نظم طلبة الإجازة المهنية في التحرير الصحفي مؤخرا خرجة علمية إلى دوار أفايان التابع للجماعة القروية " تسكدلت"، والواقعة ضمن تراب إقليم شتوكة آيت باها. يقع دوار أفايان المنتمي تاريخيا إلى كونفدرالية قبائل "إيلالن" على بعد نحو 65 كلم من مدينة أكادير، و يحتضن في أحد سفوحه الشميسة، وعلى مشارف وادي وارغا الموسمي "أكادير إنومار"، وهو أكبر مخزن جماعي للغلال في منطقة سوس برمتها. يتميز "أكادير إنومار" إضافة إلى موقعه الجغرافي الطبيعي المحمي، ببنائه المستطيلي المسور بحاجز من النباتات الشوكية " الصبار"، وبحائط متوسط الارتفاع مبني بالطوب والحجارة، تهدمت بعض جوانبه بفعل عوامل الزمن والإهمال. ولهذا المخزن الجماعي بابان، أولهما مخصص للسكان، وثانيهما للماشية. لا أحد يعرف على وجه الدقة تاريخ تشييد هذا الحصن الجماعي، وفي هذا الصدد يقول محمد مركو – أمين أكادير إنومار- " أشرفت على أمانة أكادير إنومار لما يربو عن 30 عاما، تورثناه أبا عن جد، فهو قديم قدم الدهر، ربما يرجع تاريخ بنائه لأربعمائة سنة خلت". ويضيف بنرة ملؤها الحزن " أصبح أكادير إنومار في معظم جوانبه أطلالا، هاجره مستغلوه، وبدأت تتهاوى أركانه، وتتداعى أسواره، وتتهدم أبراجه". يحتوي المخزن المشمس الحصين على أربعة أجنحة طولية متقابلة من ثلاثة طوابق، يبلغ ارتفاع الواحد منها زهاء 8 أمتار، تعلوها خمسة أبراج شامخة كانت فيما مضى مخصصة للحراسة، وكان يقوم بهذا الدور بالتناوب المستغلون، وصارت اليوم شواهد أثرية وبقايا تاريخية، بعضها لا زال منتصبا بفضل الترميم الجزئي، وبعضها الآخر دك بالأرض بعدما أتت عليه عوامل الزمن والتعرية. تنتظم في كل طابق غرف صغيرة مسقفة بخشب الأركان، في وسطها أبواب خشبية صغيرة لاتقاء الحر والرياح القوية، مزينة بنقائش تعكس الغنى الرمزي للثقافة المحلية. تسمى غرف الطابق الأرضي لدى سكان المنطقة ب "تزقي"، وغرف الطابق الأوسط ب "لغرفة" وهي أنسبها على الإطلاق لحفظ المؤن، بينما يطلق على غرف الطابق العلوي الأخير اسم "أكنار".والارتقاء من طابق لآخر متاح وميسر عبر سلم حجري فريد. يقول عبد اللطيف السيد عن جمعية –أركان إيلالن- أن " عدد الغرف المخصصة لخزن الغلال والمواد التموينية، كان إلى وقت قريب محصورا في 295 غرفة ليرتفع إلى 303 غرفة في الوقت الراهن بفضل عمليات التنقيب مؤخرا". يتضمن "أكادير إنومار" وهو بنك للمؤن بامتياز، مرفقات وظيفية، من ضمنها المسجد ، وفناء فسيح للراحة يسمى "تاخسايت"،علاوة على المطفيات وهي بمثابة صهاريج مائية دفينة مستحدثة من طرف السكان المحليين، بعضها رأسي عميق، وبعضها الآخرطولي بيضاوي الشكل مسقفة بصخور ضخمة. تعبر هذه المنظومة المائية، عن حدق الساكنة، ومهارتها في الإعداد الريفي، و اقتصاد الماء "السائل الثمين" تحسبا لسنوات الجفاف والمسغبة. يعكس هذا التنظيم الداخلي والخارجي لأكادير إنومار، مهارة الساكنة المحلية، وانسجامها مع بيئتها المحلية، و مقدرتها على تدبير "اقتصاد الندرة".