في تطورات متلاحقة على الساحة السياسية البريطانية, قبلت الملكة إليزابيث, مساء الثلاثاء, الاستقالة التي تقدم بها زعيم حزب العمال البريطاني غوردن براون من منصبه كرئيس للوزراء, لتكلف زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون بتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الأحرار الديمقراطيين بزعامة نيك كليج بعد توصلهما إلى اتفاق حول تقاسم السلطة. وأشار كاميرون, عقب وصوله إلى 10 داونغ ستريت المقر الرسمي لرئاسة الوزراء, إلى التحديات الضخمة التي تواجه البلاد في الوقت الراهن, وعلى رأسها استعادة الثقة في النظام السياسي, معربا في الوقت نفسه عن تقديره للجهود التي بذلها سلفه العمالي غوردون براون في خدمة الأمة. وأوضح أول رئيس وزراء يصل لهذا المنصب في عمر 43 عاما منذ القرن التاسع عشر, أن المحافظين والأحرار الديمقراطيين, سعيا منهما لتحقيق هذا الهدف وللتوصل لحكومة قوية ومستقرة, تمكنوا من تجاوز اختلافاتهما. وتعتبر هذه الحكومة الائتلافية الأولى من نوعها منذ سبعينيات القرن الماضي. وكانت الملكة إليزابيث قد استقبلت كاميرون, مساء اليوم الثلاثاء في قصر باكينغهام, وكلفته بتشكيل الحكومة الجديدة عقب استقالة غوردون براون من منصبه, والتي شكلت نهاية لثلاث سنوات من عمر حكومته التي بدأت مع استقالة سلفه طوني بلير, كما وضعت حدا لسيطرة العمال طوال 13 عاما على السلطة. وعلى الرغم من أن زعيم المحافظين واجه أحيانا اتهامات بالسطحية نتيجة لعدم اندراجه تحت منظومة أيديولوجية بعينها, إلا انه حاول تعويض ذلك بتقديم مبادرات غير مألوفة للتواصل مع قطاعات محرومة من المجتمع. وكسب كاميرون خلال الانتخابات مزيدا من التأييد من قطاع رجال الأعمال عبر اقتراحه الخاص لتقليص العجز بإلغاء زيادة قيمة التأمين الاجتماعي التي اقترحها حزب العمال. ويعرف كاميرون نفسه بأنه "رجل العائلة", وهو ما فسره في مقال نشره في صحيفة (ديلي تليغراف) البريطانية بأن أبويه, وعلى الرغم من ثرائهما, ربياه على "التفاؤل" وعلماه أن الحياة "ليست مجرد جمع للمال". ونشأ كاميرون, المولود في أكتوبر 1966 , في أسرة تعود جذورها إلى طبقة النبلاء, وحاز على درجة الإجازة في الفلسفة والسياسة والاقتصاد من جامعة أوكسفورد التي تعرف بين جدرانها على عمدة لندن الحالي بوريس جونسون. وفور تخرجه عام 1988, بدأ كاميرون عمله في قسم التحقيقات بحزب المحافظين وتدرج حتى أصبح أحد أفراد فريق العمل الخاص برئيس الوزراء السابق جون ميجور. كما خاض كاميرون تجربة غير موفقة في الانتخابات البرلمانية في 1997 قبل أن ينجح في الحصول على مقعد في انتخابات 2001 ثم ترقى في 2005 ليصبح متحدثا عن شؤون التعليم باسم المعارضة التي تزعمها وقتها مايكل هوارد. وعقب توليه منصب مدير التنسيق السياسي في الحملة الانتخابية للمحافظين في 2005 , تقدم كاميرون للترشح لزعامة الحزب وهو ما نجح في نيله في دجنبر من العام ذاته. من جهته قال غوردن براون رئيس الوزراء المنهزم في الانتخابات الأخيرة, في نص خطاب الاستقالة "كما تعلمون, فإن الانتخابات العامة لم تمكن أي حزب من الحصول على الأغلبية في البرلمان, وقد تعهدت من قبل بأن أعمل على أن تتشكل حكومة قوية مستقرة قائمة على أسس وقادرة على التعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه بريطانيا". وأضاف "ويحتم واجبي الدستوري أن أضمن تشكيل حكومة عقب الانتخابات التي أجريت الخميس الماضي", مشيرا إلى أنه أوصى بتكليف زعيم المعارضة ديفيد كاميرون بتشكيل الحكومة, متمنيا له التوفيق في منصبه الجديد في جميع مهامه وقراراته المستقبلية. واستطرد قائلا "فقط هؤلاء الذين تولوا منصب رئيس الوزراء يدركون ثقل المهمة والمسؤوليات التي تقع على عاتقهم من أجل اتخاذ قرار صائب". وهكذا وضع ائتلاف المحافظين والأحرار نهاية لسيطرة العمال طيلة 13 عاما على السلطة في بريطانيا. وتم الإعلان في وقت سابق اليوم عن فشل المفاوضات بين العمال والأحرار الديمقراطيين, فيما كان المفاوضون من حزبي المحافظين يجتمعون مع الأحرار في العاصمة لندن لبحث تشكيل أغلبية برلمانية كافية لتكوين حكومة بعد الانتخابات التي أجريت الخميس الماضي. يشار إلى أن المحافظين حصلوا على 306 مقاعد في الانتخابات الأخيرة وهو الرقم الأقل من 326 مقعدا الضرورية للفوز بالأغلبية وتشكيل الحكومة, بينما حصل حزب العمال بقيادة غوردون براون على 258 مقعدا. وعلى الرغم من كون الديمقراطيين الأحرار يشكلون الحزب الثالث في عدد الأصوات, بفارق كبير عن الحزبين الآخرين, فإن عدم حصول المحافظين على الأغلبية المطلقة لمقاعد البرلمان في الانتخابات خول لهم الفرصة للمشاركة في الحكومة المقبلة.ولا يعتبر كاميرون بعيدا عن عالم الإعلام, حيث عمل مديرا للاتصالات بمحطة "كارلتون" التليفزيونية بين عامي 1994 و2001 وصنع وقتها عداوات مع عدد من الصحفيين أبرزهم إيان كينغ من صحيفة "ذا صن".