منذ أزيد من ثلاث سنوات، اختارت نعيمة بونعمان اقتحام إحدى القطاعات التي كانت إلى الأمس القريب حِكرا على الرجال، فأهلتها كفاءتها وجرأتها وعزيمتها القوية إلى التقدم لاجتياز اختبار نيل رخصة الثقة لسياقة سيارة الأجرة الصغيرة بعاصمة الانبعاث، فكانت أول امرأة في سوس تلج هذا العالم "الذكوري"، وإن سبقتها تجربة أخرى في ضواحي إقليمتارودانت، لكن في سياقة سيارة الأجرة الكبيرة. هي سائقة تاكسي صغير بأكادير، وقبل ذلك فهي زوجة وأم لثلاثة أبناء، أفلحت في التوفيق بين متطلّبات الحياة الزوجية والأسرية، وما تتطلبها من رعاية يومية، وبين عملها اليومي بين أحياء وأزقة المدينة، الذي تشرع فيه منذ الساعة الثامنة من صباح كلّ يوم إلى غاية الربعة بعد الزوال، ليُتم زوجها المهمة. نقاش مستفيض وسط أسرتها الصغيرة سبق ولوج نعيمة إلى قطاع سيارات الأجرة، كسائقة مهنية، لكن موافقة وتشجيع زوجها، المشتغل في المجال ذاته، كانت دفعة قوية، وعاملا مساعدا ومحفّزا في عدم تردّد السيدة في خوض هذه التجربة، رغم ما يُشاع عن القطاع من تفشي سلوكات وممارسات تستهدف السائقين الذكور، أبرزها السطو على ممتلكاتهم والاعتداءات اللفظية والجسدية وغيرها. نعيمة بونعمان أكدت أنها استطاعت أن تفرق بين عملها المنزلي كربّة بيت، وبين عملها كسائقة سيارة أجرة من الصنف الصغير، وقالت في هذا الصدد: "أستهل اليوم بإعداد كل متطلبات زوجي وأولادي، مأكلا وملبسا، ولا أغادر البيت إلا بعد توديعهم إلى مدارسهم"، لتبدأ مرحلة العمل اليومي في "التاكسي"، على أمل العودة منتصف النهار لتهييء وجبة الغداء قبل استئناف عملها للفترة الزوالية. هي المرأة الوحيدة وسط آلاف الأشخاص المشتغلين كسائقي سيارات الأجرة بصنفيها في مدينة أكادير، وكثيرا ما تسمع عن تعرض هذا السائق أو ذاك لاعتداء من طرف جانحين، أو سطو على المردود المالي لعملهم اليومي، وكل ذلك تعيه نعيمة بشكل جيد، بل وتستحضره أثناء كل عملية توقف بعد إشارة من زبون أو زبونة؛ وقالت: "اختيار الزبناء، ذكورا وإناثا، تتم بعناية فائقة، وكل شكوك تنتابني تجعلني أنأى عن التوقف، أو أغير المسار". مواقف طريفة صادفتها نعيمة خلال سياقتها للتاكسي الصغير، أرجعتها إلى عدم تعود المواطن الأكاديري وحتى الزوار على مظهر الأنثى المشتغلة في أسطول سيارات الأجرة بالمدينة. وتحكي هنا أنه غالبا ما لا يعير الزبون الانتباه لجنس السائق، فتكون العبارة السائدة ذكورية بامتياز عند طلب النقل نحو وجهة رحلته، "عفاك أسيدي دِّينِي لبلاصة الفلانية…"، مباشرة بعد أن تحط أرجلهم بالتاكسي، وعند اكتشافهم أن السائقة أنثى، يطلبون الاعتذار بالقول "سمحي ليا تانسحاب واش تاكسي"، وتتدخل لإقناعهم بأن العربة فعلا سيارة أجرة. تواجدها اليومي وسط أحياء وأزقة أكادير، كسائقة تاكسي صغير، استطاعت بفعله نعيمة تجاوز كثير من العقبات التي واجهتها في بداية مشوارها العملي بالميدان، أولها نظرة المجتمع إليها كسائقة اقتحمت هذا العالم الذكوري، فتروي نعيمة في هذا الصدد أن "المرأة ولجت عالم الشغل في ميادين كثيرة، كما نالت مناصب عليا، واستطاعت منافسة الرجل فيها وفرض نفسها، لكن قطاع سيارات الأجرة، وظروف عمل السائق، فهو تجربة جديدة يصعب اقتحامها من طرف المرأة". وزادت نعيمة متحدّثة عن تجربتها: "اكتسبت عينة مهمة من الزبناء، لاسيما النساء اللواتي يطلبْن خدماتي في كل رحلاتهن وسط المدينة، ومردّ ذلك يكمن في الثقة المتبادلة منذ الوهلة الأولى في اكتشافهن لسائقة التاكسي، فضلا عن كونهن يتفادين العديد من الممارسات والمضايقات التي قد يتعرضن لها"، معتبرة أن سيادة جوّ الاطمئنان يُساعد على طلب خدماتها، كما يُعبّر كل الزبناء الذين تصادفهم عن تقديرهم لشخصها، وتشجيعاتهم لها، بل يطالبون بتعزيز هذه التجربة بعناصر نسوية أخرى. حسن اليوسفي، سائق مهني أحد جيران نعيمة بونعمان، اعتبر أن المرأة اقتحمت عموما عدة مجالات كانت حكرا على الرجال. أما بخصوص نعيمة، فقال: "هي متمكنة من السياقة، وذات تجربة عالية وكفاءة، وعملها وسط القطاع يشرّف المهنيين لما أبانت عنه من حنكة عالية، مضيفا: "نستحسن ولوج النسوة إلى قطاع سيارات الأجرة، من طينة نعيمة، بدلا من بعض الشباب المتهورين الذين يُسيئون في كثير من الأحيان للقطاع برمته". وقدم المتحدّث شهادة نقلها عن عدد من زبنائه مفادها أن "خدمات السيدة نعيمة تلقى إقبالا كبيرا، نظرا لجدّيتها في العمل، وتفانيها في أداء واجبها تجاه الزبناء"، مرحّبا بتعزيز فئة السائقين المهنيين في قطاع سيارات الأجرة بالعنصر النسوي الكفؤ، القادر على تحمّل أعباء المهنة، والمساهمة في الرقي بالخدمة، بعد أن أعطت السائقة نعيمة بونعمان النموذج الأمثل في هذا الصدد.