"جُوسْيتينَارْ" أو "القبطان الشلح"،المشرف على تدبير شؤون سوس لأكاثر من ثلاثين سنة هو محور كتاب جديد عن رحلة إلى الصحراء المغربية فقد عُرفَ جُوسْيتينَارْ خِلالِ مَقامِه الطّويلِ بسُوسْ الذي امتدَّ، في الواقعِ، لأَكثَر مِنْ ثَلاثينَ سَنة ب "القبطان الشلح"، وارتبطت مَهامّه الوظيفيّة بتسيير الشؤونِ المحَلِّيَةِ، والسَّهرِ علَى مخَطَّطاتِ الحمَايةِ بالجنوبِ؛ شأنَه في ذلكَ شأْنَ باحثينَ آخرين مِن أمثَالِ رُوبيرْ مُونْطانيّيRobert Montagne ودو لامُوطْ De la moteو جَاكْ بِيركْ Jaques Berque..إلخ، وجَميعهُم لعبوا دوراً مُهِمّا في تزويدِ المسْتَعمِر الفَرنْسي بالمعْلومَاتِ الضَّروريّة ذاتِ الطَّابعِ المحلِّي، معَ الرّصد الدقيق لكُلِّ ما يحدُث في المناطقِ التي أقامُوا بها. ويبدو أنَّ اهتمامَهم الوظيفي ذاك قادَهُم، عن وعيٍ، إلى عدَمِ الاقتصارِ علَى المهَامِّ الموكولَة إليهِم في المجَال السِّياسي، بلْ امتدّ نشاطُهم إلى مجالَاتٍ أرْحَبَ، تسمَحُ لهُم بامتِلاكِ مفَاتيح المنْطقَة، فاضْطرُّوا إلى الاهتمَامِ بثقَافةِ البلَدِ وتاريخِه الدِّيني والسّياسِي والاجتِمَاعِي؛ بل إنَّنا لا نبالغُ إذا قُلنا إنَّ عمَل بَعضهِم، وخاصة جوستينار، اصْطَبغَ بصبْغةٍ أنتروبُولوجيةٍ حمَلَهُ علَى أنْ يتَرصّدَ الظَّواهِر، ويُقدِّمُ لها تفْسيراً تاريخياً أو دِينياً أو نَفسِياً، مع ضبْطِ آلياتِ اشتِغَالها، وتتَبَّع أصُولهَا ومَصادرَها؛ وهُو مَا تطلّب معْرفَة مُعمَّقة بالمنْطَقَة ككُلّ، وبالتّحوُّلاتِ السيّاسِية التي عرفَتْها منْذُ القَرْنِ السَّادِس عَشَرَ. ترَك جوستينار مادَّة دسمةً في ما يتعلَّق بجنوبِ المغربِ، أخصّ خصَائصِها الغِنى والتَّنوُّع والدِّقة في العرضِ اعتماداً على الرِّوايةِ الشَّفويّة من جهَة، وعلَى كتَاباتِ مَنْ سَبقُوهُ من جِهةٍ ثَانيةٍ. وتُشَكِّل هذه المقالات التي نترجمها اليوم مصدرا أساسيا للتعرف على جوانب ظلت مُهمّشة في التاريخ الرسمي. يُشكِّل هذا الكتابُ وثيقةً من أهمِّ الوثائق التي تهتمُّ بالأدب والتّاريخ السّوسيين. ويكتسبُ أهمِّيته تلك من جُهده الواضح لرصدِ التَّطورِ التاريخيِّ لجوانبَ منَ العقليَّةِ السُّوسيةِ خلالَ القرن التاسع عشر؛ فهو عمليةُ حفرٍ انثروبولوجيةٍ قدَّمت إضاءةً لعالَمٍ ما زَالت جوانب كثيرة منه خَافية. ورغم أنَّ الأهدافَ الكولونيالية واضحةٌ لا يُخفِيها المؤلِّفُ نفسه في أكثر من موضعٍ، إلَّا أنَّ قيمتَه العِلميَّةَ تفرضُ نفسَها في ظلِّ غياب جُهود ذاتيةٍ مماثلةٍ لسدِّ تلك الثَّغرة، والظَّفَرِ بتَوثيقٍ عِلميٍّ يُميطُ اللِّثامَ عن الثقافة السّوسية الأمازيغية، ويكشفُ أهمَّ خصائصِها وميزَاتِها، وبعضٍ مِن أحداثهَا المجهُولةِ أو المنْسيّةِ. كان جُوسْتينَار مدفوعاً برغبةٍ دفينةٍ في فهْم الشّخصيةِ الأمَازيغيةِ بحُكم وظيفتِه ليكتَشِف العناصر المفتَاحيّة المتحكِّمة في بناءِ هذِه الشَّخصية. فإلى جانِب طاقاتٍ إداريةٍ وعسْكَريّة محنَّكة جنَّدت السِّياسةُ الاستعْماريةُ عسكَريِّينَ وإخباريين مُثقَّفِين نابهين ليجمِّعوا لها المعْلومَات عنْ سُوس ونواحِيهِ، تمهيداً لاتِّخاذِ التَّدابير السّياسيةِ والعَسكريَّة لأخْضاعِه، مُستعينةً بالقُيّاد بوصْفِهم مَفاتِيحَ أسَاسيَّة لاستكْناهِ حقيقة المنْطقةِ من ناحيةِ التنظيم القَبائِلي والعشَائري، وكذَا التَّعرُّف علَى طبِيعةِ العَقليّة السَّائدةِ ، خَاصّة منْهَا الجَانبِ العقَائدي والدِّيني، وما يتَّصل بالمعتقدات الخُرافية التي انْصبَّ الاهتمامُ عليهَا كمَا هُوَ الشَّأنُ لدَى الكثيرِ مِن الرّحالة والمسْتَكشِفين الأجَانبِ الذين كتَبوا عن ناسِ المغرب وأشيائهِ، من أمثَالِ إدمُونْدْ دُوتي ومُوليِيراسْ ودُو فُوكُو علَى سبيلِ المثالِ لا الحَصْرِ. حاولنا أن تكون ترجمة هذا العمل في مقام ما كان يصبو إليه جوستينار من نقْلٍ دقيقٍ لصورة سوس بهضابه وجباله وسهوله إلى القارئ الفرنسي. وأعدنا مختلف الروايات والحكايات والقصائد إلى لغتها الأصلية حيث دقَّقنا في النَّقل حتى يكون القارئ الأمازيغي والعربي على بيِّنة من المعاني التي نقلها وترجمها المؤلف إلى الفرنسية بدقّة مُذهلة أهّلته فعلا لحمْل لقَب : "القبْطان الشّلح" عن جدارة واستحقاق. وهذا ما جعَل المختار السوسي يعتبر تُراثَه مصدرا لا غنى عنه من مصادِر "سوس العالمة" . وهي الملاحظة التي دفعَت باحثا مغربيا، هو رشيد أگرور، إلى جمع تُراث جوستينار في كتاب قدّم له بمقدمة ضافية تناول فيها بالتّحليل معظم مُنجَز الرجل تحت عنوان " ليبولد جوستينار: مبعوت تشلحيت (1914- 1954)، أربعون عاما من الدراسات الأمازيغية". في شُتنبر 1957 أنعمَت الحُكُومة الفَرنْسيّة عَلَى مَنْ عُرِفَ طَويلاً في الدَّوائِرِ السوسيةِ ب "القُبْطَانْ الشَّلْحْ" بوسامٍ مِنَ درَجَة عالية Crois de la légion d' honneur سلَّمَهُ إيّاهُ الماريشَال جْوَانْ. توفِي جُوسْتِينارْ بفرنسا عام 1959 مخلفا من ورائِهِ عدداً كبيراً من الكتُبِ والمقَالاتِ حوْلَ جَنُوبِ المغْربِ بصفَةٍ خاصّة، وهو مَا جعَلَ منه أحَدَ المصَادِر، والوثَائقِ التي لَا غِنَى عنْهَا للباحِثِ في كتَابةِ تَارسخِ سُوسْ السِّياسي والاجتمَاعي والثَّقافي نَذكُر منْهَا كتَابه "تزروال ووليها سيدي احمد موسى" .و كتابه " الكندافي :الزعيم الأمازيغي الكبير" وقد انتهى المترجمان من وضع اللمسات الأخيرة على ترجمتهما إلى اللغة العربية .