بالجنوب الغربي لمدينة أكادير، وبالجماعة الترابية "سيدي بيبي"، بإقليم اشتوكة آيت باها، تقع قرية "تفنيت" السياحية، متضمنة مرفأ لقوارب الصيد التقليدي، بمحطة تفريغ المنتوج السمكي، كان العاهل المغربي قد أعطى انطلاقة تشييدها خلال شهر يناير من سنة 2011، بكلفة إجمالية بلغت 42.5 مليون درهم، في إطار المشروع الوطني لتنمية قطاع الصيد التقليدي، وكان الهدف منه، دعم هذا النوع من الصيد، لتحسين ظروف عيش وعمل المشتغلين فيه، بالإضافة إلى المساهمة في تطوير وإعادة هيكلة القطاع، عبر خلق قطب مندمج في محيطه الاقتصادي والاجتماعي. أزيد من 500 شخص، أربابا للقوارب وبحّارة، يعملون على متن نحو 160 قاربا تقليديا، بمرفأ "تفنيت"، منها يُعيلون أسرهم، يركبون أمواج البحر، كلما سمحت الأحوال البحرية بذلك، أو عندما تتجاوز حالة البحر ما يُسمونه ب"الموبيتا"، غير أن آثار انعكاس عملهم على المعيش اليومي لهؤلاء، وفقا لأهداف المشروع المسطرة، ورغم المخاطر المحفوفة بالمهنة، لم ترْقَ بعد إلى ما يصبون إليه، فأوضاعهم تبقى جدّ مزرية، وكل الأهداف المُدبّجة في وثائق هذا المشروع الملكي، بقيت حبرا على ورق، بل زادت الأوضاع تأزما، جعلت غاليتهم يجهرون بتذمرهم إزاء "أياد خفيّة"، تُعرقل تقدم قطاعهم، وتُبقيهم رهائن "لوبيات"، همّها الوحيد الربح السريع، على حسابهم. تأثير سوق سوداء خالد فواح، بحّار قضى زهاء 17 سنة في مهنة الصيد التقليدي، يحكي لجريدة أكادير 24، أن شكايات عديدة رُفعت إلى المسؤولين على القطاع، بعد استفحال ما نعته ب"السوق السوداء"، مؤكّدا أن المنتوجات البحرية، بما فيها الرخويات، تُباع خارج السوق، في محلات غير مرخّص لها، وهو الأمر الذي يؤثر سلبا على دخل البحّار والدولة، ل"غياب إخضاعه للاجراءات الضرورية، وضرب مصالح أولئك الذين يتكبدون المشاقّ والمعاناة وسط أمواج البحر"، يقول خالد. وعلاقة بمشاكل التسويق التي تؤرق بال البحارة بمرفإ "تفنيت"، يُضيف المتحدث أن الارتفاع المهول لكمية الأخطبوط المصطاد من طرف زوارق مطاطية غير مرخّصة، والتي وصل عددها إلى نحو 30، يجري تسويقها "بشكل عادي، دون حسيب ولا رقيب بسوق السمك بتفنيت"، ويُعتبر ذلك بمثابة "ضرب لمصالح أرباب القوارب المرخص لها، كما أنه يؤثر بشكل كبير على الكوطا الجماعية الهزيلة المخصصة لهذه النقطة"، يقول البحار. أسعار متدنية عبد الله كربمو، الذي بلغ من العمر عُتيا، بحار يقول أنه زاول المهنة لأكثر من 30 سنة، غير أنه بدا متذمّرا وهو يتحدّث عن المشاكل التي تواجهه وباقي زملائه، التي تزيدهم فقرا وهشاشة، وضمنها تدني أسعار الأسماك والرخويات بالسوق المحلي، بالمقارنة مع اسعارها في الموانيء القربية، كميناء أكادير، وأرجع الوضع "الشاذ" هذا، إلى تواجد لوبي وحيد رغم كثرة التجار، ووقوف المكتب الوطني للصيد البحري كمتفرّج"، مقترحا ضمن عريضة، وقعها معه العشرات من البحارة، "البحث عن تجار آخرين، بهدف إذكاء روح المنافسة الشريفة بينهم". الصياد الذي تجاوز سن الخمسين، أضاف أن هذا التلاعب بالأسعار، الذي تعمل جهات سدّا منيعا ضد حضور المشترين، بغرض فرض أسعار هزيلة على المنتوجات البحرية، "يضر بدخل البحار، وينعكس على مساهمتهم في الصدنوق الوطني للضمان الاجتماعي، كاشفا أن ثمّة أشخاص يستفيدون من عائدات هذه التجارة بشكل يومي، وهم غائبون تماما عن المجال، "بشكل لا يعرفه إلا مسؤولي السوق"، وأورد المتحدث أن خدمات المكتب الوطني للصيد ضعيفة بنقطة التفريغ "تفنيت"، لا ترقى إلى مستوى تطالعاتهم وانشغالاتهم. "في تفنيت وحدها دون غيرها في تراب المملكة، يتم تصنيف الأخطبوط إلى فئتين، الأولى من 25 إلى 30 درهم، والثانية من 40 إلى 50 درهم، بالغضافة إلى أن السمسمرة تبتديء في وقت متأخر من النهار، حوالي الثانية بعد الزوال، مما يُثقل كاهل الصيادين ويعرضهم لمزيد من الإرهاق البدني"، يستطرد صيّاد آخر في حديثه مع الجريدة، الذي قال إنه ورغم ما حقّقته تعاونية للبحارة ب"تفنيت" من نتائج ايجابية، إلا أن غرباء عن القطاع، عمدوا إلى تأسيس جمعية أخرى تحمل نفس الإسم، بمباركة من السلطات ومنتخبين بغرفة الصيد، وتعمل في اعتراض مصالح البحارة، وجرهم إلى الرضوخ للأمر الواقع، وفقا لرأي المتحدث. صرخة ممتهني الصيد التقليدي بمنطقة "تفنيت"، وصلت إلى عامل إقليم اشتوكة آيت باها، مسؤولي وزارة الصيد البحري، والجماعة الترابية، عبر شكايات عديدة، غير أنها لازالت طي التجاهل، فمختلف الأسماك المروجة بسوق "تفنيت"، يتم استقداهما من نقط أخرى، "أمام أعين السلطات المحلية والدرك الملكي"، يقول سعيد، الذي دلّنا على سيارات تعمل في المجال، منبّها في حديثه إلى جريدة أكادير 24، أن هؤلاء يستغلون سمعة طراوة أسماك المنطقة، من أجل ايهام المستهلكين، "مع ما تُشكّله ظروف نقلها وعرضها من خطورة على صحة المواطن، في غياب مراقبة من المصالح المختصة، ناهيك عن الإضرار بالبحارة المحلّيين". مشاكل بالجملة إذن تتخبّط فيها نقطة التفريغ بمرفإ "تفنيت"، جعلت كل الأهداف التي تطلّع إليها هذا المشروع، تسير في الاتجاه المعاكس، كما أن حالة الصيّادين والبحارة وأرباب قوارب الصيد التقليدي، يئنون تحت وطأة معاناة مستفيضة، لا وقع لعملهم على حياتهم، يواجهون الأمواج العاتية بقوارب تقليدية في البحر، وفي المقابل تواجههم "أسماك قرش" أخرى في البر، تجعل من مجهودات هؤلاء، وسيلة سهلة لفرض إرادتهم والمتاجرة بعرق جبين البحارة. رشيد بيجيكن من اشتوكة آيت باها