أبدى عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب تخوفا كبيرا من عودة المغرب إلى تجربة برنامج التقويم الهيكلي المعروف اختصارا ب پاس PAS الذي كان طبقه المغرب بداية عقد ثمانينيات القرن الماضي، تزامنا مع موجة الجفاف التي ميزت البلاد وأرغمتها على سياسة التقشف. وتمنى الجواهري أن تعرف السنوات المالية المقبلة، بدءًا من سنة 2012، متنفسا اقتصاديا فعليا يخرج البلاد من ضائقة تداعيات الأزمة المالية العالمية ويعفيها من السقوط في حل برنامج التقويم الهيكلي من جديد الذي لن يضر إلا بالفئات الاجتماعية المتضررة أصلا. ودعا الجواهري الذي كان يتحدث في ندوة صحافية مساء أول أمس بالرباط بعد انعقاد المجلس الإداري لبنك المغرب، النقابات في إطار الحوارات الاجتماعية المرتقبة، دعاها إلى أن لا تشدد الخناق على الحكومات المقبلة بالضغط على الدولة برفع أسقف الأجور بشكل مبالغ فيه للموظفين والأجراء من دون مراعاة تداعيات مخلفات هذه الحوارات على ميزانية الدولة وعلى صندوق المقاصة بالذات، كما دعا إلى طرح حلول جوهرية من طرف النقابات لتمكين أصحاب الشهادات العليا من الشغل والتوظيف، مشددا على أن آلية رفع الأجور تكلف الدولة عن طريق الصندوق المقاصة ملايير الدراهم، نافيا أن يكون "ضغط" في يوم من الأيام على الحكومة للإحجام عن الزيادة في الأجور أو تجميد الحوار الاجتماعي، وداعيا في نفس الوقت إلى التفكير في خلق فرص للشغل لمحاربة البطالة التي تهدد كل دول العالم في ظل الأزمة وليس المغرب وحده. وفي سياق الحديث عن صندوق المقاصة، ترقب عبد اللطيف الجواهري أن يعرف هذا الصندوق إصلاحا بهدف سير توجهه الداعم إلى الفئات المحتاجة بالفعل، مترقبا أن يبدأ مسلسل الإصلاح بخفض النسبة المخصصة من الميزانية العامة لهذا الصندوق بداية من السنة المقبلة، مبديا وقوف الحد الأقصى من دعم صندوق المقاصة في قانون المالية المقبل عند 24 مليار درهم، كما يروج إلى ذلك في الإعلام، وفي ذلك يقول الجواهري على الأقل بداية الإصلاح. أما عن القطب الاقتصادي للدار البيضاء "كازا فينانس سيتي"، فلم يُخْفِ عبد اللطيف الجواهري قلقه من بعض "الأمور الذاتية" التي أثرت في هذا المشروع من دون نسيان الوضعية الاقتصادية العالمية المؤثرة بدورها في بداية هذا المشروع الضخم. وقال عبد اللطيف الجواهري في معرض حديثه إن الطلب الداخلي واصل تطوره على نحو ملائم رغم تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي. وتوقع أن يبلغ النمو الكلي ونمو الناتج الداخلي الإجمالي غير الفلاحي مستوى يتراوح بين 4.5% و5.5% سنة 2011. إلا أنه أشار إلى أن هذا التوجه، المرتقب أن يتواصل خلال سنة 2012، يبقى رهينا بالتحسن التدريجي للمحيط الدولي، حيث من المنتظر أن تبلغ فجوة الناتج غير الفلاحي مستوى قريبا من الصفر خلال الفصول المقبلة، مما يعني غياب الضغوط التضخمية الناجمة عن الطلب. وأمام الطابع المستدام لعجز السيولة في السوق النقدية وبالنظر إلى التوقعات الخاصة بعوامل السيولة، أكد الجواهري أن بنك المغرب سيجري معاملات لإعادة الشراء لآجال أطول، وذلك في إطار العمليات التي ينجزها بهدف ضبط السوق النقدية، مشددا على منح تسبيقات للسوق النقدية الأسبوعية تصل إلى 32 مليار درهم. وحسب الجواهري فإن تحليل التطورات النقدية المسجلة حتى نهاية يوليوز 2011 يُظهر تسارعا طفيفا في نمو الكتلة النقدية والائتمان، حيث بلغت نسبة نموها على أساس سنوي 4.7% و7.1% على التوالي، في حين تقلص الفارق النقدي السلبي، مما يشير إلى غياب الضغوط التضخمية ذات المصدر النقدي. وتوقع الجواهري أن يسجل الائتمان البنكي نموا يتجاوز بقليل 8%، وهو مستوى قريب من نسبه على المدى الطويل. ولاحظ الجواهري أن تطور التضخم بقي معتدلا على العموم، مما يتماشى مع التقييم الذي أُنجز خلال الاجتماع المنعقد في شهر يونيو الماضي. فقد بلغ التضخم على أساس سنوي 2.2% في شهر غشت، ارتباطا على الخصوص بالتقلبات الاستثنائية التي عرفتها أسعار المواد الغذائية، وذلك مقابل 0.7% في يونيو و1.8% في يوليوز. وبالموازاة مع ذلك، قال الجواهري إن نسبة التضخم الأساسي، الذي يعكس التوجه الرئيسي للأسعار، بلغت 2.2% في غشت، مقابل 2% في يوليوز و1.9% في يونيو، فيما سجلت أسعار الإنتاج الصناعي في يوليوز ارتفاعا بنسبة 14.5% على أساس سنوي و0.3% من شهر لآخر. وبناءً على مختلف هذه المعطيات، يظل التوقع المركزي للتضخم متلائما مع هدف استقرار الأسعار. وهكذا، يرتقب أن يصل التضخم إلى حوالي 2%، سواء في نهاية أفق التوقع، أي خلال الفصل الرابع من سنة 2012، أو كمعدل خلال هذا الأفق. ويبقى التوقع المتوسط خلال سنة 2011 شبه مستقر، في مستوى 1.3% بدل نسبة 1.4% الواردة في التقرير السابق حول السياسة النقدية. ومن المنتظر أن يظل مؤشر التضخم الأساسي، من جهته، في مستويات معتدلة حيث لن يتجاوز 2%. في هذا السياق الذي يتسم بانسجام التوقع المركزي على المدى الطويل مع هدف استقرار الأسعار وبتوجه ميزان المخاطر نحو الانخفاض، قرر المجلس الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي في مستوى 3.25%.محمد عفري