بعض الناس، ومنهم مثقفون وإعلاميون ومغنون وحتى سياسيون، لهم فهم خاص للحرية: إما أن يقولوا كل ما يريدون، عن حق أو بدون وجه حق، ويخلطوا النقد بالسب والقذف والتهجم، و"التكرفيس على عباد الله"، وإلا فليس هناك حرية تعبير ولا هم يحزنون. يتصورون أن لهم كل الحق في أن يقترفوا أي تجاوزات بدون خجل ولا أدنى احترام للكبار والصغار. وكأنهم وحدهم في هذا البلد، يمدونه بجميع أسباب الحياة، وإلا "قطعوا عليه الما والضو". لقد قدم الحاقد، مغني "الراب" الدليل القوي، في أغنيته التي أطلق عليها عنوان "قليزو للسيستام "، نموذجا حيا لهذه الفصيلة من القوم التي تقول دعني "نخلي دار بوك " تحت ذريعة "ما كاينش المقدس" أو أنك لا تساوي شيئا". وتكبر المأساة حين يفتقد الخطاب للغة الحوار وينزل إلى أسفل سافلين من سفاسف الكلام الحاقِد الذي فاه به الحاقد. لا أثر في الأغنية لما يسمى فنيا ب"الكلمات القوية". لا تجد سوى هشَّ القول وركاكته إن لم نقل سخافته في كلام غير موزون ولا يخضع لقوالب فنية ولا لسلالم أو مقامات موسيقية، اللهم إيقاعات على وزن "السح الدح مبو" المصرية أو "زديح ورديح" المغربية. هل هذا هو الفن؟ الحاقد الذي يعتبر نفسه فوق القانون وفوق الجميع، يقول إنه سجن ظلما، ويصيح "آش درت باش تحاسبوني". وبناء على هذا، سمح لنفسه بأن يقول ما يريد وإلا فسيعرض قضيته على أنظار الأممالمتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية التي ستجد فيها ملفا جاهزا ضد المغرب. غريب حقا أن يرفض مواطن – كيفما كان - الخضوع للمحاسبة على ما اقترف. ولا يقوم بواجباته تجاه وطنه بقدر ما يطالب بالحقوق فقط. أي فهم هذا أي وعي؟ وأي مواطنة نريد لمواطننا في القرن الحادي والعشرين؟ سيقول قائل: هذه طبيعة الفن، وهذا هو "الستيل" الجديد لفن الشباب الحداثي. وهذا هو "الراب" الحاقد؛ "الراب" الهابط. هو العفن وليس الفن. إن المبدعين الحقيقيين يظلون ملتزمين، منهمكين، مهووسين بما يمكن أن يقدموه للوطن والمواطن من فن راق يساهم في الرفع من درجة الوعي، والسمو بالذوق، وتنقية النفس، وتطهير العقل والروح، ويربأون بأنفسهم من السقوط بفنهم في الدرك الأسفل من الانحطاط. يتضح مع مرور الوقت أننا سنندم كثيرا في تفريطنا لأغاني: ناس الغيوان، جيل جيلالة، المشاهب، تاكدة، مسناوة، إزنزارن، وقبلهم الإخوان ميكري، إلى جانب العيطة وأحيدوس بجميع ألوانهما وأهازيجهما، والملحون، والراي الأصيل، والأغنية العصرية، وكناوة... كل هذه الأشكال كانت ومازالت تهز مشاعر شعب بأكمله، وساهمت بنصيب وافر في تقديم النموذج المغربي إلى العالم في أبهى صوره وتجلياته، وليس ب"الهدرة" والكلام الحاقد الذي يصب سما على الجميع بمن فيهم الفنانين الذين ليسوا سوى "لحاسين الكابا" في نظر الحاقد الذي أقسم أنه "لن يطبل ويهلل.." ومن طلب منك ذلك؟ كلام راعن يصدر عن "رواعن". يقول إن "حرية التعبير بندير" وهو يضرب على بندير مثقوب، ويزعم أن حرية التعبير غير موجودة وهو يلعن الجميع يمينا وشمالا، وسيظل الحاقد "باقي عاصر". نقول له: "خليك عاصر ومقلز". هناك فنانون قضوا أكثر من عمرك الحالي في محراب الفن يتأملون فقط فيما يمكن أن يضيفوه، بينما أنت سقطت من السقف، و"لقتيها واجدة"، والأجواء مهيأة. فلم لا تلعن الكل؟ شيء مؤسف أن ينزل الحاقد فن "الراب" إلى الحضيض.