رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان يصعب تقفي حقيقة واقعة الانقلاب العسكري في تركيا، كل المعلومات المتدفقة، عبر مجاري شبكات الأخبار والتواصل، مجرد قصاصات وروايات، تحتمل أجزاء منها ملامسة حقيقة ما جرى، لكن ثمة أجزاء يكتنفها الغموض، المفضي إلى الزيف والبهتان، والأسوأ، غموض يزداد عمقا، مع توالي سياسة ردود الأفعال والقرارات العقابية، خارج القواعد الديمقراطية. إلا أن مستلزمات الثبات على أرضية محددة، يدفعنا إلى قراءة واستقراء ما وراء الحدث، عبر بوصلة، تمكننا من ضبط أبعاد القصة، بما تختزنه من ممكنات، ومن دلالات. هذا الزمن لا كالأزمنة، لكنه يذكرنا بالعديد من مفجرات الحرب، ومحفزات السلم عبر التاريخ، ليستحضر أمام أذهاننا أحداثا عرضية، شكلت منعطفا غير وجهة الحضارات الإنسانية المتعاقبة، ومضت بالبشرية من منحى إلى آخر، ومن أطوار إلى أخرى، رغم أنها أحداث غارقة في البساطة، تلك سنة الخالق في خلقه، لمن شاء أن يعتبر... عبر كل الارتسامات، والوسومات المتداولة في العالم الحقيقي والافتراضي، يجري الحديث عن انقلاب عسكري في تركيا، وقد تملكني هاجس إصرار قوي، للبحث وتقليب هذا المسمى، بين مستلزمات الاصطلاح، وشروط النجاح. بصريح القول، لا أستطيع الجزم أن الأمر يتعلق فعلا بانقلاب عسكري، ثمة بون شاسع بين ما جرى في تركيا ليلة الخامس عشر من يوليوز/تموز 2016، وبين معنى الانقلاب العسكري، مكتمل الأركان والأوصاف. لكنني، تفاديا لإغراق المقال في متاهات سجال الاحتمالات، اقتصرت ان يتخذ المقال سبيلا محددا، يعتمد طرحا، يلامس رزم الخيوط، بين مصادرها ومآلها، ليجسد الصورة العامة، حول مجريات الواقعة، التي كادت تعصف بمصير ديمقراطية فتية، بحاجة إلى العناية بدل التخريب والدمار. ما جرى أقرب بكثير إلى عصيان وتمرد منه إلى انقلاب، جرى الترتيب له على مستويات منخفضة نسبيا في منظومة الرتب العسكرية، وإن كانت الشخصيات الرئيسية قريبة من القيادة العسكرية العليا، لكنها لا تملك ناصية القيادة، فضلا عن ذلك، فهي فاقدة منذ بدايتها للشخصية الكاريزمة التي يمكن أن تقودها أو توجهها، إلا أن الحديث عمن وراء الحادث، الذي ذهب بأرواح أكثر من مائتي شخص، يطرح العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول الجهة التي أقدمت على هذه الخطوة العجيبة، والجهات التي يصب الحادث في مصلحتها، والجهة التي أوكل لها التخطيط، وتلك التي أعطت الإشارة، وتلك التي تكفلت بالتدبير والإدارة... هذا العصيان العسكري، يرجح أنه عمل جرى بأيادي، لعبت دورا وظيفيا، لخدمة مؤامرة، ذات خيوط متعددة، تمتد عبر جهات إقليمية، نحو أخرى دولية، لديها أهداف، ربما لا تنسجم حتى مع ما يتطلع إليه خصوم العدالة والتنمية، داخل الحلبة السياسية التركية، أولئك الخصوم، الذين أبانوا عن التزام فعلي، جدير بالاحترام، بمبدأ الديمقراطية، ، فيما بدت ورقتهم ضمن معادلة التآمر، عديمة الأثر. عبر كل التصريحات والإجراءات والتحقيقات الجارية، تشير أصابع الاتهام، ومن كل الاتجاهات، إلى جماعة فتح الله كولن، لتطفو على السطح قائمة من بواعث الاستغراب، حول الطبيعة الفكرية لرواد هذا العصيان العسكري، والمدني إلى حد ما، ما يدفعني دفعا نحو الشعور بالريبة والشكك، إزاء منحى لا يعبر عن الحقاق كما هي، بل يزيدها قتامة وغموضا. فإذا كنا على دراية بالتموجات الإيديولوجية وفسيفساء الطبقات المتحكمة والحاكمة، التي تطبع نزعات الأنظمة و''الحلبة السياسية المظهرية'' في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، فإن هذا العصيان/التمرد لم يكن لينتصر للتيار العلماني أو اليساري أو حتى الليبرالي، ولم يكن في مواجهة المد الإسلامي بالمعنى المناسب للكلمة، فجماعة فتح الله كولن تتقاطع على مستوى القيم الفكرية التي تروج لها مع باقي مكونات التيار الإسلامي، ممن دخلوا غمار السياسة، بل يمكن اعتبار الجماعة قاعدة خلفية، ساهمت بقدر غير يسير في سطوع نجم العدالة والتنمية التركي منذ بدايته، وإن كان ذلك محصورا في الشق الاجتماعي والاقتصادي. لذلك، يكاد يبدو من ظاهر الواقعة أن الهدف يقتصر على محاولة وأد ''الحلم'' الأردوغاني، وهذا الطرح يصعب استساغته، إذا ما اقتصرنا في حصر مسؤولية ما جرى في جماعة كولن، أو إن صح التعبير، في شخصيات مرموقة، محسوبة على جناح فتح الله كولن. الطرح يدفعنا إلى تساؤلات ، حول مدى منطقية تورط جماعة كولن في المؤامرة، باعتبارها افتراضا، كيانا موازيا، وذلك على النحو التالي : كيف لجماعة غير رسمية من الناحية المؤسساتية، ولا تتمتع بمد شعبي بالمعنى الكمي، الذي يمنحها الثقل المعنوي اللازم، حتى تسعى إلى قلب نظام الحكم، أو قلب الطاولة على حكومة، منتخبة ديمقراطيا، دون أن تكون مسنودة في محاولتها هاته، من أطراف سياسية مناوئة للحكومة؟، حتى لو افترضنا تمتعها بقوة اختراق عبر كوادر، في أهم مفاصل الدولة؟... كيف لجماعة تحصر دورها في الجانب التربوي والاجتماعي والاقتصادي، معروفة بنزوعها التصوفي الخاص والمتميز، تتبنى فكر الفرقة الماتريدية المعروفة المنهج، ترفض استغلال الدين في السياسة، حسب ما تروجه في أدبياتها، أن تغامر بهذه الدرجة من التهور والهذيان، لتصفية حسابات شخصية ناقمة، في وجه تيار يشاطرها المرجعية الإيديولوجية، حتى لو اختلفا من ناحية المنهج والأهداف... لكن كل هذه التساؤلات، قد لا تشفي غليل التحليل، لفهم خيوط المؤامرة، إذا استحضرنا العوامل الخارجية المفترضة، للدفع نحو هكذا تحرك، في ظل ما تشهده المنطقة من تخبط ومن حروب فتاكة. إقليميا، لدينا تيار سلطوي تحكمي نافذ، يجمع بين الاستبداد والانتهازية، يعيش أفضل أوقاته اليوم، يسلب من الشعوب هويتها، وينتزع منها كينونتها، ترى في المطالبة بالديمقراطية خيانة عظمى، والدود عن واقع الاستبداد، ومنهج النهب والفساد وتوزيع المغانم رجاحة فكر وسداد رأي، وقد التحقت بهذا التيار بعض الهامات، ذات النزوعات الإيديولوجية المتياسرة، تشاطر رواد هذا التيار هما مشتركا أساسيا، يتمثل في معاداة المد الإسلامي، الذي يهدد نفوذهم وجبروتهم، هذا التيار يتواجد تقريبا في كل الأقطار العربية والإسلامية، من محيطها إلى خليجها، حيث تعود جذور تشكيل هذا التيار إلى تراكمات، وترسبات لمسلسل من الإخفاقات والانفصام السياسي والهوياتي، الذي أصاب الكيانات المجتمعية العربية والإسلامية، واستطاع أن يحقق التوازن القسري، لضمان التحكم في آمال الشعوب، وفق معايير ميزان، تضبطه قوى تحكم عالمية، وباتت تشكل اليوم دورا وظيفيا، في تنفيذ أجنداتها الماكرة... الطريف أن هذا التيار، المتعدد في مشاربه، ظن غباء وبلادة، خلال بداية الواقعة، أن العملية بالفعل تتعلق بانقلاب عسكري، لن يخطأ المرمى، وراحت زبانيته تكشف عن وجهها الثعلبي الماكر، من خلال التشفي وتأييد ''الثورة'' في وجه ''التجربة الأردوغانية''، وحين انكشفت المصيدة، راحت تروج لانقلاب مفبرك، أردوغاني الصنع، لتتضح الصورة، بأن الأمر ربما أبعد من كل هذا وذاك، فلا خصوم أردوغان كانوا على حق، ولا الموالين له كانوا على صواب... استقراء لما وراء الحدث، القوى الإمبريالية المحكمة في دواليب السياسة والاقتصاد العالميين ضالعة في الحدث، من ناحية توفير الدعم والتحريض، من وراء ستار التيار السلطوي، ولعل بؤر التوتر، في كل من سوريا، العراق، ليبيا واليمن شاهدة على المخطط المبني على مبدأ الفوضى الخلاقة، وخلط الأوراق وصناعة الحروب وخوضها بالوكالة، حيث تتدخل عبرها كل الأقطاب المتصارعة في العالم، بصغيرها وكبيرها، وتكتب تاريخ مجدها الوهمي بمداد من دم، من خلال جرائم عنف وإبادة... إن ما ثم تدبيره في تركيا مجرد مغامرة في الهواء، حتى وإن كان المتمردون موظفين سامين، لهم من الكفاءة والخبرة ما يؤهلهم لوضعهم في خانة النخبة، لكن اندفاعهم وتخطيطهم الاستراتيجي كانا على درجة من السذاجة والغباء، لذلك، فالمنحى المتهور الذي اتبعه المتمردون يعود إلى أربع عوامل رئيسية : - اعتقد المتمردون بأنهم مسنودون، سندا حقيقيا، من جهات داخلية، وبالخصوص جهات خارجية، قادرة على تزكية خطوتهم العصيانية، من أجل الارتقاء بها إلى انقلاب عسكري مكتمل الأركان، لتسطو بذكاء ماكر على دواليب الدولة وإزاحة الحكومة المنتخبة ديمقراطيا : هذا المعطى أزاح من حساباتهم بكون هذه الجهات تشتغل بمنطق مغرق في المكر، بحيث تنقطع كل الأوصال التي تربطها بالمتمردين، بمجرد فشل المحاولة، فيما تتمكن من ركوب الموجة حين تتأكد من أن المؤامرة قد حققت أهدافها الأولية، لتوزع ما تبقى من أدوار، على أدرع أخرى، قد تكون محلية وإقليمية ودولية، في المجال الإعلامي، والاستخباراتي والسياسي، عبر زخم يتعاظم مع تفاعل مماهي من قبل عامة الناس مع تطور الأحداث... - اعتقدوا أن العملية ستنجح ما داموا يملكون قوة جوية قادرة على دب الرعب في الناس، وقوات عسكرية متنوعة على الأرض، مع اعتماد مبدأ الصدمة والترويع : هذا الطرح بدا من السذاجة بما كان، حين أغفل مدبرو العصيان من حساباتهم دور القوة الناعمة، المتمثلة في تكنولوجيا التواصل، التي باتت وسيلة خطيرة لقلب مسارات الأحداث، فضلا عن دور أجهزة الاستخبارات، الأكثر قدرة ضمن باقي مؤسسات الدولة، على احتكار المعلومة وتدوريها، ومبارزة الخصوم بها وعبرها، بأساليب وأدوات، أغلبها لا يخطر ببال... - اعتقدوا أن شعب تركيا في 2016 لا يقل وهنا وضعفا وسخطا وعشوائية في الرأي، قياسا مع وضعه إبان الانقلابات السابقة، 1960، 1971، أو حتى 1997 : هذا الانطباع أزاح من حسابات هؤلاء المتمردين تفاعل وانفعال الشعب التركي، هذا الشعب الذي لمس حسنات السياسات العمومية الحالية، التي جاء بها حزب للعدالة والتنمية خلال ترأسه للحكومة، منذ منتصف 2002، وراح يقطف ثمارها اليوم، وبالتالي، تشكلت لديه ثقة في حكومة تدافع عن ثوابت دولة، وفق منهج ديمقراطي واضح رغم بعض المؤاخذات، لكنه يراعي حق شعب مسلم في غالبيته، له إرادة عاقلة وناضجة، مؤمن بعلمانية الدولة وبحق الجميع، بما فيها الأقليات بكل فسيفساءها، في الحرية والكرامة، حكومة صادقة، غير سارقة، ولا منبطحة تحت وصاية مخزية، خلافا لبعض الشعوب المتخلفة، التي تجد حكوماتها بارعة في إعطاء دروس في الديمقراطية إلى الغير، في حين تعكس ممارستها السياسية أبشع مظاهر التخبط والانتهازية والانزواء، فهذه الشعوب هي الأكثر قابلية للتعايش بل التأقلم مع الفساد، والظلم والاستبداد، وهكذا، فقد تكونت لدى الشعب التركي مناعة سياسية، ورغبة واستعدادا لا يقاوم للدود عن وضع سياسي، يخدم غاية رفاهيته، بعدما أرسى أسس العدالة الاجتماعية. - إن شعبا داق طعم الديمقراطية، ولمس محاسن حسن اختيار النخبة السياسية، لا يمكن الغدر بإرادته، وإذا كان لدى جماعة كولن أو غيرها، رغبة جامحة ''افترضا''، للنيل من خصومها في العدالة والتنمية ، ولو كان غرضهم حماية العلمانية والديمقراطية في تركيا، فإن السبيل الوحيد والبسيط أمامها، يكمن في خلق جماعات ضغط ولوبيات، قادرة على التأثير في إرادة الناس، لتغيير مواقفها من الحكومة القائمة، وتجسيد ذلك عبر صناديق الاقتراع، السبيل الوحيد لتحقيق تغيير الوجوه والأحزاب في المجتمعات الديمقراطية. كل هذه الهالة وما آلت إليه الوقائع، لا يمكن أن تخفي علينا السيرورة التاريخية لواقع الحال، السياسي والسوسيو اقتصادي التركي، باعتبار ذلك مرتكزا طبيعيا لكل التطورات المحتملة، فكل المتتبعين يدركون أن جماعة كولن جماعة اجتماعية وخدماتية، حديثة النشأة بمعيار عامل الزمن، قياسا مع ما كان يعرف في تركيا خلال بداية القرن الماضي، كجماعة الاتحاد والترقي، وحركة التتريك، والدولة العميقة، وهي مسميات وتحركات لمتنفذين، متطرفين سياسيا، لهم أجندات محلية وأخرى أجنبية تابعة، حركوا عجلة السياسة التركية نحو وجهات متعددة، قسرا وقهرا، وصنعت نخبة التحكم والتسلط، وتركت بصمات كبيرة وغائرة في ذهنية الشعب التركي، وكان النزاع مع الكرد والعداء المستتب للإسلاميين السمة البارزة فيه، بدعوى حماية العلمانية التركية... لكن اليوم، لم يعد انشغال الشعب التركي، بحماية العلمانية الأتاتوركية بهذا المنطق الأرثودوكسي، بل بات منشغلا أكثر فأكثر بحماية الديمقراطية الفتية، ولا يمكن لعاقل أن يصدق بأن الانقلابيين العسكريين، يقدمون على فعلتهم من أجل حماية الديمقراطية، علي أن أكون أهبلا ومخبولا، حتى أصدق قائدا عسكريا، ترعرع تفكيره في براثن التراتبية، المرادف الطبيعي، نفسيا وسلوكيا، لمعنى الاستبداد، كي يلقن المدني أصول الديمقراطية، ويشعره بأن تدخله إنما لتحصين الديمقراطية، هنا يكمن جوهر الإشكال، الذي أسقط المتمردين في خيانة عظمى لشعب، نفذت إلى كيانه قيم الديمقراطية، وراح يتلمس خطاه نحو الديمقراطية الحقيقية. في المحصلة، شاء القدر أن يشكل العصيان العسكري التركي منعطفا تاريخيا في الحياة السياسية في تركيا، وربما إقليميا، لكنه يستبطن الكثير من الشكوك والمخاطر المحدقة : - السيد أردوغان خرج من هذا العصيان والتمرد، الذي روج له انقلابا عسكريا، بمنزلة الزعيم القوي، لكن خروجه مستأسدا، ينطوي على خطر يهدد خروج الديمقراطية التركية الفتية من عنق الزجاجة سالمة، حيث أن قيم الديمقراطية تقتضي عدم الانجرار وراء نشوة الانتصار على خصم، سواء كان خصما حقيقيا أم هلاميا، والنزوع نحو مغامرات انتقامية شخصية، وما يستتبع ذلك من خطوات سعى إلى تخريب حياة أطر وكوادر في المجتمع، عقابا لنواياها، مما قد يجعلها أكثر جنوحا نحو الاحتقان ورد الانتقام، فنحن لسنا أمام متابعة لمئات، بل لعشرات الآلاف، وربما لمئات الآلاف، والأدهى، أننا أمام محاولة للنيل من بنيات اجتماعية واقتصادية متعددة ومتشابكة، وهي خطوات ليست ديمقراطية بأي حال من الأحوال، وما دامت تحاكم النوايا والمواقف. - إن معالجة العصيان أو التمرد، تقتضي بداية الخروج من الحالة النفسية الفردية والجماعية، التي يعيشها الشعب التركي والحكومة التركية، واحترام القانون في معاقبتهم، وإشراك كافة الفاعلين في الحلبة السياسية في تدبير الأزمة، والتحقيق العميق فيما جرى، والتعاطي مع ما قد يجري بمسؤولية وتوازن، إذا كان الغرض من الخطوات الواجب اتخاذها صيانة الديمقراطية فعلا، حتى لا يرقى التفاعل إلى السقوط في براثن تصفية الحسابات، التي باتت طبولها تقرع بقوة وحشد، وكل معاقبة سريعة، خاصة عبر إعادة تفعيل عقوبة الإعدام، لن تكون حلا ديمقراطيا على الإطلاق. - ينبغي أن يدرك سياسيو العدالة والتنمية التركي أن خروج الشعب، تلبية لنداء الرئيس، قد يكون ردا للجميل، وإيمانا بما قدمه الزعيم لخدمة شعبه، لكن قطعا، جاء اصطفاف كل فسيفساء الشعب ضد المحاولة التمردية، دفاعا عن الديمقراطية، وتحصينا لها، من براثن الاستبداد، التي لا تنبث إلا الفساد والصراع، وضياع الناس، فرادى وجماعات. - لا يمكن أن تكون السياسة في تركيا حكرا على العدالة والتنمية، ولا ينبغي لها ذلك، ولا يمكن أن يبقى الحزب قويا مستأسدا على غيره من باقي الأحزاب السياسية، يقتات من وهنها. - ينبغي على النخبة السياسية التركية أن تدرك أن المستهدف الأول من واقعة التمرد والعصيان، أو ما درج على تسميته انقلابا عسكريا، يتمثل في نجاح الشعب التركي، في صناعة نخبة سياسية جديرة بالمسؤولية التي على عاتقها، حيث دبت قيم الديمقراطية في مفاصل الشعب، وجعلته في وضع الاستعداد لحمايتها، لكن على الجميع أن يدرك أن المؤامرت لن تهدأ، بل ستشتد وستستعر، خاصة في ظل حكومة العدالة والتنمية، ورئيس يروم في خطاباته، وربما في توجهاته الاستراتيجية، إلى مساندة الأمة الإسلامية في همومها، وهي خطوط حمراء، وضعت أسسها قبل المد الإمبريالي الغربي على الشعوب المتخلفة، وعقب سقوط الرجل التركي مريضا، لقرن من الزمن، إلى حين اندحاره. - ثمة هندسة دستورية وقانونية ومؤسساتية، قادرة على تحصين الديمقراطية الفتية في تركيا، يكفي وضع أسسها وعوامل نجاحها بذكاء وبعد نظر، لتحقيق المعجزة الديمقراطية، داخل مجتمع، لا زال يمني النفس، للتغلب عن موبقات الوهم والضياع، حيث إقحام الدين الإسلامي الحنيف في تبرير جرائم الظلم والطغيان، ظل طوال التاريخ سلعة رائجة. خلاصة القول : لأن الجهل منبث الظلم والفساد والاستبداد، فإن الشعب المتعلم منبث للديمقراطية، وحين يتذوق الشعب طعم الديمقراطية الحقيقية، يصير من المستحيل خداعه، أو بيعه وهم التغيير عبر الانقلابات والمؤامرات والدسائس ونحوها، لأن التغيير لا يتحقق إلا عبر صناديق الاقتراع، عبر انتخابات شفافة، يخوضها المتنافسون، لينتصر من يقدم الأفضل للشعب، خادما له، لا لغيره...