تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.        مباراة الزمامرة والوداد بدون جماهير    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وادنون: ملاحظات على "فكر" منظر "الثورة" (2)
نشر في صحراء بريس يوم 18 - 03 - 2015

حين كنت أكتب سطور الجزء الأول من هذا المقال لم أكن أتصور أن الانحطاط قد يصل بالبعض ممن نصبوا أنفسهم سيوف الله المسلولة في أرض وادنون لإحقاق الحق وإزهاق الباطل إلى مستوى تجاوز حدود المكتوب وحدود مناقشة الأفكار المثبتة فيه والمرفقة بالاسم والصورة (الگايلة والشمس تحرگ)، بكل جرأة وأمانة علميتين إلى التهجم على شخصي بعد التسلل إلى صفحتي على الفيسبوك أو من خلال كتابة بضع تعليقات على الجزء الأول من المقال بأسماء مستعارة غبية، والانهماك في السب والشتم والتهديد والوعيد، وهو أسلوب يعلمون أنه لا يثني أمثالي عن قول ما يرونه صوابا، وفي الآن نفسه لا يغير من حقيقتهم شيئا كونهم مجرد انتهازيين وجبناء...
ولمساعدة من بذهنه خلل يجعل الأفكار على بساطتها مستعصية على الفهم أشير إلى أن الجانب الشخصي في الشخصية موضوع المقال لا يعنيني، بل إن ما يهمني هو الجانب الموضوعي المرتبط بصفات عدة أصبغتها تلك الشخصية على نفسها، من مثل صفة "الإعلامي" و"الكاتب" و"المحلل السياسي"، أما تاريخه و"جغرافيته" و"تربيته الوطنية" وحالته المدنية فلا تهمني ولا تهم القارئ في شيء، وما أشرت إلى مسألة كونها شخصية مغمورة إلا لأوضح غرابة انبعاثها من الرماد كطائر الفينيق بلا مقدمات لتعلن حربها - اللغوية المهترئة- على الفساد من خلف الشاشات الزرقاء بأرض تقع وراء البحار...
وتأسيسا على ذلك، ومن منطلق محاربة الفساد في شقه الثقافي، ومحاربة أشكال التردي الفكري، والتضليل المتعمد، والانحطاط الأخلاقي المتجسد في مواجهة الكلمة الحرة والمنطق السليم بالسب والشتم من وراء حجاب الأسماء المستعارة التي لا تعبر إلا عن ضعف أصحابها وعدم قدرتهم على المواجهة ، وكيل الاتهامات بنفس المنطق "البوشي" - نسبة إلى الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش- الذي خاطب العالم غداة تفجيرات 11 سبتمبر بالقول: "إما معي أو مع الإرهاب"، أي إما أن يسعى جميع الوادنونيين سعيه، وإما فهم مجرد "أبواق" و"أقلام مأجورة" لرئيس المجلس البلدي عبد الوهاب بلفقيه، والحقيقة أنه إذا كان هذا هو المنطق المتحكم في سلوك جميع معارضيه – أي معارضي بلفقيه- فيشرفني أن يصنفوني في صفه، إذ سأكون حينها متأكد بأني منحاز إلى الفئة الصالحة، أو في أقل القليل، سأكون منحازا إلى الفئة الأقل ضلالا، لكل ذلك فإني أواصل كشف ضحالة "فكر" صاحبنا، وتبيان ضرر أفكاره الضحلة على كل الصالحين من أهل وادنون، سواء كانوا مختلفين مع رئيس المجلس البلدي أو متفقين معه، وله أن يرد كما يرد الرجال، أي "العين ادَّگْ العين" إن استطاع، ولا أخاله يفعل...
وهنا أبدأ من حيث انتهى، أي من آخر مقال له بعنوان: "هل يوم الجمعة جريمة عند البعض من المعارضة" وهو "المقال" الذي يدخل القارئ المسكين في حيص بيص، فيجد نفسه يقرأ ويعيد القراءة، ليس لأنه يريد المزيد من المتعة، بل لأنه يتيه في "امْشَاگَة" تتداخل المصطلحات فيها وتلوى أعناق الجمل والكلمات، ولا يجد علاقة بين العنوان وبين المتن، ولا يستطيع فهم علة تخصيص بعض الأيام لأعياد اليهود أو المسيحيين أو للعمل الإداري أو لبؤس المعطل المغربي أو الغيني، لذلك لا يجد القارئ سبيلا غير التساؤل بصوت مسموع: ما الذي تريد قوله يا سيد محمد؟ فيجيب نفسه قبل أن يكمل السؤال: "مَانَلَّا مَانَكْ گَايَلْ شِي الله يغفر لك"...
وبعد أن خرج هذا "الكاتب" من حالة "البورباج الفكري" التي وجد نفسه فيها، وأدخل معه القارئ إليها، بدأ في الحديث عن الحل الذي يقترحه لمشكلة لم يكتب له التوفيق في طرحها وتوضيحها، ليخبرنا بأنه لا حل لقضية عزوف المغاربة عن السياسة إلا بمحاسبة المفسدين وتخليق السلطة، وهنا يتساءل القارئ البسيط مثلي عن نوعية الإضافة التي جاء بها هذا "المحلل السياسي" فنحن نعلم والدولة تدرك - وبالأرقام- بأن " أن أكثر من نصف الشباب لا يشاركون بالمرة في الانتخابات، 21٪ منهم فقط تعطي ثقة كبيرة للعدالة، و17٪ للصحافة و16٪ للمنظمات غير الحكومية و9٪ للبرلمان و7٪ للجماعات المحلية و 5٪ للأحزاب السياسية" حسب المندوبية السامية للتخطيط.
وبما أنه لم يأت بجديد، وكان خطابه نسخة مشروخة من خطابات السياسويين المغاربة من جميع الاتجاهات –إن كانت هناك اتجاهات- المنادية ببناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، وتخليق الحياة العامة، وتطبيق المفهوم الجديد للسلطة، وتدعيم الديمقراطية النيابية بتفعيل الديمقراطية التشاركية، وغير ذلك من العبارات المنمقة والكلمات المرصوصة...فإني أجدني مضطرا لطرح تساؤل أراه منطقيا: لم ركب صاحبنا هذه الموجة في هذا التوقيت بالضبط؟ لماذا لم تنطلق هذه الحملة "المقدسة" و"العفيفة" و"الشريفة" إلا قبيل أشهر معدودة من الانتخابات؟ ألا تخلق مسألة ظرفية استفاقة هذا "الكاتب" الألمعي تساؤلات وشكوك مشروعة، أم أنه لا يحق للمواطن البسيط أن يتساءل، عملا بمنطق التكفيريين "لا تناقش ولا تجادل وإلا فأنت كافر"، والكافر هنا سيكون إما مجرد "بوق" أو "قلم مأجور"، وإن كان الأمر كذلك فلكل الوادنونيين الشرف كله إن كفروا بهذا "الدين الجديد"...
ويستطرد "الإعلامي" في كلامه بشكل جعلني أستحضر صورة عنصر شرطة في فيلم هندي كلفه الضابط المشرف بتنظيم سوق شعبي صغير، فحمل عصاه، وبحكم السلطة الممنوحة له بدأ في ضرب الباعة والزبناء وقلب عربات الخضر وإطلاق سراح الديكة والأرانب، محدثا ضجة وصراخا وعويلا...وكذلك فعل صاحبنا، فلم يسلم من عصاه الإسفنجية أحد من مستشاري الملك ولا المشرع المغربي ولا خالد اعليوة ولا عبد الحنين بنعلو ولا محمد صالح التامك ولا بوشعيب الرميل ولا بنكيران ولا ادريس البصري، ولا الشرقي الضريس ومعه وزارة الداخلية بأكملها...
ووزارة الداخلية عنده هي أم البلايا ومصيبة المصائب، وهي السبب المباشر - إلى جانب المؤسسة العسكرية الجزائرية- في ما تعرفه العلاقات المغربية-الجزائرية من أزمات، فقد ردد هذا الكلام مرتين أو أكثر أمام محاوره الجزائري في أحد البرامج التافهة التي تبثها قناة الحوار، فإن فهم مشاهدو القناة بأن المؤسسة العسكرية تستبد بالحكم في الشقيقة الجزائر، ألا يجعلهم ذلك – بالقياس- يفهمون أن الداخلية تستحوذ على السلطة في المغرب؟ ألا يمس ذلك بالمؤسسة الملكية؟ تلك المؤسسة التي يحاول "الكاتب" المحترم التقرب منها باستبعادها عن كل نقيصة، لكن فقط من خلال إلغاء وجودها في الحياة السياسية بالمغرب كما لو كانت ملكية إسمية فحسب يسود فيها الملك ولا يحكم، وذلك أمر غير متحقق في حالة المغرب.
وأصر هذا "المحلل" في نفس البرنامج على عدم الحديث عن الحسن الثاني بحجة أنه قد توفي، متناسيا أن الحسن الثاني شخصية تاريخية لن يتوقف الحديث عنها أو البحث فيها لمجرد أنه يريد تأدية دور المحب الغاضب الذي اضطر محاوره إلى أن يربت على كتفه عدة مرات لتهدئة "غضبه" الهادئ، بل ووصل به "الاحترام" للمؤسسة الملكية – في أحد الأيام- إلى قراءة برقية مرفوعة إلى الملك مباشرة من هاتفه الشخصي كما لو أنه يقرأ "ميساجا" وصله من زميل مقهى ضاربا أبسط أبجديات اللياقة عرض الحائط، بل إنه – في لحظة حماس- في ختام المقال السالف الذكر "ادَّاهْ الجَّهْدْ" ونسي ما حدده لنفسه قبلا من كون الملك خط أحمر لا يمكنه تجاوزه ولا الوصول إليه فقال:" لقد خدع الشعب المغربي بإزاحة ادريس البصري، لم يكن قرار من أجل الإصلاح، ولم يكن قرار من أجل تغيير سياسة وزارة الداخلية، وإنما قرار من أجل تجسيد الفساد..."، ولا يخفى على أحد أن الراحل ادريس البصري تمت إقالته من طرف الملك محمد السادس... ولا يختلف عاقلان في أن تنحية هذا الرجل كانت ضرورية لتجسيد المفهوم الجديد للسلطة، ويذهب الكثير من الملاحظين إلى أن الانتكاسات التي تظهر حاليا هنا وهناك لما سمي ب "الانتقال الديمقراطي" تعود في أحيان كثيرة إلى استمرار وجود مجموعة من المسؤولين المنتمين إلى المدرسة "البصرية" على رأس عدة إدارات، فكيف استطاع هذا "المحلل السياسي" و"الإعلامي" أن يعتبر إزاحة البصري مجرد أنموذج دال على خداع الشعب المغربي، وتبعا لمنطوق كلامه وفحواه، فإن هذه الخدعة هي من أعلى هرم السلطة في المغرب.
ولأنه "مثقف" متواضع فقد نشر على صفحته في الفيسبوك "مداخلته" في "ندوة" نظمتها "المعارضة" ببلجيكا تحت عنوان" جزء من ندوتي في لقاء التنسيقية الصحراوية بأوروبا بمدينة كورتريخك البلجيكية"، وفي "ندوته" تلك أخبر مستمعيه الأفاضل وهو يمهد لإلقاء ما أسماه ب"المحاضرة" بأن"الصحراويين أكثر مغاربة – يقصد أكثر وطنية- من أي مغربي مهما علا شأنه...لأن الصحراويون هم الوحيدون الذين حملوا السلاح ضد أبناء عمومتهم من أجل الوطن الواحد..."، لا تتفاجئوا يا سادة، ولكم أن تصدقوا أعينكم، فالمحلل السياسي يتحدث باسم كل الصحراويين - بلا استثناء-، ويرتكب جريمة باسمهم جميعا حينما يقول بأن أهل الصحراء يتجاوزون الملك (الأعلى شأنا في المغرب) في الوطنية...
وردا على من يلعبون على حبل العنصرية (فهو ليس منهم)، فقد اختار أن يوضح المقصود بمصطلح "صحراوي"، وهنا سيركب حصان اللغة ليقول أن"الصحراوي – في الغالب يقصد هنا المجتمع الصحراوي- هو نسيج يمتد تقريبا من سيدي إفني إلى الداخلة يجمع بين سكان أمازيغ وسكان عرب، نسيج هو الذي نرى فيه تلك اللوحة الصحراوية الرائعة التي نفتخر بها، نفتخر الأمازيغ ونفتخر بالعرب، وتعايشوا منذ الأزل..."، وبتجاوز كل الحيثيات التي من شأنها التشويش على هذا التحديد الجغرافي لمكان استقرار "الصحراويين"، وعدم التعليق على كلمة "تقريبا" التي أوردها في تعريفه، وحتى إن أعلنا القبول بهذا التحديد الذي اجتهد في وضعه لغاية في نفسه لا تخرج عن خشيته من إخراج سيدي إفني من منطقة الصحراء وما قد يترتب عن ذلك من تأويلات، فإن مشكلة أخرى تعترض المستمع لهذا "المحاضر" وهي قوله بأن الأمازيغ والعرب تعايشوا في هذه المنطقة منذ الأزل، والواقع أن بني حسان الذين هم جزء من بني المعقل لم يصلوا إلى وادنون إلى حدود منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، ومعلوم أن بني المعقل لم تدخل إلى صحراء تافيلالت إلا في القرن الحادي عشر قادمة من المشرق العربي ضمن قبائل بني هلال، فكيف يجرأ صاحبنا على القول بمسألة "التعايش منذ الأزل"، وأعلم أنه في هذه النقطة - بالضبط- سيطيب للبعض اعتباري مجرد مقتنص لأخطاء الرجل، وسيكون الأمر كذلك فعلا لو أنه لا يستخدم صفة "الكاتب"، لكن وبما أنه يفعل، فهو يتحمل المسؤولية على كل هنة أو خطأ أو تقصير، فلسنا في "اجْمَاعَةْ اعْزَايَزْ" نتكلم كما اتفق، ونعمم متى شئنا ونخصص حين نريد ونحدد التواريخ جزافا...
ولأنه لا يصح إلا الصحيح وحده، وباعتبار أن الرجل كلما زاد لغطه زاد غلطه، فما كان منه مبتعدا بات منه مدانيا، إذ في معرض حديثه عما يعرفه كليميم والجهة ككل ومختلف مدن المغرب من استشراء للفساد – حسب زعمه- المدعوم من لوبيات مجهولة، أبى إلا أن يسجل استغرابه من اهتمام السلطات المركزية الكبير بسقوط عمارة "أركون" بالدار البيضاء وتجاهلها لفيضانات اكليميم ونواحيه، والمعنى الواضح الذي لا مواربة فيه هو أنه يؤاخذ الملك على عدم زيارته لوادنون إبان الفيضانات، نعم يا سادة لقد انتقل صاحبنا من محاولاته الباهتة لإبعاد بالمؤسسة الملكية عن مرمى نيرانه "اللغوية المهترئة" لكنه لم يستطع أن يواري الحقيقة أكثر فكان منه ما كان...
ولا تنحصر تناقضاته في هذه النقطة فقط، فبعد أن سمعناه مرات عديدة يردد عبارة "من خيرة ولاة المغرب" و"من خيرة محافظي المغرب" في حديثه عن الوالي المخلوع محمد عالي العظمي واصفا إياه بأنه رجل الفعل والعمل والنزاهة، وبأنه حصد حب الساكنة (هكذا بإطلاقية) وهلم جرا مما أسعفته محفظته اللغوية في ذكره، وجدناه يصرح في "ندوته" متحدثا عن مؤسسة الولاية في تعاملها مع الفيضانات التي عرفها إقليم اكليميم: " كانت الإمكانيات (التي وفرتها الولاية) ضعيفة جدا، كانت الإستراتيجية غائبة للتعامل مع الفيضانات..."، أي أن ولاية الجهة وعمالة الإقليم لم توفر اللوجستيك اللازم لتجاوز الكارثة بأقل قدر من الخسائر، فلم توفر طائرات مروحية للإنقاذ ولا سيارات إسعاف كافية ولا حراسة أمنية قرب القناطر - المترامية على هذا الإسم- لمنع السائقين المتهورين وسيئي التقدير من المغامرة بأرواحهم وأرواح من معهم من الركاب...وأتفق معه في هذا جملة وتفصيلا، فقد كنت أيضا شاهد عيان في ليلة وادي تالمعدرت، وأتفق معه كلية في غياب أية استراتيجية - حينئذ- للتعامل مع الفيضانات عند ولاية الجهة...
لكني وإن اتفقت معه في المقدمات إلا أني أختلف معه في النتائج التي توصل إليها حينما قال: "كانت المحاسبة (يقصد على ذلك الإهمال البَيِّنْ) يجب أن تكون بشكل مباشر، في انتظارنا للمحاسبة تلقينا قرارا ظالما وغاشما ومهينا...بتنقيل الوالي العظمي الذي وقف وقفة رجل ضد الفساد وضد المفسدين..."، نعم أختلف معه في النتيجة التي وصل إليها، ولا يمكن لأي منصت يحترم المنطق إلا أن يختلف معه، فما قاله عن عدم تسخير الولاية للإمكانيات اللازمة لتفادي الكارثة التي أودت بما يقارب الأربعين ضحية يجب أن تتجاوز عقوبته الإعفاء أو الإقالة أو التنقيل للمسؤول الأول بالجهة، أما إعفاؤه من أية مسؤولية ومدحه بما لم تأتي به الأوائل فهو مؤشر على خلل فكري كبير، و"تسونامي" فكري لن ينتج غير "أفكار" سقيمة تضمن تأبيد التخلف والإنبطاح للأفراد وتقديسهم وتفاقم فقدان الثقة في المؤسسات... وباعتبار أن الأمور بخواتمها، فقد ختم صاحبنا مداخلته "القيمة" بتهديد واضح وجلي للحكومة والملك حينما قال بالحرف: "التحكيم الملكي هو مرادنا، لا نريد تحكيما دوليا إلى حد الساعة، لكن إذا ما فرض علينا فإنه قدر الله وما شاء فعل..."، ولا يخفى على أي يقظ ما في هذا الكلام من ابتزاز يزكم الأنوف، فصاحبنا يطالب بتحكيم ملكي، ويؤكد ضمنيا بأنه إلم يفعل فإنه، ومن معه سيلعبون بورقة "التحكيم الدولي"، وذلك أسلوب منبوذ ومرفوض...
وبالرجوع إلى قوله: " لا نريد تحكيما دوليا إلى حد الساعة" نتوقف عند صفة أخرى يضيفها صاحبنا إلى رصيده، وهي الكذب البين على أهل وادنون وغيرهم، فقد تم التلويح بهذه الورقة قبل هذه "الندوة"، ونشر موقع بديل قصاصة عن الموضوع تذكره فيها بالاسم، وهي القصاصة التي نشرها على حائطه الفيسبوكي قبل أيام من تصريحه المستبعد للتحكيم الدولي.
كان هذا رصد بسيط لغيض من فيض التناقضات الصارخة والمواقف المتضاربة، والأفكار المُشَوَّشة والمُشَوِّشة ل "الكاتب" و"المحلل السياسي" و"الإعلامي" و"المحاضر" محمد الفنيش الذراع الفكري والإعلامي ل"الثورة الشعبية" في وادنون، وهي الأفكار التي إن بني عليها - لا قدر الله- أي مشروع مجتمعي لتهدم فوق رؤوس البسطاء والكادحين...وعلى سبيل الختم أشير إلى أنه لا يمكن لأي عاقل أن يكون ضد أي فعل ثوري، لكن من اللازم أن يكون فعلا يستند على أسس علمية تقدم تحليلا علميا للواقع، وتقترح حلولا علمية بعيدا عن الأفعال التي تنتصر للهدم وتحمل شعارات من مثل "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهي شعارات أثبتت التجارب العربية الراهنة خطرها على البلاد والعباد، لأنها لا تحقق غير مصالح الإنتهازيين...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.