بينما كان العاهل المغربي محمد السادس يقوم بجولة في القارة الافريقية، ويزور دولها الواحدة تلو الأخرى، لاستعادة مكانة بلاده، وعضويتها في منظمة الاتحاد الافريقي وكسر عزلتها، تواجه هذه البلاد ازمة داخلية صعبة تتمثل في مرور شهر دون نجاح حزب العدالة والتنمية الذي فاز بأعلى عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (7 أكتوبر الماضي)، في تشكيل حكومة ائتلافية، وفشل المشاورات التي اجراها زعيمه السيد عبد الاله بنكيران في اقناع الأحزاب الممثلة في البرلمان في الانضمام الى حكومة جديدة، والأخطر من ذلك استقاله بعض الوزراء من حكومة تصريف الاعمال الحالية مثل السيد صلاح الدين مزوار وزير الخارجية، دون وجود نص دستور يلزمه بذلك، وجاءت هذه الاستقالة من قبيل الاحتجاج. السيد بنكيران شخصية مثيرة للجدل، ووجوده كزعيم لحزب إسلامي “معتدل” اثار عليه الكثير من الانتقادات من خصوم من شتى المشارب السياسية، ولكن فوز حزبه بأكثرية المقاعد في الانتخابات الأخيرة اكد وجود قاعدة شعبية له لا يمكن انكارها، وان حاول معارضوه ذلك، فاذا كان بعض قيادات حزبه تورطت في الفضائح وبعض اشكال الفساد، فإنه ظل بعيدا عن أي شبهة، وان كان يتحمل كزعيم حزب نظريا مسؤولية أفعال الفاسدين في حزبه. المغرب يشهد حياة سياسية نشطة، وديمقراطية تستند الى انتخابات تتسم بالنزاهة في نظر كثيرين، وتنعكس كلها على صفحات اعلام نشط بشقيه التقليدي والرقمي، ولذلك من السهل التقاط الكثير من التحليلات، واحيانا الانتقادات الشرسة لهذه الازمة الوزارية المتفاقمة الناجمة عن تعثر ولادة الحكومة الجديدة، بل وانتقاد نظام الحكم والتشكيك في النظام الديمقراطي المتبع برمته. بعض الصحف المغربية اجتهدت بالقول ان العاهل المغربي غاضب من السيد بنكيران، وقالت ان بعض مستشاريه، خاصة الرجل الاقوي فؤاد عالي الهمة التقط هذا الغضب، ولعب، ويلعب دورا في عرقلة مشاورات السيد بنكيران، ويطالب زعماء أحزاب بعدم التعاون معه، ويحمله مسؤولية ارتفاع الغلاء والبطالة، من جراء رفع حكومته الدعم عن السلع السياسية والمحروقات، وكان السيد بنكيران لمح اثناء حملته الانتخابية الى جهات عليا لا ترد له ولاية ثانية في إشارة اعتبرها كثيرون موجهة الى السيد عالي الهمة، وهو ما نفاه الأخير بقوة. في ظل هذا التأزم الوزاري هناك من يقترح حلولا بتكليف شخص آخر غير السيد بنكيران من رجالات حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة، بينما يرى البعض الآخر ضرورة تسمية العاهل المغربي للسيد الياس العماري، زعيم حزب “الاصالة والمعاصرة”، الذي احتل المرتبة الثانية في عدد مقاعد البرلمان، بالقيام بهذه المهمة، وفقا لنصوص الدستور، وبحكم علاقته الطيبة مع بعض الأحزاب الأخرى، وباعتباره اقرب الى قلب الملك ومستشاري القصر الذين يقفون خلفه. لا جدال في ان الولاية الأولى لحزب “العدالة والتنمية” في الحكم تضمنت الكثير من الأخطاء والسلبيات من بينها تورط بعض قياداته في فضائح جنسية، واعتقال احد أعضائه في تموز (يوليو) الماضي وفي حوزته ثلاثة أطنان من الحشيش، واتهام احد المحافظين المحسوبين على الحزب التورط في صفقة عقارية كبيرة، وكانت الفضيحة الأكبر ضبط الشرطة احد أعضاء المكتب السياسي للحزب وهو في وضع جنسي مخل مع قيادية أخرى في سيارته على شاطئ البحر، ولكن رغم ذلك صوت الناخبون المغاربة له، واعطوه النسبة الأعلى من المقاعد في البرلمان، ومثل هذه الفضائح والسلبيات يمكن ان تدمر أي حزب آخر بسهولة. انصار “العدالة والتنمية” لا ينكرون هذه الفضائح الجنسية، خاصة التي تشوه صورتهم كحزب إسلامي من المفترض ان تكون قياداته، ناهيك عن أعضائه، منزهة عنها، ولكنهم يتهمون البوليس بتسريبها الى خصومها الذين وظفوها في حملاتهم ضد الحزب وقيادته، وربما يكون الاتهام صحيحا، لكن الخطايا هذه من الصعب الدفاع عنها او تبريرها في مجتمع محافظ مثل المغرب، وتمس حزبا إسلاميا لا يحظى بالقبول عن قطاع عريض من المغاربة. الأداء الاقتصادي كان وما زال العدو الأكبر لحزب “العدالة والتنمية”، فقيادة الحزب اتخذت قرارات اقتصادية شرسة وغير شعبية، ابرزها رفع الدعم عن السلع الأساسية، وإصلاح النظام التقاعدي للموظفين العموميين، الامر الذي أدى الى تخفيض العجز في ميزانية الدولة من 7 بالمئة العام الماضي الى 4.3 بالمئة هذا العام، ومن سوء حظ السيد بنكيران ان موجة الجفاف التي اصابت البلاد العام الماضي وجزئيا هذا العام، جعلت وضعه اكثر سوءا، وانهارت كل آماله برفع معدل النمو الى اكثر من 7 بالمئة. حزب “العدالة والتنمية” جيء به الى الحكم في نظر البعض في المغرب نتيجة “دهاء” المخزن ودولته العميقة، لامتصاص ثورات ما يسمى بالربيع المغربي في عام 2011، لان نسبة كبيرة من المتظاهرين كانوا من أصحاب التوجهات الإسلامية، الحزب قام بالمهمة على خير وجه، والآن هناك تيار مغربي في الدولة العميقة يطالب بإعادته الى المعارضة، لأنه بات ينافس العرش بطريقة او بأخرى، ومهمته التي جاء من اجلها انتهت. هل يعود حزب “العدالة والتنمية” الى مقاعد المعارضة في البرلمان، ام ينجح في تجاوز العقبات التي تقف في طريق تشكيله للحكومة؟ سواء بقي السيد بنكيران في الحكومة لدورة ثانية ام لا، فإنه يظل ظاهرة سياسية فريدة، لها لون ونكهة مختلفة ميزته عن معظم رؤوساء الوزراء السابقين، واتفق معه البعض او اختلف.