يعيش المغرب هذه الأيام على إيقاع صيف ساخن، ليس فقط على مستوى حرارة الجو، ولكن أيضا على مستوى سخونة المشهد السياسي الذي تتقاذفه هذه الأيام أمواج عاتية تكاد تعصف به، وتحطم أشرعته المتهالكة أصلا. وقد كشفت الحملة الأخيرة حول الدستور الذي صوت عليه المغاربة بنسبة ساحقة، عن الهوة السحيقة التي تفصل بين الأحزاب السياسية التي يجهل المغاربة أسماء عدد منها، وبين انتظارات هذا الشعب، الذي يريد حقا دخول مرحلة جديدة من الممارسة السياسية القائمة على أسس ديمقراطية حقيقية. وما يؤكد هذه القضية هو طبيعة النقاش الدائر حاليا داخل كواليس الأحزاب السياسية، التي تفرغت كلية لمناقشة مشكلة العتبة والتقطيع الانتخابي، لكن لا أحد من هاته القيادات التي انتهت صلاحية عدد منها، طرح السؤال الأساسي، حول من سيحكم المغرب غدا، وكيف ستكون نخبته السياسية. كثيرون لا يبدون أي تفاؤل بهذا الخصوص، بل ويذهبون إلى حد المراهنة على أن ثلثي البرلمانيين الحاليين سيعودون إلى مقاعدهم في مجلس النواب، ينعمون بالامتيازات التي لا نعتقد أنهم مستعدون اليوم للتفريط فيها. وعودة هؤلاء ليس لأنهم حققوا إنجازات تغنت بها الركبان، أو أنهم ساهموا في إعادة الثقة للمواطن المغربي، ولكن أساسا لأنهم خبروا دهاليز الانتخابات، وراكموا من خلال سنوات احترافهم العمل السياسي تجربة ستنفعهم من دون شك في اليوم الأسود، ضاربين عرض الحائط كل الشعارات التي تنادي بتجديد النخب ومنح الفرصة للشباب المغربي من أجل ممارسة الفعل السياسي، وتدبير الشأن اليومي للمغاربة. والواقع أن التجارب السابقة كشفت بما لا يدع مجالا للشك أن ممارسة السياسية في المغرب عرفت مجموعة من الأخطاء، التي جاء الدستور الجديد بهدف إصلاحها، أو على الأقل وضع خارطة طريق جديدة لممارسة الفعل السياسي بشكل آخر، وعلى أسس مغايرة، ولعل من بين المتغيرات التي لا بد أن يلمسها المغربي، وهو يستشرف انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، أن يتم القطع مع كل الممارسات السابقة، وأن يبدأ عهد جديد يحمل مجموعة من النخب المجددة والمتجددة إلى كراسي المسؤولية، انتخابات ينتظر فيها المغاربة الذين ساندوا الدستور الجديد بكثافة، القطع مع سلوكيات ميزت العملية الانتخابية، سيما توظيف العلاقات الخاصة داخل الدوائر الانتخابية من أجل اقتناص مقعد انتخابي، الذي يصبح إرثا تاريخيا ينتقل من الجد إلى الأب، فهنا لا مكان للبرامج السياسية، ولا مكان للحزب، بل إن مجموعة من الأحزاب تستغل علاقات هؤلاء الأشخاص للفوز بمقاعد برلمانية لم تكن تحلم بها. لذلك نعتقد أنه من اللازم قبل مناقشة مشكل العتبة والتقطيع الانتخابي، أن نتحدث عن نوعية السياسيين الذين سينزلون للشارع من أجل عرض برامج أحزابهم، التي نراهن أنها مرة أخرى ستتغنى بالشباب والمرأة وهي اللازمة التي تعتبرها كثير من الأحزاب بوابة ولوج البرلمان الذي يعتبر بوابة نحو الاغتناء ومراكمة العلاقات العامة. إن المغرب يحتاج اليوم إلى القطع مع الممارسات السابقة، وإلى التعايش مع الديمقراطية كشرط أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولتحقيق هذه الغاية لا بد أن تفهم كل الأحزاب السياسية، أن العمل السياسي مرادف للوضوح والشفافية والمصداقية، وأنه ليس هناك مكان للتكهنات، أو التحايل على إرادة الناخبين من خلال استغلال فقرهم، لأن دخول قبة البرلمان يجب ألا يظل امتيازا بل التزام. وماذا لو أن الدولة ألغت أجرة البرلمانيين، هل سيترشح واحد من هؤلاء الانتهازيين لتمثيل الشعب المغربي.