ترامب طرد زيلينسكي من البيت الأبيض بعد مواجهة حادة وألغى المؤتمر الصحفي    قطار الرجاء يتوقف أمام المغرب الفاسي … !    رسمياً .. المغرب يُعلن عن أول أيام رمضان المبارك    إحياء اليوم العالمي للوقاية المدنية بإقليم العرائش    جمهورية كازاخستان تجدد تأكيدها على دعم مغربية الصحراء ووحدة أراضي المملكة    أكثر من 40 مليون مشترك ضمن خدمات الإنترنت بالمغرب سنة 2024    كرة القدم.. تكسية أرضية ملعب الوحدة الترابية ببوجدور بالعشب الاصطناعي من الجيل الجديد    أعضاء من غرفة الفلاحة بطنجة يقاطعون اجتماعًا مع المديرة الإقليمية للفلاحة بطنجة أصيلة    بالموازاة مع تكثيف الجهود لتأمين تموين الأسواق خلال شهر رمضان.. إطلاق رقم وطني لتلقي الشكايات    القناة الثقافية المغربية تكشف برمجتها الرمضانية    إدريس المريني يعرض فيلمه الجديد جبل موسى بالعرائش    أمطار الخير تعم عدة مناطق بالمغرب وهذه مقاييسها خلال 24 ساعة الأخيرة    ارتطام جسم مجهول يؤخر رحلة "البراق" نحو طنجة    عطل عالمي مفاجئ يصيب تطبيق "واتساب"    خسائر مادية محدودة.. الوقاية المدنية تُخمد حريق سوق الجملة بتطوان    باتشوكا المكسيكي يجدد للإدريسي    السبت بداية رمضان في دول عديدة    موازين يستعد لبدء فعالياته بالتفاوض مع ألمع نجوم العالم    أكرد بخصوص كيفية الحفاظ على لياقته: "رمضان شهر مقدس بالنسبة لنا ومع خبراء التغذية فإنه يسير بشكل جيد للغاية"    طاقم تحكيمي صومالي يقود مباراة المغرب والنيجر في تصفيات مونديال 2026    توقعات الطقس ليوم غد السبت: أجواء باردة وتساقطات ثلجية متوقعة    خط جوي مباشر بين أتلانتا ومراكش بمعدل 3 رحلات أسبوعية ابتداء من أكتوبر 2025    أعربي يتولى إدارة "طنجة المتوسط"    تتطلب إعادة النظر في الأنشطة الملكية المعتادة خلال شهر رمضان المبارك .. جلالة الملك محمد السادس يواصل حصص التأهيل الوظيفي عقب العملية الجراحية    حجز 1160 قرصا طبيا وتوقيف شخص يشتبه في تورطه في قضية تتعلق بحيازة وترويج المخدرات والأقراص المهلوسة    شهر رمضان في مازاغان : تجربة طهي تجمع بين الأصالة والرقي    موسوعة "أنطولوجيا الكاتبة المغربية" للكاتب حسن بيريش    المكسيك.. رئيس لجنة التنسيق السياسي لكونغرس مكسيكو يدعو الحكومة لمراجعة موقفها بشأن قضية الصحراء المغربية    حوامض المغرب تصل السوق الياباني    الصين تتهم الولايات المتحدة بالابتزاز    الكلفة ترتفع في الصناعة التحويلية    أكادير تحتضن اجتماع التخطيط النهائي لمناورات الأسد الإفريقي 2025    تقديم خدمات استشارية في إسبانيا يطيح بالمدير العام لميناء طنجة المتوسط    "مورينيو" يعاقب بالإيقاف والغرامة    النائب البرلماني محمد لامين حرمة الله يشيد بهذا القرار الملكي    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    رحيمي ثالث أغلى لاعبي الدوري الإماراتي    "نصاب" في الرباط يقنع متابعيه في فايسبوك بجمع المال بهدف بناء محطة بنزين واقتسام الأرباح!    أخبار الساحة    "أگورا الحقوق والتعبيرات الثقافية".. بوعياش تدعو إلى وضع استراتيجية وطنية متكاملة لحماية التعبيرات الثقافية وإلى النهوض بإدماجها في الدورة الاقتصادية    المغرب يشارك في احتفالات الذكرى الستين لاستقلال غامبيا بوفد عسكري رفيع المستوى    تنسيق نقابي بقطاع الصحة يحذر من تأزم وضعية القطاع ويحمل الحكومة مسؤولية "انفجار الوضع"    في الحاجة إلى مثقف قلق    في بلاغ توضيحي لأعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب: أغلبية الأعضاء قدموا اقتراحات لحل الأزمة، لكن الرئيس المنتهية ولايته لم يأل جهدا لإجهاضها    مصطفى الزارعي يكتب: مستحيلان على أرض مستحيلة.. مهما انتصر الغزاة وطال انتصارنهم فإن ساعة هزيمتهم لا ريب فيها    حذر من إلغاءها في حالة عدم تلقي جواب . .فرنسا تمهل الجزائر شهرا إلى ستة أسابيع لمراجعة جميع الاتفاقيات معها وعلى رأسها اتفاقية الهجرة    ملعب بنسليمان سيكون جاهزا في دجنبر 2027    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    الصين تعتزم رفع القدرة المركبة لتوليد الطاقة إلى أكثر من 3,6 مليار كيلوواط في 2025    المياه الراكدة    في لقاء تاريخي بالجديدة.. عزيز أخنوش يلتقي بمناضلي حزبه ويستعرض أهم إنجازات ومشاريع الحكومة    ندوة تلامس النهوض باللغة العربية    بنسعيد وقطبي يفتتحان متحف ذاكرة البيضاء لاستكشاف تاريخ المدينة    "حضن الفراشة" .. سلاح فتاك لمواجهة التوترات النفسية    شبكة صحية تدعو إلى تكثيف الحملات التطعيمية ضد "بوحمرون"    بعد مليلية.. مخاوف من تسلل "بوحمرون" إلى سبتة    متى تحتاج حالات "النسيان" إلى القيام باستشارة الطبيب؟    دراسة علمية تكشف تفاصيل فيروس جديد لدى الخفافيش وخبير يطمئن المواطنين عبر "رسالة24"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدالة والتنمية بين تدبير التنظيم و تدبير الحكومة
نشر في أكادير 24 يوم 09 - 05 - 2012

ينعقد المؤتمر الوطني السابع للحزب في ظرف يعرف تحولين بارزين سيسمان مرحلة الأربع سنوات المقبلة من حياته ويحددان بالضرورة موقعه ودوره.
هذان التحولان هما:
I. انطلاق ربيع الثورات والتغييرات الاستراتيجية الهائلة التي أحدثها ويحدثها والتي هي مرشحة لمزيد من التفاعل في المراحل المقبلة؛
II. النتائج الهامة التي حققها الحزب في انتخابات 25 نونبر وانتقاله من المعارضة إلى رئاسة الحكومة في ظل دستور جديد يعطي للحكومة مكانة متقدمة في البناء المؤسساتي كما أنه يتضمن مقتضيات هامة تسمح بمزيد من الدمقرطة إذا ما تم تنزيله بطريقة سليمة، وبعد حراك شعبي معتبر ومتميز.
بعض من سمات المرحلة الرئيسة:
لئن كان الحزب قد عقد مؤتمره السادس في مرحلة كانت سمتها الرئيسة هي التراجع سواء على مستوى المحيط الإقليمي الواسع أو على مستوى الوطن، مع وجود بعض الاختراقات المحدودة هنا وهناك على المستوى الأول، وبعض الثغرات المحدودة على المستوى الوطني، وفي مرحلة تميزت كذلك باستهداف واضح للحزب، فإن المرحلة الحالية تتميز بظروف مغايرة تماما على المستويين، وكذا على مستوى تموقع الحزب حيث أصبح يقود الحكومة ويحتل صدارة المشهد الحزبي.
فربيع الثورات مرشح للتقدم والتطور، رغم كل الصعوبات الظرفية، والتي هي طبيعية بالنظر لحجم المصالح المهددة للقوى المناهضة للإصلاح والدمقرطة، المحلية منها والدولية، وكذا بالنظر لطول المدة التي استحكم فيها القهر والفساد في دول محيطنا الإقليمي.
نفس الأمر بالنسبة للمغرب الذي أشر على انطلاقة مرحلة تحقيق الانتقال الديموقراطي الحقيقي وتعزيز البناء الديموقراطي.
فالمغرب، رغم محاولات مناهضي الإصلاح، ليس له من خيار إلا السير في طريق الانتقال الديموقراطي بالنظر لحجم التحديات والمشاكل المطروحة، وبالنظر أساسا إلى الديناميكية التي يعرفها منذ انطلاق ربيع الثورات، مرورا بالفوز التاريخي للحزب وتبوءه مسؤولية رئاسة الحكومة.
العناوين الكبرى لتحقيق الانتقال الديموقراطي الحقيقي وتعزيز البناء الديموقراطي
لقد كان خيار الحزب الاستراتيجي دائما هو “تحقيق الإصلاح في إطار الاستقرار” وهو ما تأكد حتى في مرحلة الحراك الشعبي السابق لانتخابات 25 نونبر وللمصادقة على الدستور الجديد. وهذا الخيار قد مكن المغرب من تجنب النتائج السلبية لمراحل عدم الاستقرار التي تعيشها بعض دول الجوار الإقليمي، وأعطى للتجربة المغربية تميزها، خاصة على مستوى تفاعل المؤسسة الملكية مع الحراك الشعبي. كما أن هذا الخيار مكن الحزب من تبوء مكانة معتبرة في المشهد السياسي عززتها نتائجه في استحقاقات 25 نونبر.
والاستقرار هنا وجب الانتباه إلى أنه ذو بعدين:
الأول مؤسساتي سياسي يرتكز على تحقيق التطور المأمول في إطار الملكية الضامنة لوحدة الوطن، وعلى تطوير المؤسسات القائمة في اتجاه تعزيز البناء الديموقراطي.
والثاني اجتماعي يأخذ بعين الاعتبار الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب الذي يعرفه المغرب وحجم الانتظارات على هذا المستوى والحاجة الماسة للاستجابة لها.
من هنا يتمثل العنوان الأول للمرحلة في “المزاوجة بين تحقيق الانتقال الديموقراطي وتعزيز البناء الديموقراطي وبين تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية”
ويتأكد هذا الأمر إذا أخذنا بعين الاعتبار أن التحولات التي عرفها المحيط الإقليمي والمغرب قد جعلت سقف الانتظارات والتطلعات الشعبية عاليا، كما أنها عززت من النفس الاحتجاجي.
وحيث أنه من نافلة القول أن تعزيز الديموقراطية متلازم مع فسح المجال لمزيد من الحرية، بما يعنيه ذلك من مزيد من انفتاح المجال للتعبير عن الانتظارات والمطالبات، وهو ما يؤدي إلى تقويها وتكاثرها. ومن شأن تطور هذه المطالبات أن يربك المسير نحو البناء لاعتبارين اثنين على الأقل:
الاعتبار الأول: الضغط الذي تمثله على من يدبر الشأن العام؛
الاعتبار االثاني: احتمالات استغلالها من طرف مناهضي التغيير أو من طرف المشككين في جدوى المسار الحالي لإرباك هذا المسار.
كما أن الدمقرطة ليست عملا في اتجاه مؤسسات وبنى الدولة فقط ولكنها كذلك عمل في عمق المجتمع، إذ لا دولة ديموقراطية بدون شعب ديموقراطي، كما أن المشروع الديموقراطي لابد له من حامل مشبع بالديموقراطية. ومن تم يصبح العنوان الثاني الأبرز للمرحلة هو المزاوجة بين “دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع”
والحزب بطبيعة الحال يتحمل المسؤولية الأكبر في تدبير هذين الأمرين والعمل على تحقيقها للأسباب التالية:
السبب الأول: أنه يوجد على رأس الحكومة التي تتحمل مسؤولية تدبير السنوات الخمس المقبلة بما تعنيه من تحديات، يمكن إجمال عناوينها الكبرى في النقط التالية:
1. العمل على تنزيل الدستور الجديد وعلى إحداث المؤسسات وإعداد القوانين التنظيمية التي ينص عليها، مع ما يمثله كل ذلك من رهان وتحدي. رهان تفعيل مقتضيات الدستور وتنزيله بشكل ديموقراطي. وتحدي تفعيل كل ذلك على مستوى الواقع، والارتقاء فعليا بالوثيقة الدستورية إلى مستوى الوثيقة المرجعية الناظمة لسلوك كل الفاعلين السياسيين؛
.2 تدبير المرحلة بكل تحدياتها التنموية والاجتماعية، أخذا بعين الاعتبار حجم هذه التحديات المرتبطة بالوضعية الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، في سياق دولي مضطرب ويعيش أزمات اقتصادية عميقة خاصة لدى شركاء المغرب الأساسيين.
السبب الثاني: إذا كان الحزب على رأس القوى المنخرطة في مسار الإصلاح الحالي، فهناك قوى سياسية أخرى وفاعلين معتبرين يريدون التغيير أو يحملون همه غير أنهم إما رافضون للمسار الحالي أو غير منخرطين فيه أو مشككون فيه ويعملون على إفشاله، أو على الأقل يتحينون الفرص من أجل إثبات ذلك.
دون إغفال أن العمل سيتم، بطبيعة الحال، في سياق يتسم ب:
o الجهد الدؤوب لمناهضي الإصلاح من أجل إفشاله وعرقلته.
o تدافع مذهبي كبير سيصاحب مسار الإصلاح، مع انخراط قوى خارجية وازنة فيه، بما يزيد من تعقيد المعادلات، مع التأكيد على أن هذا التدافع وجب تدبيره والتفاعل معه بشكل إيجابي.
مما سبق يتبين أن التحديات التي تطرحها المرحلة هي ذات طبيعة مركبة ومعقدة تستوجب حنكة عالية وقدرة كبيرة على التدبير، فالتحدي هو في نفس الآن: سياسي- مذهبي- تنموي- اجتماعي.
كما تجدر الإشارة إلى أنه بحكم الثقة الشعبية والموقع الذي يحتله الحزب حاليا فهو لا يملك إلا خيارا وحيدا، هو مواجهة هذه التحديات وتحمل مسؤولية العمل من أجل “تحقيق الانتقال الديموقراطي الحقيقي وتعزيز وترسيخ البناء الديموقراطي” باعتباره شعار ومهمة المرحلة.
وأخذا بعين الاعتبار المحاولات الحثيثة لمناهضي التغيير من أجل الارتكاس عن هذا المسار، فقد وجب العمل على تقويته وتفعيله في خط تصاعدي والحيلولة دون انزلاقه في مسارات تراجعية.
مع التأكيد على أن الديناميكية العامة هي في صالح مسار الإصلاح، يبقى فقط أن تكون القوى المؤمنة به في مستوى تحديات ورهانات المرحلة.
المهام الكبرى المطروحة على الحزب
انطلاقا من أن عنواني المرحلة هما “المزاوجة بين تحقيق الانتقال الديموقراطي وتعزيز وترسيخ البناء الديموقراطي وبين تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية” و “المزاوجة بين دمقرطة الدولة والمجتمع” كل ذلك في سياق “تحقيق الانتقال الديموقراطي الحقيقي وتعزيز وترسيخ البناء الديموقراطي” فالحزب مطالب بما يلي:
1. في ما يتعلق بتحقيق الانتقال الديموقراطي وترسيخ البناء الديموقراطي:
أ‌. العمل على التنزيل الديموقراطي للدستور الجديد في المستويات التالية :
بناء المؤسسات المنصوص عليها، خاصة تلك المرتبطة بالحكامة؛
صياغة القوانين التنظيمية باعتبارها مكملة للدستور، آخذا بعين الاعتبار أن البعض منها سيعكس خيارات مجتمعية كبرى تحتاج إلى إشراك كل المعنيين وإلى فتح حوار وطني موسع حولها؛
تكريس ممارسة سياسية ديموقراطية ومحترمة لدولة المؤسسات ولروح ومنطوق الدستور باعتباره المرجعية الأسمى المحددة لوظائف ومجالات وطرق اشتغال كل المؤسسات السياسية.
ب‌. العمل على إعادة صياغة نظام الحكامة في اتجاه التقليص من المركزية ومن منطق التحكم، حيث يأتي تنزيل الجهوية الموسعة وتحقيق اللامركزية وإعادة النظر في علاقة الإدارة مع المواطن على رأس الأوراش المهيكلة في هذا المجال.
ت‌. العمل على ترسيخ منطق الاحتكام إلى الشعب والقطع مع منطق الوصاية، ومن أبرز تجلياته القطع مع منطق التدخل في الانتخابات وضمان التدبير النزيه والشفاف لها والاحترام الكامل لنتائجها، وعنوان ذلك أن ننتقل إلى مصاف الدول التي يعتبر فيها صندوق التصويت “مقدسا”.
2. في ما يتعلق بالمزاوجة بين تحقيق الانتقال الديموقراطي وترسيخ البناء الديموقراطي وبين تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية
تحقيق هذه المزاوجة يتطلب من الحزب بالموازاة مع العمل على المحور السابق، العمل على:
أ‌. بلورة مشروع تنموي يستلهم مرجعيته، ويستحضر في نفس الآن معطيات وتحديات الواقع والتحولات الكبرى التي يعيشها العالم والمحيط الإقليمي؛
ب‌. وبشكل آني تفعيل العمل للتجاوب مع الانتظارات الشعبية وإبداع الحلول اللازمة لتحسين الوضعية الحالية.
3. في ما يتعلق بدمقرطة المجتمع وإشراك الشعب في معركة تحقيق الانتقال الديموقراطي وترسيخ البناء الديموقراطي انطلاقا من أن بناء الإنسان الديموقراطي يعتبر شرطا أساسيا من أجل بناء المجتمع الديموقراطي وجب على الحزب أن يولي أهمية خاصة للعمل في اتجاه المجتمع والشعب من أجل نشر الثقافة الديموقراطية وترسيخ قيمها بتعاون مع كل القوى المؤمنة بها.
فالديموقراطية وقبل أن تكون أسلوبا في التدبير، هي ثقافة تنبني على احترام وسيادة قيم الحرية والكرامة الإنسانية والمواطنة وحق الاختلاف والتعددية وعلى حق الأقليات. وهي القيم التي وجب العمل على ترسيخها وتعزيزها داخليا وفي المجتمع. كما أن دور الشعب محوري في إنجاح عملية الدمقرطة والإصلاح باعتباره السند الأقوى لها والحاضن للقوى الحاملة لمشروعها، من تم وجب العمل في اتجاه تعزيز الانخراط الشعبي في عملية التغيير وتكثيف التواصل معه وتوسيع القاعدة الشعبية للحزب. ومن أبرز ما يجب الانتباه إليه في هذا السياق ضرورة العمل على تعزيز الإيمان والثقة في إمكانية التغيير وفي أننا نسير في طريقه، فإيمان الشعب شرط لالتفافه حول مشروع الإصلاح والدمقرطة وانخراطه في مساره.
فإذا كانت واحدة من أهم خلاصات الربيع العربي وانتخابات 25 نونبر 2012 هي أن دور الشعب أصبح حاسما في حسم معركة التغيير، فإن طبيعة التغيير الذي بدأه المغرب والمتميز بأنه يتم في سياق الاستمرارية، والحضور المعتبر للقوى غير المؤمنة بهذا المسار، ومحاولات النكوص من طرف القوى المضادة للإصلاح، وحالات المراوحة التي تعرفها بعض التجارب الأخرى من جهة، وتأخر ظهور نتائج التغيير في المعيش اليومي للمواطن من جهة أخرى، كلها عوامل قد تدفع فئات من المواطنين إلى الإحساس بالقلق وعدم الثقة في مسار التغيير، وهو ما قد ينعكس سلبا على هذا المسار.
من هنا مركزية استحضار انتظارات ونفسية الناس في الفعل والخطاب السياسين للحزب.
كما أن الواقع المغربي يبين محدودية الانخراط الشعبي في العمل الحزبي وفي العمل السياسي بشكل عام (حجم الانخراط في الأحزاب الذي لا يتجاوز عموما بالنسبة لأكبر الأحزاب بضعة آلاف مقارنة بدول يعد فيها أعضاء الأحزاب بمئات الآلاف وحتى بالملايين، نسب التصويت في الانتخابات والتي تبقى محدودة، طبيعة المرشحين في انتخابات الجماعات الترابية)، مما يعتبر معوقا حقيقيا للفعل السياسي.
والحاصل أنه مطلوب العمل على تطوير هذا الانخراط، عبر استغلال الأجواء الحالية المتميزة باستعادة الثقة الشعبية في السياسة وللشعبية المعتبرة للحزب والإقبال عليه لإحداث تحول حقيقي في طرق العمل بما يسمح بتوسيع الانفتاح والاستقطاب والإشراك. وهو الأمر الذي يطرح على الحزب تحدي والقدرة على الاستيعاب كما يطرح عليه تحدي المزاوجة بين الانفتاح مع الحفاظ على الهوية المذهبية والسياسية. كما أن للنخب بمختلف مكوناتها دورا هاما جدا في التأثير على الناس وعلى مسار التغيير، من هنا وجب العمل على ضمان التواصل الفعال معها وضمان انخراط فئات واسعة منها في معركة التغيير، مع التركيز بشكل كبير على مؤسسات الوساطة والتأطير (الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني)
بعض المقتضيات لضمان القدرة على القيام بالمهام المطروحة:
في البداية لا بد من التأكيد على أن المهام المطروحة منها ما سيشكل العمل الحكومي المرتكز الأساس للقيام به ومنها ما يتوجب القيام به أساسا بشكل مباشر من طرف الحزب، وهو ما يتطلب العمل على تعزيز المؤسسة الحزبية وفي نفس الوقت تقوية دورها الإسنادي للتجربة الحكومية.
والقيام بدور الإسناد لا يجب أن يؤدي إلى تماهي مطلق، بل من المهم الحفاظ على مسافة معتبرة بين الحزب والحكومة، ليس بمنطق الاشتغال بأجندات منفصلة أو من أجل رفع سقف المطالبات، إذ من شأن ذلك إرباك الأداء الحكومي والتشويش على مسار التجربة، بل أساسا لتمكين الحزب من أن تكون له ديناميكيته الخاصة التي تعمل على تعزيز حضوره الشعبي وتأطيره المجتمعي من جهة، باعتبار ذلك شرطا لازما لإنجاح أداءه الحكومي وتحقيق أهداف مشروح الإصلاح والدمقرطة.
وكذلك من أجل تمكينه من تشكيل سلطة رقابة فعلية على أداء ممثليه في مؤسسات تدبير الشأن العام بشكل عام، بما هي أحد شروط ضمان عدم الانزياح عن خط الحزب وخياراته.
وفي ما يلي سنحاول التطرق إلى بعض المقتضيات التي تبدو ذات أهمية قصوى لتمكين الحزب من القيام بما هو منتظر منه:
1. تطوير المنظومة الفكرية بما يسمح بإيجاد المناخ الملائم لتجاوز المعوقات الفكرية الذاتية والنزوعات الطائفية التي تعتبر ملازمة بشكل عام للتجمعات ذات الطبيعة المذهبية، إذ أن تدبير الشأن العام للوطن وللجماعات الترابية يستوجب انفتاحا حقيقيا وكبيرا يمكن من استيعاب الطاقات وإشراكها مهما تعددت مشاربها واختياراتها.
كما أن هذا التطوير لازم من أجل إيجاد مناخ يمكن من إبداع الحلول وترسيخ الفكر الديموقراطي بكل مستلزماته؛
2. تطوير التفكير الاستراتيجي بما يؤهل مؤسسات الحزب وقياداته لمواجهة تحديات المرحلة، وإحداث مركز أو مراكز للبحث بما يمكن من بلورة المشروع التنموي للحزب وتطويره ومتابعة تنزيله؛
3. العمل على تطوير ثقافة العمل والمسؤولية عوضا عن ثقافة الاحتجاج والمطالبة؛
4. تعزيز القدرة على الإنجاز وعلى إبداع الحلول وتنزيلها بما هي شرط لرفع مستوى الفعالية والنجاعة في الأداء؛
5. الانتقال من فكر ونفسية المعارضة إلى فكر التدبير مع المحافظة في نفس الوقت على قوة إرادة التغيير؛
6. نظرا لدور النخب وتأثيرها، وأخذا بعين الاعتبار التخوفات والتوجسات التي تغذيها بعض الممارسات (سواء على مستوى المؤسسة الحزبية أو على مستوى بعض القوى ذات المرجعية الإسلامية وطنيا وخارجيا) وجب العمل على طمأنتها عبر العمل على تعزيز التواصل معها من أجل تمكينها من معرفة الحزب واختياراته وقناعاته وفكره بشكل مباشر وسليم، كم وجب العمل بشكل أساس على مزيد من توضيح موقف الحزب من عدد من القضايا الكبرى ( الديموقراطية، الحرية الشخصية، المرأة، الفن، الإبداع، المواطنة….)
7. تطوير القدرة على تدبير الخلافات بين مكونات قوى الإصلاح وتطوير التعامل معها. وفي هذا الإطار وجب الفصل بشكل واضح بين القوى المناهضة للتغيير والتي تتوجب مقاومة مشاريعها، وبين القوى المعارضة نتيجة اختلاف المشاريع المذهبية أو السياسية والتي وجب العمل على إشراكها في معركة التغيير، والعمل على بناء توافقات كبرى معها حول القضايا الكبرى للوطن، خاصة وأن جزءا معتبرا من هذه القضايا مطلوب حسمه في هذه الولاية الحكومية بنص الدستور. مع التأكيد أن كل هذا لا يلغي التدافع السياسي معها.
8. تشبيك العلاقة مع وداخل مختلف المؤسسات والهيئات الفاعلة والمؤثرة ( هيئات المجتمع المدني، الهيئات الحقوقية، الإعلام…) وضمان حضور وازن في حقول عملها؛
9. تطوير دور الحزب كقوة رقابية وتقويمية للمشاركة في العمل التدبيري، مع تعزيز التدبير الجماعي للفعل السياسي للحزب خاصة في المواقع التدبيرية، وتطوير الديموقراطية الداخلية ودور القيادات الوسيطة.
وختاما فإن المخاض الديموقراطي لبلدنا هو جزء من مخاض عام وجب التفاعل معه بما يعزز ويقوي شروط نجاحه، ويسهم في التأثير إيجابا في ما يعتمل في المحيط الإقليمي، بالإضافة إلى أن العمل لا يجب أن يبقى حبيس الحسابات والمعادلات الداخلية، بل وجب أن يستحضر ويراعي السياق الدولي كذلك.
*النائب الثاني لرئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السابع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.