تؤمن جماعة العدل والإحسان بحكمة "لعن الشيطان أمام الملأ والجلوس معه في الخفاء"، فتراها تجيش مريديها ضده، وتقسم ب "الرؤيا" وكل "الوصايا العشر" على كفره، ثم تختلي به في المقاهي لتزوده بالتقارير السرية، وتحلف أمامه أن شعاراتها ليست سوى حبر مداد ينمحي أمام جبروته. إنها خلاصة لما حدث، يوم الأربعاء الماضي، بشارع مولاي يوسف بالبيضاء، حين اقتنص "هواة" صورة لحسن بناجح، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية، والناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، ومدير موقعها الإلكتروني، داخل مقهى "النجوم" في لقاء خاص مع مسؤول بالسفارة الأمريكية بالرباط. ولأن حدس القناصة لا يخطئ أبدا، فقد التقطوا صورة للمسؤولين حين خروجهما من المقهى، بعد فشلهم في تصوير حديثهما الطويل الذي ظل خلاله المسؤول الأمريكي يستمع إلى المسؤول الكبير في جماعة الشيخ، ويدون معلومات عبارة عن تقارير فشلت عدسات القناصة في تحديد طبيعتها، لكنهم تنبؤوا بخطورتها، فعلها تلتحق، يوما ما بأرشيف وثائق "ويكيليكس" الشهيرة. ولم يخف العارفون بخفايا "الجماعة الياسينية" أن الشبهة تحف باللقاء الأخير، علما أن المسؤول الأمريكي مختص في الجماعات الإسلامية، وسبق أن قضى فترة طويلة مساعدا للحاكم المدني "بول بريمر" بالعراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وتنقل بين عدة مسؤوليات قبل أن يستقر في المغرب ليستقبل أعضاء جماعة العدل والإحسان بالمقاهي وفضاءات أخرى. ولأن الجماعة تتشبث بسياسة ألف قناع، فقد تخلى بناجح، الذي طالما ردد في حرم الجامعات "أمريكا أمريكا عدوة الشعوب"، عن قناعاته، وفضل الجلوس في مقهى رفقة مسؤول أمريكي ينصت إليه ويزوده بالتقارير الله وحده وياسين (إن كان يعلم طبعا) يدرك محتواها. فهل تخلت الجماعة عن شعاراتها برفض الجلوس إلى الأمريكان؟ أم أن مبادرة بناجح شخصية؟ علما أن الجماعة طالما افتخرت بأن لا علاقة لها بأقوى دولة في العالم، وأنها تقاطع كل أنشطتها، بل أصدرت تنبيها إلى مريديها، خصوصا إلى ندية ياسين، تمنعهم من الاقتراب من شبهة التعامل مع الأمريكان. فهل دفع الحراك الاجتماعي الأخير الجماعة إلى نسج حبل الود مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، واعتبارها صديقة الشعوب بعدما كانت عدوتها؟ إن اللقاءات مع مسؤولي السفارات الأجنبية بالمغرب ليست حراما، لكن شريطة الالتزام بالقواعد المتعارف عليها، ومنها إخبار وزارة الخارجية بالموضوع والجهات المختصة للقيام بكل الإجراءات، تفاديا لشبهة التخابر، ولإضفاء المصداقية على الجماعات والأحزاب حتى لا تصطاد بعض الجهات الأجنبية في الماء العكر، فالمغرب له سيادته ولا سلطة لحاكم مدني عليه، بل إن الشفافية تفرض إبلاغ الرأي العام بمحتوى التقارير التي تأبطها مساعد "بول بريمر" في البيضاء.