بعد دخول المنطقة العربية منعطفا سياسيا خطيرا في ما بات يعرف "بالربيع العربي" ، سارع المغرب في إجراء إصلاحات سياسية و دستورية عميقة ، بداً بوضع أول دستور في عهد الملك محمد السادس ، و تنظيم إنتخابات سابقة لأوانها تصدرها حزب العدالة و التنمية ، لينتقل هذا الإخير من صف المعارضة إلى ممارسة السلطة كأول تجربة سياسية له. إن تحقيق التغير في أي نظام سياسي ، لا يأتي إلا عن طريق رفع العديد من المطالب من جانب الرأي العام ، لكي تتحول إلى مخرجات ينتجها ذاك النظام لتلبي حاجات المجتمع ... و لعل أهم الشعارات التي حملها الشارع المغربي كانت "محاربة الفساد و الإستبداد " و" إحترام حقوق الإنسان " و الحق في العيش الكريم .. فهل لقيت هذه المطالب التي تم التنصيص عليها نظريا في دستور 29 يوليوز 2013 طريقا نحو التفعيل أم لا ؟ ! في بداية ممارسة الحكومة لمهامه ، كان المجتمع المغربي يعقد كل أمله في أن تتطور حال البلاد إلى غد أفضل ، خاصة و أن التغير مر هادئ على عكس بعض بلدان الربيع العربي ، التي لازالت تعاني من تحديات الانتقال الديمقراطي . ومن عجيب المفارقات التي رافقت تدبير الحكومة للعديد من الملفات و عجزها عن حلها ، أنها تستخدم تبريرات مبنية على أساس وجود " لوبيات " تشوش على عملها و تحول دون تحقيق الإصلاح ، فهذا الأسلوب الذي يرتكز على نظرية " المؤامرة " ، نفسه كانت تتبعه الأنظمة العربية المستبدة قبل قيام الإنتفاضات الشعبية ، لتبرير اخفاقها في الالتحاق بنادي الديمقراطية و احترام حقوق الانسان ، مستغلة لشرعنة نظريتها تنامي التدخلات الأجنبية في الوطن العربي ... إن مسلسل الإصلاح لابد و أن تواجهه تحديات متعددة ، لكن أن يتم تعليل الفشل في تجاوزها إلى و جود أيادي خفية أو بحجة " الإرث الثقيل القديم " الذي تركته الحكومات السابقة ، هو أمر مبالغ فيه ، خاصة أن هذه الأخيرة –الحكومات – لم تتوفرعلى صلاحيات دستورية واسعة في ظل دستور 1996 ، تسمح لها بالقيام بمهامها على أحسن وجه. و لم يتردد رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران في العديد من اللحظات ، بقوله أن حكومته جاءت بطريقة ديمقراطية ، إلا أنه نسي أو تناسى كون الشرعية في الفكر الدستوري ، تضمحل في حالة قيام الشعب بسحب ثقته التي منحها عن طريق الإنتخاب . من بين الإختلالات التي عرفها المشهد السياسي المغربي ، هو غياب التنسيق الفعال و الانسجام بين الأحزاب السياسية المكونة لتحالف الحكومي ، حيث لكل من هذه التنظيمات برامجها الخاصة و تصوراتها تروم تحقيقها في أرض الواقع ، مما يستلزم قيام هذا تعزيز الحوار البناء و تدبير الإختلاف بين الفرقاء ، بدون إتباع سياسة التهميش و الإستبعاد التي لا تتأتى و روح الديمقراطية. رغم قيام حركة 20 فبراير برفع شعار محاربة الإستبداد ، إلا أن حزب العدالة و التنمية الذي يرأس الحكومة لم يعكس في ممارساته مما يؤشر على إرادة سياسية تنحو إلى تجسيد الديمقراطية . حيث لم يتفاعل بشكل واقعي مع حجم التنقاضات المكونة للتحالف الحكومي ، خاصة مع حزب الإستقلال ، مما يطرح التساؤل : كيف لحزب العدالة و التنمية أن يتقبل أصوات المعارضة البرلمانية و هو في نفس الوقت لم يستجب لمطالب حليفه " شباط " أو يتقبل إنتقاذاته بخصوص العمل الحكومي ؟ و ما يثير الإنتباه أن العدالة و التنمية يعتبر نفسه رمزا للإستقرار في المغرب ، مستغلا بذالك الظروف التي تعيشها باقي بلدان الربيع العربي التي أفرزتها مرحلة الانتقال الديمقراطي ، رافعا فزاعة خطر اللانظام و الفوضى التي قد تهدد المغرب في حالة عدم مسايرة كل تصورات و تناقضات الحزب . متجاهلا كون الحراك المجتمعي الذي عرفه المغرب له خصوصيته بحكم نظامه الملكي ، و تراكم العديد من الإصلاحات السياسية خلال العقد الأخير خاصة بعد تشكيل هيئة الإنصاف و المصالحة ، مما سيكون على حكومة عبد الاله بنكيران سوى إتمام ما بقي من إصلاحات جاء بها الدستور الجديد و تفعيل مقتضياته .. و في غياب روح المسؤولية للحكومة ، تشهد الأوضاع الاجتماعية و الإقتصادية و الحقوقية تدهورا متزايدا بسبب رفع الأسعار في العديد من المواد كالمحروقات و المواد الغذائية و تفشي البطالة ... بسبب نهج سياسة التقشف ، علاوة على تزايد التضييق على الحريات العامة كحرية الصحافة مما قد يعمق من الأزمة ويجر البلاد نحو المجهول . أما في ما يخص حقوق الإنسان في الصحراء فهي لازالت رهينة المقاربة الأمنية المتجاوزة ، و كأن المغرب لم يستخلص بعد الدروس و العبر من أزمة المقترح الأمريكي بخصوص "بعثة المينورسو " ، إضافة إلى التغير الحاصل في وزارة الخارجية الأمريكية الذي له تداعيات على قضية الصحراء . في حين تفاجئ الجميع من النسخة الحكومية الجديدة ، التي لم تسلم من العديد من الإنتقاذات سواء في ما يتعلق الامر بحجم التنازلات التي قدمها رئيس الحكومة لصالح حزب الأحرار ، الذي كان بالأمس غير مرغوب فيه ، أو بالعدد الهائل للوزراء الذي يكلف ميزانية الدولة ، مما يؤكد أن الإختلاف بين شباط و إبن كيران كان صراع شخصيا بسب الخلط بين الصفة الحزبية و رئاسة الحكومة . إن المسؤولية كل و لا تتجزأ ، و لا يكفي لتنصل منها بمجرد ترديد خطابات شعبوية ، و تبرير الإخفاق الحكومي بالظرفية الخارجية المتمثلة في الأزمة العالمية ، أو أنه لا يمكن تقيم العمل الحكومي في ظرف سنة أو سنتين ، و ان كان هذا صحيح هل تعتزم الحكومة في نسختها الثانية إجراء الإصلاحات و تفعيلها في ظرف ما تبقى لولايتها أليست المدة قصيرة كذلك !! أي أن مسلسل الإصلاح لن يكون و الدستور لن يفعل ...