مع اقتراب لحظة الحسم الانتخابي ليوم السابع من أكتوبر 2016، تزداد التكهنات، وتتعدد القراءات والتأويلات؛ بشأن الجهة التي سيصوت لها الناخبون والناخبات المغاربة، وما محددات السلوك الانتخابي، والفعل التصويتي، داخل معازل مكاتب الاقتراع؟ من هنا، فالسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: لمن سيصوت الناخبون والناخبات المغاربة : – للأحزاب السياسية؟ – لوكلاء القوائم بصفتهم الشخصية ؟ – لبرامج الأحزاب الأكثر نجاعة وإقناعا ؟ في الحقيقة يصعب الجزم والحسم في هذا الأمر، لا سيما ونحن لا نملك معطيات كمية مبنية على أرقام واستبيانات ميدانية في ظل منع وزارة الداخلية لاستطلاعات الرأي... لكن هذا الأمر، لن يمنعنا من إنجاز قراءات افتراضية محتملة بشأن مآلات التصويت، ونتائجه يوم الاقتراع . الأكيد أن الكتلة الناخبة التي ستذهب لمكاتب التصويت في اليوم السابع من أكتوبر، ستتوزع بخصوص محددات الاختيار؛ المحتمل تحكمها في السلوك الانتخابي، بين ثلاث فئات كبرى؛ كما أشرنا في تساؤلنا أعلاه، فئة ستصوت للأشخاص تحديدا، بغض النظر عن اللون الحزبي، والبرنامج السياسي، وفئة ثانية ستصوت لحزب معين مختار من قبلها مسبقا، وفئة ثالثة ستصوت على البرنامج السياسي؛ الذي تتنافس الأحزاب على إبرازه خلال الحملة الانتخابية التي انطلقت على الساعة الثانية عشر من ليلة الجمعة السبت 23/ 24 شتنبر الجاري . توجه كل سلوك انتخابي معطيات ثقافية واجتماعية ونفسية، بشكل أساسي، حيث إن نسبة الوعي والتعليم والثقافة والدخل الفردي، تساهم كلها بلا شك، في انتساب الناخب/ الناخبة، لإحدى الفئات المذكورة على حساب أخرى... فهل يمكن الجزم بأن الصفة الغالبة على التصويت في البوادي والقرى، ستكون هي الميل للبرامج الحزبية، أو الانتماء الحزبي؟ وهل بمقدورنا تأويل تصويت الناخبين والناخبات في الحواضر والمدن بأنه انتصار للأفراد فقط؟ لاجدال في أن للأحزاب السياسية المغربية، حضورا قويا، في الحواضر أكثر من البوادي، لماذا؟ لأن المؤسسة الحزبية، حاضرة لدى الناخبين في المدن، ويتوفرون بشأنها، على رصيد من التمثلات التي تؤهلهم للاختيار يوم الاقتراع...إضافة إلى انتشار التعلم والثقافة والإعلام والإشعاع الثقافي؛ مما ييسر عملية الانتقاء والنقد والمقارنة... وبناء عليه، يمكننا أن نقول، إن الناخبين في العالم القروي، حيث لازالت الأمية والفقر، سيكونون أكثر ميلا نحو التصويت على أفراد بعينهم، باعتبار انتمائهم القبلي أو الأسري، أو بتأثير من الأعيان...أو بعض المنتخبين القرويين... أما الناخبون في المدن الكبرى فهم نوعان، نوع له انتماء حزبي، أو تعاطف مع أحد الأحزاب، ونوع آخر سيقرر في الجهة التي سيصوت لها، بعد الإنصات للبرامج الحزبية، وحصول الاقتناع لديه، بالنظر إلى المستوى الحجاجي للمرشحين/ المرشحات...وما سيقدمونه من مشاريع وخطط للتغيير.. دون أن ننسى فئة أخرى مؤلفة من الموظفين، وهي نخبة لا يمكن الاستهانة بها، عادة ما يرتهن سلوكها الانتخابي بردات الفعل ضد الأحزاب المشكلة للحكومة السابقة، والمشاركة في تدبير الشأن العام، في حال إحساسها بالظلم والغبن جراء سياسات حكومية متقشفة، فإنها غالبا ما تعاقب الأحزاب التي كانت في الحكم...نذكر هنا حالة التذمر الكبيرة من إصلاحات صندوق التقاعد التي تمت على حساب الاقتطاعات من أجور الموظفين....وتهرب الحكومة من الزيادة في أجور الموظفين في ظل الغلاء الفاحش للأسعار والمعيشة عامة. وعلى الرغم من ارتفاع نسبة المصوتين في العالم الحضري 55%، مقارنة مع العالم القروي 45%، فإنني أرجح أن تكون للعامل الشخصي، الغلبة في اختيارات الناخب والناخبة يوم السابع من أكتوبر 2016، وذلك عائد للأسباب المشار إليها أعلاه، إضافة إلى سيادة ملل واستياء كبيرين لدى الناخبين؛ بسبب تشابه البرامج الانتخابية؛ في التمثلات العامة، ناهيك عن الشعور السائد بعجز الأحزاب السياسية عن الوفاء بالتزاماتها ووعودها التي تصبح مثل السراب بعد مباشرة شؤون الحكم... فلا غرابة أن تتضارب اختيارات الناخبين والناخبات يوم الاقتراع مع اقتناعاتهم الفكرية والثقافية، فيمكن للإسلامي أن يصوت لفائدة اليساري، كما أن اليميني قد يصوت للاشتراكي، لماذا؟ لأن الصوت يذهب للأشخاص والأفراد وليس للأحزاب وخطاباتها وبرامجها ومشاريعها... وبناء عليه، وفي ظل غياب معطيات كمية، وقاعدة بيانات محوسبة، حول أعداد المنخرطين داخل الأحزاب السياسية، ونسبة المتعاطفين الذين يمكنهم التصويت لهذا الحزب أو لغيره، يمكننا القول إن نوايا التصويت، لن تكون خاضعة لأي قاعدة أو منطق، بل سيحكمها في المحصلة مزاج الناخبين، وشعورهم لحظة الخلوة بمعزل التصويت...كما أن هناك هامشا واسعا لنسبة هامة من الناخبين المترددين الذين قد يحسموا موقفهم في آخر لحظة...دون أن نغفل المتحولين من المصوتين إلى المقاطعين للانتخابات، والعكس صحيح تماما... ختاما ودون ممارسة أي توجيه سياسي للناخبين والناخبات، على اعتبار أن التصويت على هذا المرشح أو ذاك، أو على هذا الحزب أو ذاك، أو على هذا البرنامج أو ذاك، هو اقتناع وحق من حقوق الإنسان، يجب أن يمارسه بكل حرية. أدعو عند التفكير في الجهة التي يمكن التصويت لها يوم الاقتراع، للجمع بين العوامل الثلاث...أقصد استحضار الشخص المرشح/ المرشحة، الحزب الذي ينتمي إليه المرشح/ المرشحة، ثم البرنامج الانتخابي الذي يقدمه ... بالنسبة للشخص المرشح/ المرشحة، فإضافة لشروط المروءة وحسن الخلق، يجب أن يتمتع بكفاءة وخبرة مشهود له بها، وهنا أشير إلى أنني لا أنظر شخصيا بعين الرضا للمرشحين والمرشحات؛ الذين يتم إنزالهم في آخر لحظة على الناخبين والناخبات، أو المتحولين حزبيا بعدما تمت إزاحتهم من رأس لائحة أحزابهم الأصلية، المرشحون والمرشحات، يجب في رأيي، أن يكونوا معلومين لدى الناخبين في دائرة الترشيح... وهذا لا يكفي، فيجب أن يكون المرشحون والمرشحات، منتمين لحزب ذي مصداقية سياسية وتاريخ مشرف، ووقع تجريبه في تدبير الشأن العام، سواء المحلي أو الجهوي أو الوطني...وليس لأحزاب مؤسسة بين عشية وضحاها بغرض المشاركة في الانتخابات لحصد المقاعد فقط... أما بشأن البرامج الانتخابية للأحزاب فيجب أن تخلو من لغة الخشب، وخطابات الوعود البراقة غير الواقعية، وأن لا تميل للعموميات والتنظيرات الفضفاضة، وأن تكون ملمة باللحظة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، سواء في الداخل أم في الخارج... كما يجدر بالبرامج الانتخابية أن تقدم إجراءات لتفعيل الخطط الاقتصادية والتنموية على المدى القصير (100 يوم الأولى من الولاية)، وأخرى متوسطة وبعيدة المدى... لكن هل تتوفر أحزابنا المغربية على أطر كفأة وكافية تملك كفايات تواصلية، ومهارات خطابية، إضافة للخبرة الاقتصادية، من أجل الإقناع والحجاج؟ هل يمكن أن تغيير عقلية كثير من المواطنين والمواطنات الذين يتشبثون بصورة الشخص لاعتبارات قبلية وعائلية أو حزبية خلال التصويت؟ لا أظن أن هذا الأمر ممكن، وقريب الحدوث، لاسيما والأحزاب لاتزال لا تقوى على تأطير الفئات العريضة من المجتمع؛ ماعدا كتلة معدودة من أنصارها والموالين لها، كما أن منظمات المجتمع المدني وجمعياته، لا تزال بعيدة عن القيام بما يتعين عليها؛ من أجل توعية الناخبين والناخبات، لاسيما في العالم القروي وفي البوادي، بواجباتهم وحقوقهم، وكيفية اختيار المرشحين والمرشحات، والتمييز بين الخطابات الدعائية الصائبة والمغالطة...سيصوت المغاربة على صورة الشخص/ الحزب/ البرنامج، التي ستعلق بأذهانهم في آخر لحظة...وسيكون الفوز من نصيب الأقدر على ممارسة التأثير سواء عبر مرشحين مختارين بعناية ودقة بعيدا عن أصحاب الشكارة، أو عبر مؤسسات حزبية صادقة وذات مصداقية، أو من خلال برامج دقيقة وكمية وعملية؛ تجيب على انتظارات المواطنين والمواطنات الأكثر آنية.... بقلم : د/ محمد بنلحسن أستاذ التعليم العالي مؤهل