وضعت فرق القيادة الجهوية للدرك الملكي، يدها على أول صيد من المواد الغذائية الفاسدة مؤخرا، كانت الكميات كبيرة داخل المستودع الموجود على أرض قروية، ولم يتردد أحد مسؤولي الدرك الملكي المشاركين في التدخل، في القول، مخاطبا زملاءه “من الواجب مواصلة البحث لفك أسرار ورموز هذه الظاهرة المتنامية”. الظاهرة التي يقصدها المسؤول الدركي، ليست شيئا آخر، غير مستودعات للتخزين، نبتت بحدة في السنوات الأخيرة، على أراض فلاحية بضواحي البيضاء، وداخل ضيعات هوارة بأكادير، صارت الوجهة المفضلة لمافيات كافة أنواع التهريب، من مخدرات ومواد غذائية قادمة من الحدود الشرقية والشمالية، أو من الأقاليم الجنوبية. تبيض ذهبا لا يوجد من يتوفر على معطيات دقيقة عن أسباب تفاقم الظاهرة في الفترة الأخيرة، لكن سعيد، مستشار جماعي سابق وإطار بحزب تقدمي، يرجح أنه “بعدما ضاق الخناق على مستودعات التخزين في الأحياء الصناعية وأقبية العمارات القريبة من الأسواق، صارت الضواحي القروية على أبواب المدن، التي نبتت بها المشاريع العقارية للتراخيص الاستثنائية، الوجهة الآمنة، إذ يوجد عجز في المراقبة، بسبب قلة الموارد البشرية لدى الدرك الملكي، بسبب الكثافة السكانية التي ضاعفتها تلك المشاريع”. الفرضية التي يحوزها سعيد، تظهر عناصر تدعم صحتها، في ضواحي البيضاء الجنوبية، وأساسا إقليم النواصر، ومناطق سيدي رحال الساحل، وحد السوالم، وبير الجديد، حيث لا يمكن أن تتفاجأ وأنت تعاين بنايات السكن الاجتماعي والاقتصادي فوق هضاب، تجاور أراضي مازال يحرثها مالكوها، ومن ورائها تبرز مساحات مربعة أو مستطيلة جدرانها من حديد وأسقفها مثلثات قرميدية، هي المستودعات. والمشهد نفسه، يتكرر بمناطق سيدي مسعود القريبة من عمالة مقاطعات عين الشق، وفي إقليم مديونة. وفي تلك المناطق، لم يعد يخف كثير من الفلاحين، مظاهر الثراء الطارئ لديهم، إذ باتوا يتنقلون بسيارات رباعية الدفع ولا يريدون التسرع في تفويت أراضيهم إلى المنعشين العقاريين لضمها إلى المجال الحضري، لأن المستودعات التي أقاموها عليها، يجنون من كرائها مبالغ ضخمة، تناهز، حسب عبد الرحيم، خبير ووسيط عقاري، 24 مليون سنتيم في الشهر. مجرد “كوريات” إذا كانت تلك المستودعات تحاصر العين من كل جانب في تلك المناطق لضخامتها وبروز قمم أسقفها، وتلتصق آثار الشاحنات الضخمة التي حلت ليلا طيلة النهار بالأرضية أمام بواباتها، فما مصدر الغبش الذي يصيب عيون السلطات وأعوانها ولا ترى النشاط الحقيقي لتلك المستطيلات؟ يؤكد مصدر ل”الصباح”، من داخل جماعة قروية بضواحي البيضاء، أن السر بسيط جدا، “إن المصرح به رسميا من قبل مالكيها، هو أن تلك البنيات المستطيلة ذات الجدران الحديدية، مجرد زرائب لمواشيهم، أي كوريات البهائم”. وتمكن الصور التي التقطتها “الصباح” لمناسبة بعض المداهمات، وآخرها تلك التي تمت الخميس الماضي بجماعة المجاطية، أن تلك المستودعات، توفر مساحات شاسعة وتوفر إمكانية تخزين الأطنان، ففي العملية المذكورة، تم اكتشاف حوالي 10 أطنان من الشاي المهرب. وبجماعة أولاد عزوز القروية، وصل مجموع الكميات التي حجزتها اللجنة الإقليمية المختلطة في مراقبة الأسعار وجودة المواد والسلع الغذائية بإقليم النواصر، في يونيو 2015، داخل مستودع مماثل، يختفي وراء تجمع للسكن العشوائي إلى 50 طنا، أغلبها انتهت مدة صلاحياتها قبل ثلاث سنوات عن تاريخ المداهمة. وفي الجنوب، توفر ضيعات فلاحية بسوس، الأمان ذاته لمافيات التهريب، ففي أبريل الماضي، قاد التحقيق مع شقيقان مبحوث عنهما من أجل تهريب المواد الغذائية المدعمة من الأقاليم الجنوبية وأسقطتهما العربدة في ملاهي أكادير، الدرك الملكي، إلى ضيعة فلاحية بجماعة سيدي أحمد أوعامر بأولاد تايمة في إقليمتارودانت، فيها مستودع تخزين، يحوي 40 طنا مهربا من الدقيق والسكر والزيت، وأخرى مهربة برا عبر موريتانيا أو بحرا من “لاس بالماس” الإسبانية. ورشات للتصنيع وليس التخزين، النشاط الوحيد لمستودعات ضواحي المدن، إذ يشكل بعضها الفضاء الآمن لإقامة ورشات لإعادة التعليب وتزوير تواريخ التصنيع وانتهاء الصلاحية، استعدادا لتصريف تلك المواد في الأسواق، وعبر الباعة الجائلين. وفي هذا الصدد، سبق أن قاد حجز مثلجات فاسدة بعدد من أسواق الجديدة، في مارس 2014، إلى اكتشاف مستودع في ضواحي البير الجديد، تبين أنه صار مصنعا لتلك المواد التي يقبل عليها الكبار والصغار في مواسم الصيف، فتم حجز مواد أولية تتكون من 22550 وحدة من القشدة المثلجة الفاسدة و60 كيلوغراما من الحليب المجفف المنتهية صلاحيته، و40 لترا من صبغ المثلجات، إلى جانب بعض الأدوات التي تستعمل في الصنع. وأثارت ظاهرة ورشات تزوير تواريخ الصلاحية، الانتباه، أكثر، خلال رمضان الماضي (2015)، حينما أسفرت مداهمة لمستودع، عن اكتشاف آلات، تبين أنها تستعمل في إعادة تدوير عدد من المواد الفاسدة، وتعليبها من جديد وطبع تاريخ مزور لانتهاء صلاحية الاستهلاك.