بقلم : ذ.رشيد امسكين تعتبر مهنة المحاماة جزءا من أسرة القضاء وشريكا أساسيا في تحقيق العدالة، إذ لا عدل بدون قضاء، ولا قضاء بدون دفاع و لا تطور لأي منهما دون العناية بكليهما ولا إصلاح لاحدهما دون إصلاح الاخر،فالمحاماة مرادفة لحق الدفاع تساهم إلى جانب القضاء في ترسيخ مبادئ العدل والمساواة، و ما يزكي أهمية الكبيرة لمهنة المحاماة هو إفراد محور خاص بها في إطار برنامج الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة لمناقشة وضعية مهنة المحاماة بالمغرب وهو الأمر الذي نعتبره مبادرة حميدة وكان مناسبة لتدارس واقع مهنة المحاماة في إطار مقاربة تشاركية تسعى إلى توحيد كافة الجهود و الرؤى لبلورة آفاق مستقبلية، خاصة أن مهنة المحاماة اليوم توجد أمام محك جديد بحكم تحديات الإصلاح الشامل و العميق لمنظومة العدالة و زحف العولمة، على إعتبار ان ما يشهده العالم اليوم من نسق سريع للتطور التكنولوجي من شأنه أن يوثر بصفة مباشرة على طرق و أساليب ممارسة مهنة المحاماة. ومما لا شك فيه فإن المرحلة القادمة ستشهد حتما تطورا في مستوى الخدمات القانونية المسداة من طرف المحامين إلى جانب تغيير أساليب عملهم المستقبلية مع استكمال ورش المحكمة الرقمية التي بدأت معالمها تظهر في عدة أنظمة قانونية مقارنة خاصة أن وزارة العدل شرعت في وضع و تنفيذ استراتيجية لتطوير النظام المعلوماتي بما يمكن من إرساء عدالة رقمية، وفي هذا الإطار فإن المحامين في المغرب مطالبين بالإستعداد لمواجهة التحديات التي ستواجهها المحاماة في ظل التكنولوجيا الحديثة و الرقمنة و تغلغل الذكاء الصناعي، وهذا واقع يقود بالضرورة إلى التفكير في اعادة تصور جديد لمهنة المحاماة على مستوى التكوين و التخليق و التاهيل و هو ما سنوضحه من خلال المحاور الاتية: المحور الاول: الولوج لمهنة المحاماة و معضلة التكوين يعتبر التكوين أهم مقومات اصلاح أي مهنة، فالمحامي الذي تلقى تكوينا جيدا يمكن أن يواجه كل التحديات خصوصا أمام المنافسة الشرسة للمكاتب الأجنبية. فعلى الرغم من المجهود الذاتي لبعض الهيئات من خلال ندوات التمرين وما تمثله من فضاءات لتلقي المحامين المتمرنين مهارات المهنة و اكتساب معارف جديدة و الإحتكاك باشكاليات و تحديات المهنة، فقد أظهرت الممارسة أن ندوات التمرين تعاني بدورها من نقص سواء من حيث تنظيم إطارها القانوني أو من حيث مستوى تأطير اشغالها و عدم انفتاحها الكافي على مؤطرين مختصين من خارج المهنة أو من حيث طبيعة المواضيع المدرجة ذات البعد النظري و كذا غياب بعض المواضيع المهنية الاساسية كفن المرافعة الشفوية، هذا فضلا عن كثرة عدد المترشحين و ما يتبعه من مشاكل في التنظيم في ظل الخصاص الملاحظ على مستوى البنية التحتية البيداغوجية للعديد من هيئات المحامين. لا نخفي سرا على ان العدد الوافدين الجدد خلال السنوات الاخيرة على مهنة المحاماة – ونحن ضمنهم – يؤكد ان مهنة المحاماة تعتبر اكبر مشغل في البلد، و نظر للعدد الكبير من الملتحقين بمهنة المحاماة فاننا من حقنا أن نتساءل عن مصيرنا في ظل هذا الوضع؟ و ماذا اعدت لنا الدولة في مجال التكوين و التأهيل، وكيف ستمر فترة تمريننا ؟ وكيف سيكون مجال اشتغالنا؟ ان الواقع المعاش يؤكد بالملموس أن فترة التمرين لم تعد تمكن عددا لا يستهان به من المقبلين على مهنة المحاماة من تمرين و تكوين في المستوى المطلوب لأسباب متعددة منها على وجه الخصوص أن جل الوافدين على مهنة المحاماة يتعصي عليهم ايجاد فرص للالتحاق بمكاتب تتوفر فيها شروط التأهيل و التكوين، كما أن ظرف التمرين بالنسبة للمحامي المتمرن تبقى بعيدة كل البعد عن الهدف المنشود من وراء التكوين إن على المستوى المعرفي او على مستوى القانوني و المهني كما أن ردهات المحاكم اختفى منها جل المحامين القدمى الذين كان المحامون المتمرنون يستفدون ليس فقط من مرافعاتهم و تدخلاتهم، بل أيضا من سلوكهم و كيفية تعاملهم مع بعضهم، وكيفية تعاملهم مع المحكمة، علاوة على أن ندوات التمرين كما سبق لنا الاشارة الى ذلك لا تتم بانتظام و بالشكل الذي يوفر تأطيرا فعالا للمقبلين على المهنة نظرا للعدد الهائل من الملتحقين. و الان، ونحن على أبواب وضع قانون جديد لمهنة المحاماة ينبغي الانكباب على موضوع مأسسة التكوين الخاص بالمحاماة وفق نظرة واقعية تتجاوز الصعوبات القائمة و تستحضر الفعالية و القدرة على التنزيل، و تضمن نجاعة التكوين مع اشراك كل الفعاليات المعنية بالموضوع ، خاصة ان من بين ما جاء به ميثاق اصلاح العدالة ضمان جودة التكوين الأساسي والإرتقاء بمستوى التكوين المستمر و دعم آليات تعزيز ثقة المواطن في مهنة المحاماة،حيث جاء في توصيات اصلاح منظومة العدالة مايلي: * التوصية 144: ” إحداث مؤسسة لتكوين المحامين و معهد وطككني للتوثيق و مركز لتكوين العدول و المفوضين القضائيين و الخبراء القضائئين.” * التوصية 149: “مراجعة مستوى المؤهل العلمي للمشاركة في امتحان ولوج مهنة المحاماة بما يماثل المؤهل العلمي لولوج سلك القضاء مع الانفتاح على مختلف التخصصات العلمية. * التوصية 150: “ مراجعة نظام الإمتحان للولوج إلى مهنة المحاماة ومدة التمرين فيها، وكذا امتحان التخرج للحصول على شهادة الكفاءة للمارسة المهنة. ان ماجاء به ميثاق اصلاح العدالة مجرد شعارات رنانة، فاين هي معاهد التكوين التي تم التنصيص على احداثها من خلال ظهير 10 شتنبر 1993 المعتبر بمتابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة بالمغرب من خلال المادة السادسة منه والتي جاء فيها: ” تمنح شهادة الأهلية لمزاولة منهة المحاماة من طرف معاهد جهوية للتكوين تحدث و تسير وفق الشروط المحددة بمرسوم”، كما ان القانون المطبق حاليا رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة جاء في امادة السادسة منه مايلي: ” تمنح شهادة مزاولة مهنة المحاماة من طرف مؤسسة للتكوين تحدث و تسير وفق الشروط التي ستحدد بنص تنظيمي” إن تقاعس الدولة عن إخراج معاهد تكوين المحامين كل هذه المدة يترجم غياب ارادة حقيقة للدولة في الاصلاح وبالاخص اصلاح مهنة المحاماة ،وفي هذا الإطار نعتقد من جانبنا أن اي محاولة اصلاح لمهنة المحاماة يستدعي تدخلا على مستوى التشريع بمراجعة شروط الإنخراط في المهنة و إحتكارها، وعلى مستوى التكوين، وعلى مستوى أشكال الممارسة المهنية و على مستوى الاعراف و التقاليد * على مستوى ولوج المهنة: تعتبر الشروط العلمية و الأخلاقية المتطلبة لولوج مهنة المحاماة من بين أهم التحديات التي تواجه مكانة هذه الأخيرة ووظيفتها الحقوقية بالمجتع، وفي هذا السياق فإن التركيز على توفر شروط تعليمية عالية لولوج المحاماة وتوفر التدريب الازم تبعا لذلك يقع على عاتق الدولة و هيئات المحامين، بما يكفل توفير المحامي الحقوقي الكفء للمواطن و الأجنبي على حد سواء والذي يضمن له الولوج المستنير للعدالة. و لتحقيق كل ما ذكر أعلاه، يتعين اعادة النظر في شروط ولوج المهنة وفي اجراءات البحث التي تتم حول المترشحين لها،من خلال التفكير في الرفع من مستوى الشهادة المطلوبة للاجتياز امتحان الأهلية مقارنة مع بعض التجارب الدولية في هذا الميدان خاص ان من بين التوصيات التي جاء بها ميثاق اصلاح منظومة العدالة هو مراجعة مستوى المؤهل العلمي للمشاركة في امتحانات ولوج مهنة المحاماة، بما يمثل المؤهل العلمي لولوج سلك القضاء مع الإنفتتاح على مختلف التخصصات العلمية. فضلا على انه يتعين مراجعة نظام الإمتحان للولوج لهمنة المحاماة ومدة التمرين فيها. * على مستوى التكوين: من المعلوم أن للتكوين دور حاسم في مهنة المحاماة و ذلك لارتباطه بالفعالية و التنافسية و إشعاع المهنة و قدرتها على القيام برسالتها النبيلة و تحقيق جودة الاستشارات القانونية، فالمحامي الذي تلقى تكوينا جيدا يمكن ان يواجه كل التحديات خصوصا أمام المنافسة الشرسة للمكاتب الأجنبية. فعلى الرغم من المجهود الذاتي لبعض الهيئات من خلال ندوات التمرين و ما تمثله من فضاءات لتلقي المحامين المتمرنين مهارات المهنة و إكتساب معارف جديدة و الإحتكاك بإشكاليات و تحديات المهنة و التعريف بالاعراف و التقاليد المرتبطة بهمنة المحاماة، فقد أظهرت الممارسة ان ندوات التمرين تعاني من نقص بدورها من نقص سواء من حيث تنظيم اطارها القانوني أو من حيث مستوى تأطير اشغالها، وبالتي يمكن القول أن مسألة تأمين تكوين حقيقي ملائم لممحامين المتمرنين وفق مقاربات حديثة لازال بعيد المنال هذا فيما يخص التكوين الأساسي – التمرين-. أما فيما يخص التكوين المستمر، فرغم أهمية هذا الأخير بالنسبة لأي محام، فإنه لا يوجد نص يوجب التكوين المستمر على المحامي الممارس، كما أنه لا توجد آليات تمكن من توفير التمويل اللازم لتنظيم دورات هذا التكوين، و بذلك تبقى فرص التكوين المستمر أو التكوين المتخصص قليلة، وغالبا ما يتم التكوين المستمر في إطار ندوات و أيام دراسية عادية أو في إطار مبادرات فردية للمحامي مما يحرم فئات عريضة من المحامين الممارسين من مواكبة المستجدات القانونية و القضائية وحتى التقنية التي ترتبط بالمهنة، ففي بعض التجارب المقارنة على غرار فرنسا التي يعتبر فيها التكوين المستمر واجبا على المحامي المسجل في جدول الهيئة،بحيث تبلغ عدد الساعات الواجبة استيفاؤها في التكوين المستمر 20 ساعة خلال السنة، أو 40 ساعاة خلال السنتين، و تنظم مدارس التكوين دورات تكوينية مفتوحة امام كل المحامين بفرنسا و يجب على المحامي ان يؤدي مصاريفها اذا لم تكن مجانية. إن منظومة التكوين الحالية، سواء التكوين الاساسي للمحامي المتمرن او التكوين المستمرللمحامي الممارس تعتبر غير كافية، و لا تساعد على تأهيل محام قادر على مجابهة التحديات المعاصرة التي توجه مهنة المحاماة، الأمر الذي يستدعي ضرورة التفكير في مأسسة التكوين الخاص بالمحاماة بالمغرب وفق نظرة واقعية تتجاوز الصعوبات القائمة و تستحضر الفعالية و القدرة على التنزيل و تضمن نجاعة التكوين، و اشراك كل الفعاليات المعنية بالموضوع من خلال احداث معهد للتكوين خاص بالمحامين، يسند اليه بالموازة مع التكوين الأساسي التكوين المستمر، بشراكة مع جمعية هيئات المحامين و الدولة، على أن تضطلع الهيئات بدور أساسي في عملية التكوين لمصلحة المتمرن بالاساس، كما يمكن التفكير في خلق مراكز جهوية للتكوين وان الخلاصات التي يمكن الخروج بها فيما يخص التكوين المحامين تتمثل فيما يلي : * الإسراع باحداث مؤسسة التكوين، و تمكينها من الوسائل المادية و البشرية الكافية للمساهمة في إعداد المحامي. * إعادة النظر في اشغال ندوات التمرين شكلا و مضمونا و التركيز فيها على جانب الاعراف و التقاليد المهنية. * إجبارية التكوين المستمر للمحامين الرسمين و مساعدة الدولة في برنامج وطني بهذا الخصوص. * فتح فضاءات وزارة العدل في مجال التكوين وتبادل التجارب و الخبرات امام المحامين على قدم المساواة مع السادة القضاة.
المحور الثاني: الرهانات المستقبلية لمهنة المحاماة ان ما يشهده العالم اليوم من نسق سريع للتطور التكنولوجي من شأنه أن يؤثر بصفة مباشرة على طرق و اساليب ممارسة مهنة المحاماة، الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير كيفية ممارسة مهنة المحاماة لتتخد أشكالا و أساليب جديدة في التعاطي يفرضها تسارع التقدم التكنولوجي، كما ان التطور التكنولوجي، له تأثير أيضا على الادوار التي سوف يتحملها المحامين الشباب وأيضا المقبلين على ممارستها في المستقبل، فالمحامين واجهو في السنوات الأخير تحولات كثيرة في ممارساتهم، ومن المرجح ان تنمو هذه الحركة بشكل أكبر خلال السنوات القليلة القادمة. وهكذا فان المرحلة القادمة سوف تشهد حتما تطورا في مستوى الخدمات القانونية المسداة من طرف المحامين، إلى جانب تغيير أساليب عملهم المستقبلية مع استكمال تركيز المحكمة الرقمية التي بدأت معالمها في عدة أنظمة قانونية مقارنة، خاصة أن وزارة العدل شرعت في وضع و تنفيذ استراتجية اتطوير النظام المعلوماتي بما يمكن من ارساء عدالة الكترونية، ففي كلمة للسيد وزير العدل بمناسبة تخرج الفوج 41 من الملحقين القضائيين، أكد ان الوزارة تتبع بحرص شديد أوراش النهوض ببنايات المحاكم و استكمال مقومات مشروع المحكمة الرقمية و تكثيف استعمال التكنولوجيا الحديثة في عمل القضاة و كذا المهن القضائية، لا سيما فيما يتعلق بالتبادل الالكتروني للمذكرات و الوثائق و المستندات. كم لايفوتنا و نحن بصد الحديث عن الرقمنة الاشارة الى أن مشروع التنظيم القضائي نص و بصراحة في المادة 22 على اعتماد المحاكم الادارة الالكترونية في تصريف الاجراءات و المساطر القضائية وفق برامج تحديث الادارة القضائية، وهذا ان دل على شيء فانما يدل على ان أتمتة الخدمات الإلكترونية و العمل القضائي شيء حتمي لا مفر منه، لا نه في غضون السنوات القادمة سيختار الزبون مكاتب المحاماة وفقا لكونها مجهزة بادوات رقمية ام لا، وهو ما يسمح بدخول عالم المنافسة الذي لا يرحم. ومن تمة فان المحامين مطالبين بالاستعداد لمواجهة التحديات التي ستواجها المحاماة في ظل التكنولوجيا الحديثة و الرقمة و تغلغل الذكاء الصناعي، فممارستنا لمهنة المحاماة تكاد تكون يومية التخطيط دون أبعاد و رؤية مستقبلية، و هنا اقول ان الطريقة التي يمارس بها المحامون مهنتهم هي أول أسباب الأزمة أو بالاحرى مجرد بوادر الأزمة ، و ما ينتظرنا أشد بكثير مما هو الحال عليه اليوم. وهذا ما يفرض على المحامين ضرورة الإلمام بتقنيات الإتصال الحديثة و ان تكون لهم الرغبة في التمكن من قواعد القانون الدولي الخاص و قواعد التحكيم التجاري الدولي ، و كذا الإلمام بقواعد التجارة الدولية و عقود الاستثمار، كما يتطلب الامر كذلك وجوب المضي في ضمان تكوين عالي الجودة للمؤهلين لممارسة مهنة المحاماة بما يسمح لمنتسيبها الالمام بالأنماط القانونية المستحدثة و اساليب العمل العصرية و ذلك حتى يواصل المحامون لعب دورهم المتميز و المتقدم كشريك في إقامة العدل و تحقيق الإنصاف. لذلك فمن المهم، إجراء تعديلات على ممارستنا المهنية، فقد لن تنظم حقوق الدفاع مستقبلا في سياق المنازعات القضائية فحسب، بل ستتوسع لتتمحور اكثر فأكثر حول مهام التصالح او الوساطة او التحكيم، وهذا هو الاثر الاول على الممارسة المهنية، خاصة ان الحل القضائي لم يعد سبيلا وحيدا لفض المنازعات ، في ظل توجه الدولة الى التخلي اكثر فاكثر عن قوتها التحكمية في قطاع العدل،و تقليص فرص الوصول الى التقاضي، فالكثير من الدعاوى و النزاعات قد لا تصل مستقبلا الى القاضي، بحيث يتعين على كل طرف ايجاد حل ودي بدل البحث عن الحل القضائي الذي يعرف العديد من التعقيدات و يتطلب وقتا طويلا، و بالتالي فالمحامي في هذه الحالة سيكون متضرا اكثر فاكثر الى ايجاد حلول توافقية تحفظ مصالح الافراد المتنازعة في تفاوض مع زميل اخر، وفي هذا السياق دائما نعتقد ان الحلول البديلة لتسوية المنازعات سيصبح من الطرق الجديدة لممارسة مهنة المحاماة مستقبلا هذا و نعتقد انه اذا كانت التحديات التي واجهات الجيل الاول من المحامين هي الكفاح و الصمود من أجل أن تبقى مهنة المحاماة وفية لرسالتها الخالدة، وتمارس دورها الحيوي كمؤسسة محورية في نظام العدالة، من خلال ترسيخ القيم و الأعراف و الممارسات المهنية الفضلى بين المحامين، فإن الظرفية المعاصرة تفرض اليوم بالإضافة ذلك كله، تأهيل المهنة بالإقدام على ثورة معلوماتية في بنيتها، تمكنها من مواكبة المتغيرات الثقافية و الإقتصادية و الإجتماعية الوطنية و الدولية، و مسايرة ظروف عولمة الاسواق و شروط المنافسة الإقتصادية، و تعاظم دور المبادلات الإلكترونية و العلاقات الرقمية، بما يفرضه كل ذلك من تحديات على رجال القانون وفي مقدمتهم المحامون.بالاضافة الى انه يتعين على الممارسين لمهنة المحاماة التفكير في تاسيس شركات مهنية للمحاماة على اعتبار ان ان طرق الممارسة الحالية لا مستقبل لها. المحور الثالث: المنشود من وراء تعديل قانون المهنة ان التساؤل الذي يطرح نفسه بالحاح هو ماذا ننشد من تعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة ؟ وهو تساؤل من المفروض علينا جميعا، أن نجد له الجواب الشافي بكل وضوح و صراحة، و نحدد الطريق الذي سنسلكه للحصول على نص منظم للمهنة كما نريده شريطة ألا تتوقع داخل منظور ذاتي مصلحي فقط مهما كانت شرعية هذا المنظور، ولانهمل الهدف الاسمى المنشود و هو جعل مهنة المحاماة هي الملجأ الحر الحصين المستقل عن كل تبعية كيفما كان نوعها.خاصة اذا علمنا ان منظومة العدالة تعرف تحولات كبيرة ، هذه الاخيرة تفرض على المحامين ان يكونوا عند المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، من خلال العمل على اقناع الاخرين مسؤولين حكوميين و مواطنين بأن قوة المهنة و صلابتها التي تستقيها من حريتها و استقلالها، و حصانتها، ليس ميزة أو هبة تمنح للمحامين ببل يتعلق الامر بشروط قيام الدولة و على رأسها ضمان حق الدفاع للمواطنين من طرف اشخاص مؤهلين علميا و أخلاقيا للقيام بهذه المهمة. ان ما يجب علينا اليوم كمحامين ان نفهمه و نعيه جيدا ان تعديل القانون المنظم للمهنة المحاماة ليس أمرا سهلا أو مجرد نزوة بل إن الأمر يتطلب دراسة طويلة و اخد اراء المحامين على اعتبار انهم الوحيدين الذين يعرفون المشاطل التي تعرق عملهم. و في نفس السياق نرى انه اذا كان قانون المنظم لمهنة المحاماة بحاجة إلى تحديث في الكثير من جوانبه تماشيا مع مناخ الإنفتاح على الأخر، و مناخ العولمة و تحرير الخدمات القانونية فإن التغيير يجب ان يشمل جميع المحاور الواردة في القانون مع اضافة محاور اخرى جديدة عند الضرورة. ولقد ارتاينا أن نساهم ببعض الافكار التي يمكن أن تساهم في وضع قانون جديد لمهنة المحامماة بالمغرب يستجيب للتطلعات المحامين نلخصها في مايلي: * العمل على تعديل بنية القانون المنظم لمهنة المحاماة عوض مجرد تعديلات وفي هذا الاطار نعتقد ان يجب ان يكون القانون الجديد ديمقراطيا و حداثيا شكلا و مضمونا. * دمقرطة اجهزة الهيئات و تمكين الجمعية العمومية من سلطات تقريرية . * دسترة مهنة المحاماة كما هو الامر في بعض التشريعات المقارنة. * يتعين ان يواكب القانون الجديد هذا التقدم المعلوماتي و ان يعمل على تمكين الهيئات من تأهيل المحامين المنتمين لها باستعمال وسائل الإتصال الحديثة بنفس الوثيرة التي تعمل بها المحاكم. * تخصيص المحامين بنظام ضريبي يراعي خصوصية المهنة مع اعفاء المحامين المبتدئين من الضرائب في بداية مشوارهم المهني. * تحمل الدولة مسؤولياتها فيما يتعلق بدعم الهيئات بخصوص التكوينالاساسي و التكوين المستمر. * تعزيز حصانة الدفاع و استقلالية مهنة المحاماة * التنصيص على احداث مؤسسة وطنية للتكوين يسند اليها مهمة التكوين . * اعطاء مفهوم جديد لمهنة المحاماة و اعتبارها شريك اساسي في للسلطة القضائية في تحقيق العدالة. * تكريس اعراف و تقاليد المهنة، وترسيخ مفهوم انمهنة المحاماة تسعى اساسا الى تغليب مصلحة المتقاضين و الدفاع عن مصالحهم بالدرجة الاولى. * توسيع مجال المهنة بما يساعد المحامي من الخروج من المحاكم الى فضاءات الاعمال و الخدمات، و الزام الدولة و الادارات العمومية و الشبه العمومية و الشركات بتوفرها على محام مستشار. * تقديم حوافز للمحامين الشباب على مستوى التمويل و على مستوى الضريبي و مساعدتهم ت على فتح مكاتبهم. * تقديم الدعم للهيئات فيما يتعلق بانظمة التقاعد و التغطية الصحية خلقا للاطمئنان لدى المحامي لما ذلك من اثر كبير على تخليق المهنة. خلاصة القول، ان الرفع من مستوى مهنة المحاماة قصد قيامها بالوظيفة الاجتماعية و الرسالة الانسانية التي وجدت من اجلها و رسختها المواثيق الدولية و المتمثلة في تمكين المواطن من الولوج المستنير للعدالة و القيام بضمان شروط المحاكمة العدالة، لن يتأتى الا من خلال ضمان كرامة المحاماة من جهة و السير في طريق الامم و الدول المتحضرة و ذلك بضمان حقوق الدفاع امام جميع المحاكم . هذا و نعتقد ان اي اصلاح او تخليق و تاهيل لمهنة المحاماة ، في غياب منظر شمولي لاصلاح الحياة العامة ، لا يمكن الا ان تكون محدودة النتائج و مدعاة للاحباط و الياس من جديد، على اعتبار ان اي برنامج للاصلاح او التخليق يظل رهينا بمدى اقتناع به لدى الراي العام و الخاص، و بمدى احتضانه من طرف المعنيين به و مشاركتهم الفعلية في بلورته.