يلقى التعليم اهتماما بالغا لدى جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، إضافة إلى الفاعلين التربويين، لما يلعبه من دور كبير في التنمية، وقد مر النظام التعليمي المغربي بمراحل مفصلية منذ الحماية، مما جعله يخضع لإصلاحات متوالية آخرها ما أطلق عليه "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" والذي تمخض عنه البرنامج الاستعجالي والذي تعرض لانتكاسة كبيرة، حيث أنه عجز عن وقف النزيف الذي يعاني منه التعليم لأسباب ليس هذا مجال حصرها. وقد جاء الخطاب الملكي الأخير لدق ناقوس الخطر بشكل جدي، ودعا إلى التفكير في حل جذري لهذا المرفق الحيوي. والجدير بالذكر أن النظام التعليمي في المغرب عرف ازدواجية تتمثل في التعليمين العمومي والخصوصي، وهي ازدواجية ظاهرية فحسب، اما في العمق فالمكونان لا يختلفان عن بعضهما الا كما نجد بعض الاختلافات داخل مكون التعليم العمومي نفسه، وقد انقسم الناس حول هذه "الازدواجية " ما بين مؤيد ومعارض، كل فريق ينطلق من معطيات ويبني موقفه على حجج، ولتسليط الضوء على التعليم الخصوصي ورهاناته تستضيف "الجنوبية للإعلام" الأستاذ الحسن دانكو فاعل جمعوي في الميدان، ومدير تربوي بإحدى المؤسسات الخصوصية بنيابة شتوكة ايت باها – أكاديمية سوس ماسة درعة - التحق بالتعليم الخصوصي منذ 1997. الجنوبية للإعلام: مرحبا بالأستاذ على صفحات جريدة "الجنوبية للإعلام" ، بداية هل لكم أن تعطونا نبذة عن التعليم الخصوصي بالمغرب عموما وبجهة سوس ماسة درعة خصوصا؟ الحسن دانكو: بداية شكرا لكم على الاستضافة على صفحات جريدتكم الغراء، وشكرا لكم كذلك على اهتمامكم بالتعليم الخصوصي، و قبل أن أجيب على سؤالكم أنبه الى أمور أعتبرها مبدئية ولا بد من الوقوف عندها و ذلك لإزالة اللبس الذي قد يعتري نظرتنا الى التعليم الخصوصي ومن جملة الملاحظات ما يلي: التعليم الخصوصي والتعليم العمومي صنوان وشقيقان لا ضرتان، فالأول هو الشقيق الأصغر للثاني، وفضل الثاني على الأول لا ينكره إلا جاحد وناكر جميل، ونحن في التعليم الخصوصي نقر ونعترف ان فضل التعليم العمومي علينا كبير، فنحن من خريجيه، ولا زال التعليم الخصوصي يستفيد من شقيقه الاكبر في كل المجالات، ولذا لا مجال ابدا للحديث عن من منهما الافضل، لأنه سؤال ملغوم لا يجب أن نطرحه ولا معنى له اذا نحن آمنا بالمدرسة المغربية الموحدة. تسمية التعليم الخصوصي جاءت على وزن التعليم العمومي، لتفادي ايحاءات التسميات الأخرى الرائجة ومنها التعليم الخاص والتعليم الحر، علما أن الاسم الأول لهذا النوع هو التعليم الحر في بداية ظهور مدارسه في المغرب للرد على المدارس الاستعمارية التي أنشأها المستعمر. التعليم الخصوصي لا يختلف عن التعليم العمومي في مناهجه ومقرراته وبرامجه اختلافا كبيرا، فهذا الأمر أعطاه البعض هالة لا يستحقها فالمقررات الدراسية التي تعتمدها الوزارة الوصية هي نفسها، والقانون واضح في هذه النقطة، والاختلاف الذي يمكن أن يكون هو في مناهج اللغات التي خصص لها حيز أكبر في التعليم الخصوصي، مما استلزم اعتماد مقررات موازية وداعمة لهذه اللغات (اللغة الفرنسية نموذجا). وبخصوص سؤالكم عن تاريخ التعليم الخصوصي بالمغرب، فالكل يعلم أن التعليم الحر كما كان يسمى آنذاك أسسه رجال وطنيون منذ ظهور المدارس الاستعمارية بعد الحماية، وجاء هذا التأسيس دفاعا عن الهوية الوطنية، وكانت تعتمد اللغة العربية والتربية الاسلامية ضمن مناهجها بخلاف المدرس الفرنسية، و بعد الاستقلال عرفت المؤسسات الخصوصية تراجعا طفيفا بعد اعتماد المبادئ الاربعة المعروفة، ولكن بسبب اكراهات كثيرة لم يستطع التعليم العمومي وحده ان يساير الوتيرة السريعة التي عرفها المغرب على كافة الاصعدة، فكان الرجوع الى التعليم الخصوصي مساعدا لبعض الفئات التي لم تقنع بعطاء التعليم العمومي، مما شجع الاستثمار في هذا الميدان، ووضع قانون منظم له في شقيه الأولي أو المدرسي (قانون 05/00 و 06/00). وجهة سوس ماسة درعة بدورها لم تخرج عن هذه القاعدة حيث عرفت أول مؤسسة تعليمية خصوصية بأكادير منذ الستينيات ولا زالت تعمل في الميدان الى يومنا هذا، وامتدت المدارس لتشمل جميع النيابات بالجهة، والأرقام المتوفرة الآن تشير الى أن عدد المؤسسات الخصوصية بالجهة تجاوز 140 مؤسسة للتعليم الابتدائي فما فوق. الجنوبية للإعلام: من المؤاخذات التي على يؤاخذها البعض على التعليم الخصوصي غلبة المستثمر على التربوي؟ الحسن دانكو : شكرا على السؤال الوجيه، صحيح أن المستثمر حين يلج أي ميدان فانه يبحث عن الربح وليس الخسارة، هذا بشكل عام ولا نتصور العكس أبدا، لكن الاختلاف يكمن في أن التعليم ليس مجالا للاستثمار فقط بل هو مجال للتربية والتكوين وإعداد جيل الغد، ولذا يجب توخي الحذر حتى لا يطغى الجانب المادي على الجانب التربوي، والحمد لله أصبح هذا الأمر يتوارى يوما بعد يوم لأن رواد التعليم الخصوصي أصبحوا اكثر وعيا وأكثر حرصا على الجودة من أي شيء آخر، كما أن تشجيع الدولة للاستثمار في هذا الميدان جعله لا يقتصر على المستثمرين، "أصحاب الشكارة " كما يطلق عليهم، بل دخله أهل الميدان ونجحوا فيه، والمسؤولية تقع على عاتق الأسرة حتى لا تسقط في فخ "للاجودة"، ولا ننسى مراقبة المصالح المختصة بالوزارة و الأكاديمية والنيابة التي لها دور في "فرملة" طغيان المالي على العلمي. الجنوبية للإعلام : بخصوص مراقبة الدولة، هل لنا أن نعرف أشكالها؟ الحسن دانكو: مراقبة المصالح الوزارية بكل مستوياتها قسمان : قبلية وبعدية. اما المراقبة القبلية فتكون قبل التأسيس حيث تراقب مدى موافقتها لدفتر التحملات الوارد في القانون 05/00 المنظم للتعليم الأولي أو القانون 00/06 المنظم للتعليم المدرسي الخصوصي بكل مكوناته، فلا تعطى رخص الفتح الا اذا توفر الحد الأدنى لهذا الدفتر، مع شيء من المرونة لتشجيع التعليم الخصوصي في المناطق النائية. أما المراقبة البعدية فتكون بعد التأسيس حيث تخضع كل المؤسسات الخصوصية لمراقبة السادة المفتشين التربويين كمثيلاتها في التعليم العمومي، اضافة الى مراقبة سنوية تقوم بها لجنة مختلطة تراقب جميع المرافق والوثائق وسير الدراسة بالمؤسسة.. هذه الزيارة يعقبها تقرير تدون فيه الملاحظات وتسلم نسخة منه الى المؤسسة قصد تدارك الخلل الملاحظ في الزيارة المقبلة، دون أن ننسى الزيارات التفقدية التي تأتي بناء على ملاحظات أو شكايات أو ما أشبه ذلك. وعموما فالمراقبة التربوية تفيد المؤسسات الخصوصية كثيرا وتدفعها الى المزيد من التطوير والتطور. الجنوبية للإعلام : ذكرتم أن التعليم الخصوصي والتعليم العمومي لا يختلفان كثيرا في المناهج، لكن ما هي القيمة المضافة التي تدفع الأب الى اختيار الأول على حساب الثاني؟ الحسن دانكو : من خلال التجربة المتواضعة في الميدان والتي امتدت على 15 سنة، وبناء على استقصاءات الرأي الغير المباشرة، فان مميزات التعليم الخصوصي تتمثل في الآتي: غياب الاكتظاظ في الاقسام خلاف صنوه العمومي، وهذا لا يعني غياب الاستثناء ولكنه لا يعتد به احصائيا وواقعيا. الخدمات الموازية: كالنقل المدرسي الذي أصبح ملازما للتعليم الخصوصي رغم ما يشكله من عبء على المؤسسات من الناحية المادية، فأهل الميدان يعتبرونه "شرا لا بد منه" ويدخلونه في خانة الخدمات الاجتماعية في الأغلب. التخصص في المواد: فتدريس المواد الدراسية يكون حسب التخصص، فكل مادة يدرسها أستاذ متخصص فيها بدءا من اللغة العربية الى الفرنسية والمواد العلمية والمواد الموازية ...الخ، مما يجعل العطاء أفضل وأكثر جودة. الاهتمام بالأنشطة الموازية: جرعتها في التعليم الخصوصي اكبر، ايمان منا بأهميتها في تكوين شخصية الطفل والتلميذ. تدريس اللغات الاجنبية: خاصة الفرنسية حيث يتم تلقينها منذ المراحل الأولية في التعليم الأولي، وتتدرج مع التلميذ في كافة السنوات الدراسية، بخلاف التعليم العمومي التي لا يحتك فيها المتعلم باللغة الاجنبية الا في السنة الثانية من التعليم الابتدائي. احترام الغلاف الزمني واستيفائه: نظرا لانعدام الإضرابات، فنادرا ما نجد مؤسسة تعليمية خصوصية تعرف إضرابا، بخلاف التعليم العمومي الذي عرف في بعض السنوات مبالغة كبيرة في هذا الامر اضرت بالقطاع والضحية هو التلميذ(ة). احترام واعتماد بيداغوجية الفروق الفردية اثناء توزيع التلاميذ، حيث يتم اجتياز رائز تحديد المستوى حتى يتم تصنيف التلاميذ بشكل يجعله يتلقى احسن وبشكل يتناسب مع قدراته، وهنا اقف عند الروائز التي يعتقد الكثير انها للبحث عن المتفوقين و اقصاء غيرهم، والحقيقة إن هذه الروائز الأولية (وأقول الأولية) إنما هي تصنيفية وليست اقصائية أبدا، وهذا من منطلق أن الكل له الحق في ولوج التعليم سواء كان عموميا أو خصوصيا، وأيضا لأن الأولى بالعناية هو المتعثر وليس المتفوق حتى يصبح متفوقا كذلك. هذه بعض الفوارق بين التعليمين، وأؤكد أن التعليم العمومي أيضا له مميزات على التعليم الخصوصي. الجنوبية للإعلام : بخصوص الطاقم التربوي، هناك الكثير من الاتهامات بعدم كفاءته، وكذا غياب التكوين الأساس والمستمر، بسبب عدم اهتمام اصحاب المؤسسات بهذا الجانب، ما رأيكم؟ الحسن دانكو: هذه الملاحظات ولا أسميها اتهامات فيها نوع من المبالغة والاجحاف في حق أناس يعملون في ظروف فيها تحدي، ويبذلون اقصى الجهود من اجل اعطاء الافضل والأجود، صحيح أن التكوين الأساس كان في مرحلة من المراحل غائبا، ولكن تداركته الوزارة الوصية منذ بداية التسعينات، فكانت تنظم تكوينات على صعيد المؤسسات أو النيابات أو الأكاديميات، كما لا ننسى تجربة الشراكة بين التعليم الخصوصي وCIOPE (ANAPEC حاليا) حيث كان أول تكوين موسم 197/1998 على صعيد الجهة وأنا من المستفيدين منه، وأشكر من هذا المنبر اتحاد التعليم الحر بالجهة الذي أشرف على التكوين وكان ناجحا بكل المقاييس، ومعظم خريجيه أما أنهم التحقوا بالتعليم العمومي أو أصبحوا مديرين في المؤسسات الخصوصية اليوم. كما أن أكاديمية التدريس اليوم تعتبر تجربة رائدة – على علاتها – من أجل ولوج الاطار الى عالم التربية و البيداغوجيا ..ولا ننسى المبادرات الداخلية للمؤسسات التي تنظم تكوينات داخلية منها ما هو أساس و منها ما هو مستمر.. وخلاصة القول أن التكوين أصبح في صلب اهتمامات المؤسسات باعتبار الضرورة التربوية أولا والمنافسة ثانيا. الجنوبية للإعلام: ذكرتم الظروف التي يعمل فيها أطر وموظفو التعليم الخصوصي بأنها ظروف فيها تحد، ما قصدكم؟ الحسن دانكو : طبيعي أن الأجور في هذا الميدان لا ترقى الى مستوى أجور التعليم العمومي، لأنها تخضع للعرض والطلب، والشروط الاجتماعية نجدها غير معممة، بحكم الاكراهات المادية التي تحف مشروع مدرسة خصوصية، مما يجعل الاطار يبحث عن آفاق أرحب اذا لم يجد ما يصبو اليه في مؤسسته الأصلية ، وهنا أتوجه بنصيحتين الأولى لأصحاب المؤسسات أقول لهم: أن الأطر التربوية هم حياة المؤسسة وموتها، والاهتمام بهم لن يعود الا بالخير على المؤسسة، وأغلب المؤسسات الناجحة انما نجحت باعتنائها بأطرها ماديا ومعنويا، أما النصيحة الثانية فأتوجه بها الى الاطار التربوي لأقول له: اصبر فانك في بدايتك وحاول أن تكون نفسك وتصنع لك اسما في الساحة وآنذاك ستبحث عنك المؤسسات بدل البحث عنها، وتستطيع أن تفرض شروطك كما تشاء هذا هو التحدي. الجنوبية للإعلام: نختم هذا اللقاء برهانات التعليم الخصوصي، في نظركم ما هي أهم التحديات التي تقع على عاتق المشتغلين بالتعليم الخصوصي؟ الحسن دانكو : لقد راهنت الدولة على التعليم الخصوصي من أجل تغطية 20% من الطلب التربوي، والرقم المحقق اليوم في حدود 7% يعني أنه لا زال الطريق طويلا أمام التعليم الخصوصي للوصول للهدف على المستوى الكمي، أما الرهان الكيفي فيتمثل في تحسين صورة الميدان أمام الناس، والاهتمام بالجودة الحقيقية والجوهرية بدل الاقتصار على الجودة الشكلية، كما أن الاهتمام بالاطار الاداري والتربوي تكوينا وتأمينا اجتماعيا يبقى أحد أكبر الرهانات، وربط جسور التواصل مع التعليم العمومي لا يقل أهمية، اضافة الى تفادي المنافسة الغير الشريفة التي تخلق سلوكيات لا تربوية (تضخم النقط في بعض المستويات ، اهمال المواد الأصيلة على حساب بعض المواد الأجنبية..)، ومن التحديات ايضا خلق المؤسسة الخصوصية المواطنة التي تجعل التعليم الخصوصي في متناول شريحة من الشعب حرمتها الظروف رغم تفوقها وتميزها، وهنا انوه ببعض المؤسسات التي تسجل أبناء الفقراء المتميزين فيها مجانا، حتى لا تحرم الوطن من كفاءتهم.. ومن التحديات الكبرى التي تقع على عاتق الدولة تشجيع الاستثمار في الميدان، وتخصيص حوافز أمام الراغبين في ذلك من هل الميدان، الاستجابة لمطالب الجمعيات الممثلة للميدان وعلى رأسها اتحاد التعليم الحر ورابطة التعليم الخاص بالمغرب. الجنوبية للإعلام: كلمة أخيرة أستاذ. الحسن دانكوا: أشكركم مجددا على هذا الحوار، وأشير إلى أن التعليم الخصوصي يعرف اشراقات كما يعرف اشكالات، ولا ندعي أننا احطنا بها كلها في هذا الحيز الزمكاني الضيق، ولذا أتمنى أن يكون الحوار بداية لحوار أكبر من أجل مدرسة مغربية موحدة ومواطنة. أجرى الحوار ذ. إبراهيم أكنفار (GSM 0668699190)