أبدع بنكيران كثيرا حتى يكون أكثر جرأة على قوت المواطن. رئيس الحكومة من شدة إيمانه بالتوزيع العادل للثروة قرر توزيع ثروة الفقراء المكدسة. فكل صاحب سيارة (حتى لو كانت عمرها أكبر من عمر صاحبها) فلديه ثروة. وهذه الثروة ينبغي أن توزع بشكل عادل. فعلى كل مواطن اشترى ما يشبه سيارة لنقل أطفاله عليه أن يؤدي ثمنا ولو تعلق الأمر بثلث درهم للتر الواحد من الغازوال. علاقة بنكيران بالثروة سيئة. وعلاقته بالمال أسوأ. لا يعني هذا أنه لا يحب الثروة ولا يحب المال. فعلم ذلك عند ربي في كتاب عزيز. لكن أقصد الثروة العامة والمال العام. فبقدر حرص أبناء الحزب الإسلامي على المال الخاص. مال الحزب والحركة. مال الإخوان. بقدر استهتاره بالمال العام. ومنذ اليوم الأول قلنا إن بنكيران يفهم العمليات المالية مثلما يفهم التلاميذ الصغار الحساب عبر الخشيبات. وما زلنا ننتظر أن يمنحنا بنكيران الفرصة لنتعلم دروسا إضافية في الحساب وربما يفهم كثيرا في الجبر. ليس الجبر كما تعرفه الرياضيات ولكن الجبر كما عرفه المتكلمون والفلاسفة. نريد أن يعلمنا كيف سيستفيد الفقراء من الزيادات في أسعار البنزين والغازوال؟ وكيف سيستفيد الفقراء من رفع الدعم عن المواد الأساسية؟ الزيادات في أسعار البنزين تؤدي مباشرة إلى الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية. ومع ذلك ينبغي قبول هذه المعادلة البنكيرانية. ارتفاع أسعار المحروقات يؤدي إلى الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية بما فيها فواتير الماء والكهرباء ومع ذلك هي في خدمة الفقراء. الأغنياء لا يأكلون مما نأكل ولا يشربون مما نشرب. ورفع الدعم عن المواد الأساسية لأن بعض الشركات تستعمله كمادة خام هو مجرد توهم. لأن الشركات قادرة على تحويل مشاريعها إلى مخازين وجلب المواد المصنعة من الخارج وطرد العمال. مرة أخرى بنكيران يفهم الدورة الاقتصادية بالمقلوب. اليوم أبدع بنكيران شيئا جديدا. سماه المقايسة. ونسميه نحن في العربية المغربية "قالب اسماعيلي". نظام المقايسة كما هو معروف يتم بموجبه إخضاع أسعار المحروقات لتقلبات السوق الدولية. لا يتم تطبيقه إلا في الدول التي تعرف تقدما على مستوى العمل والشغل والرواتب. لكن يتم تطبيقه بشفافية. أما نحن فبنكيران يجرب فينا "سم الفئران". يرفع الأسعار متى يشاء ويحدد مقدار الزيادات وفق رغبته. لكن لما يريد خفض الأثمنة؟ يلعب معنا "الغميضة". يزيد درهما آو درهمين وينقص سبعة فرنك. فالمقايسة بهذا المقياس ليست سوى لعبة أو قالب من قوالب حكومة بنكيران. فمن جهة يضمن التوازن المالي على حسابنا ومن جهة يزيد من عمق الأزمة التي سيستفيد منها لا محالة. بنكيران كائن غريب. كائن لا يعيش إلا بالأزمة ومعها وفيها. والمقايسة هي أداته. يسميها المغاربة "برق ما تقشع".