مقدسة وأخرى مدنسة.. الحروب لا تحمل غير المآسي ، كل الحروب تعتبر قيما سلبية، وأبشع ما فيها أن البعض يقتل، ويسفك دمه، ويغتصب حقه في الحياة، بينما ينعم آخرون بمزايا "التفاوض"، و"المساومة" بدماء المقتولين" . فكفى حروبا، كفى قتلا ، ودمارا… اقرأ أيضا المنتظر من مدونة الأسرة: تجسيد مشروع مجتمعي منصف يربط الاجتهاد بتحديث المجتمع