لاشك أن المجتمع المغربي وبكل مكوناته، يقر بوجود خلل في منظومتنا التعليمية، خاصة في الآونة الأخيرة بعد ما تبين للعام والخاص أن مردودية التحصيل في تدهور مستمر، يكاد أغلب التلاميذ على إنهاء الدروس الثانوية دون تمكنهم من تحقيق الحد الأدنى من الكفايات المحددة لكل هذه المراحل، وبهذه الوضعية الغير المقبولة وبعد الاقتراب من سكتة قلبية، دقت السلطات الوصية ناقوس الخطر وكتفت رفقة بعض الشركاء في المجال جهودا لإيجاد مخرج لهذه الأزمة والتي تمخض عنها ميثاق وطني مغر من حيث التصورات والمضامين، متبوعا بالبرنامج الاستعجالي والحامل لمجموعة من المشاريع التربوية، الهدف منه إتمام ما تبقى من الميثاق الوطني للتربية والتكوين وتسريع وثيرة الإصلاح لجعل المنظومة التربوية المغربية تواكب كل المستجدات العالمية وتخرجها من الوضعية الصعبة وخصوصا بعد صدور تقارير محزنة من المجلس الأعلى للتعليم واحتلال التعليم الوطني لرتب متدنية. رغم ما تنص عليه كل المذكرات الوزارية المتعددة ومضامين كل من الميثاق الوطني والبرنامج الاستعجالي من توفير تعليم مجاني لكل فئات المجتمع وتكافؤ فرص التحصيل أمام الجميع، خاصة بعد حسنة الدعم الاجتماعي للفئات المعوزة والتي تقيهم تكلفة الكتب المدرسية، فلازالت فئة عريضة من المتعلمين تغادر المؤسسات التعليمية في سن مبكرة قبل بلوغ 15 سنة وذلك لأسباب متعددة، أهمها عدم توفرهم على موارد تمكنهم من مسايرة أقرانهم داخل الفصول الدراسية، ولتفادي مثل هذه الحالات وللرفع من قوة التحصيل ولتحقيق مآرب أخرى، انتشرت في منظومتنا التربوية وبشكل مخيف الساعات الخصوصية المؤدى عنها والتي بدأت تترسخ لدى الجميع كأنها ركن ضروري موازاة مع متابعة الدراسة بالفصل وخير دليل على ذلك الحركة الغير العادية التي يعرفها الشارع الرئيسي للمدينة ابتداء من الساعة التاسعة ليلا حين مغادرة التلاميذ قاعات تلقي الدروس الإضافية المؤدى عنها، وقد يظن البعض أن الدراسة الفعلية تتم عندنا ليلا عوض النهار. بإجماع تام وبدون أذنى شك، يطمح كل الآباء والأمهات والأولياء أن تحقق فلذات أكبادهم نتائج سارة في مسارهم الدراسي ولو تطلب الأمر الغالي والنفيس وبهذا المنظور تختلف الغايات والأهداف والدوافع التي تدفعهم للالتجاء إلى خدمة الساعات الإضافية، فهناك فئة من الآباء ميسورة ولا تتوفر على الوقت الكافي أو المستوى الدراسي المناسب لمراقبة الأبناء وفئة أخرى تبحث عن الجودة والمعدلات العالية لضمان بطاقة مرور للمعاهد العليا، إذ مند بداية السنة الدراسية تعمل مثل هذه الفئات على حجز مقاعد لأبنائها لدى الأساتذة داعية الصيت في المواد المطلوبة، خصوصا اللغات الحية والمواد العلمية، وتبقى فئة ثالثة ذات الموارد الضعيفة وتسعى من خلال الساعات الإضافية دعم قدراتها لمواكبة الأقران داخل الفصل ومساعدتها على إنجاز الواجبات المنزلية وخصوصا أن بعض الأساتذة يثقلون كاهل التلاميذ بالانجازات المنزلية دون مراقبتها وتصحيحها مما يفقدها القيمة. وتبقى الدائرة التي تدور فيها عملية الساعات الإضافية وأقطابها مليئة بالتناقضات والطرائف والشعارات المزيفة، كلها تدور تحت عنوان الانتهازية المتبادلة، فالآباء همهم توفير كل ظروف النجاح والرفع من وتيرة التعلم لأبنائهم بينما مقدمي الخدمة الظفر ما أمكن بمبالغ مالية إضافية زيادة على شبكة من العلاقات... وعلى العموم فإن عملية الاستفادة من الدعم عن طريق الساعات المؤدى عنها لم تكن في متناول الجميع وخصوصا الآباء ذوي الدخل المحدود مما يجعلهم أحيانا يعيشون في صراع قوي مع أبنائهم، حينما يحسون بالدونية أمام أقرانهم داخل الفصول الدراسية وتوصل لهم رسالة مفادها أن الحل بيد أبائكم ويكفي الالتحاق بفوج الساعات الإضافية الليلية عند الأستاذ، وفي هذا الشأن يمرر بعض الأساتذة رسائلهم سواء بالمرموز أو الواضح سماتها الابتزاز البين وما التنقيط والنجاح إلا وسائل ذلك، وما يقع من تسريبات للامتحانات الموحدة والاهتمام والاعتناء بالتلاميذ –المؤدى عنهم- خلال الحصص الرسمية وإهمال الآخرين ما هو إلا قطرة من بحر. طبيعة مدينة السمارة والتي تسكنها فئات ذات الدخل المحدود جعلها تفتقر للمعاهد والمدارس المتخصصة في هذا المجال والتي تستعين بدعاية تغري جل الآباء، هذا جعل مجموعة من الفئات تتخذ موضوع الدعم عن طريق الساعات الإضافية وسيلة للربح والاغتناء والتهافت للضفر بأكبر عدد ممكن من التلاميذ وخصوصا أبناء الشخصيات المدنية والعسكرية والوجهاء والأعيان دون الاستهانة بباقي أطياف المجتمع وللدعاية دور مهم في هذا الشأن لكن بطرق تقليدية. وفي تصريح لأحد الآباء، أكد أنه مرغم على توفير كلفة الساعات الإضافية لأحد أبنائه لأسباب متعددة وأن هذا الأمر يفرض نفسه ولا يمكن الجري عكس التيار وأضاف أب أخر أن جل الشخصيات التي تحل بالإقليم رفقة الأبناء وبمجرد بداية الموسم الدراسي تبحث عن الأساتذة لدعم أبنائهم وبإغراءات متعددة لذلك تبقى هذه العملية سارية المفعول في كل أنحاء الوطن في انتظار اجباريتها بشكل علني،(يضيف محدثنا مازحا). وتختلف أثمنة هذه الساعات الإضافية حسب قيمة الأستاذ والسلك الدراسي، فبالابتدائي قد تصل إلى 150 درهما للشهر بمعدل ثلاث حصص أسبوعية وخصوصا مادتي الرياضيات والفرنسية أما الإعدادي والثانوي فتتراوح ما بين 150 و250 درهما للشهر بمعدل ثلاث حصص أسبوعية وهي أثمنة للعموم ويمكن أن يفوق عدد تلاميذ الفصل الواحد ثلاثون فيما تبقى أثمنة الساعات التي تقدم في المنازل ولمجموعة محددة لا تتعدى في الغالب ستة غير محددة إلا أنها مرتفعة و قد تصل ألف درهم للتلميذ وما يرافق ذلك من هدايا... ويتسأل البعض ويستفسر عن القدرات التي يتوفر عليها بعض الأساتذة وهم مجندون للعمل منذ الثامنة صباحا وإلى غاية العاشرة ليلا وبشكل يومي. وما يثير الشفقة أكثر، أن حتى تلاميذ المستوى الأول ابتدائي أقحموا في عملية الساعات الإضافية زد على ذلك أن البعض الأخر وخصوصا بعض المراهقات يتخذن الساعات الإضافية كوسيلة لتمويه الآباء والالتقاء بالأصدقاء والخلان بعيدا عن الأنظار. ومن أجل التقريب أكثر لهذا الموضوع الشائك، أكد د: محمد.ا والذي مارس عملية التدريس لسنوات، أن المذكرة الوزارية رقم 01 بتاريخ 6 يناير ،2002 تقنن الساعات الإضافية المنجزة بمؤسسات التعليم الخصوصي، و أمام هذا الترخيص يجد المدرس الراغب في "تحسين دخله "نفسه أمام اختيارين إما أن يلجأ إلى مؤسسة خصوصية توفر له المقر والوسائل و"الزبناء" و تحدد له "أتعابه"، أو أن ينجز "المهمة" في بيته أو مكان أخر يحدده بنفسه ويفرض أسعاره و ينتقي زبناءه و لا يقاسمه أحد "محصوله " كما لا يخضع لأية مراقبة في حالة ما إذا تولى غيره "حراسة التلاميذ" في انتظار انتهاء الحصة، و قد يتواجد المدرس أحيانا في المقهى في الوقت الذي يكون فيه التلاميذ مكدسين في غرفة تتنافى مع أبسط الشروط الضرورية لاحتواء عدد من هؤلاء المتعلمين. لكن،يقول الأستاذ، و حتى لا نبخس الناس حقهم ، فإننا لا بد أن نعترف بالمجهودات التي يبذلها بعض منجزي الساعات من غير هيئة التدريس الرسمية، علما أن ما يعزز هذا الاستثناء هو الفراغ المهول الذي يعيشه التلميذ أمام تصاعد حالات الإضراب و صمت الوزارة الوصية، هذه الوضعية فأقمت لامسؤولية بعض منعدمي الضمير ممن أوجدهم سوء الحظ في مسار تمدرس أبنائنا. وعبر هذا المنبر، أوجه تحية إجلال لكل الشرفاء الذين يحترقون من أجل إنارة السبيل أمام الأجيال التي نتمنى أن تنشأ في ظروف سليمة، يضيف محدثنا. ويبقى مشكل الساعات الخصوصية والإضافية المؤدى عنها في حاجة إلى حل منصف، فبالإضافة إلى استنزاف جيوب بعض الآباء، تزرع الكراهية والحقد بين مختلف جماعة الفصل وفي الجانب الأخر يتم دعم قدرات بعض المتعلمين المحظوظين وتوفير دخل لمجموعة من حملة الشواهد و ثروة لبعض المدرسين، معادلة صعبة الحل ما دام نظامنا التربوي يمر بمرحلة صعبة.