لست أدري هل سيكتب المؤرخون أم سيستحيون ويتعففون؟، أما وسائل الإعلام فلم تترك لهم فرصة لتجاهل الحدث؛ فقد اهتمت أمس واليوم بخروج الحمير لأول مرة في مظاهرة لهم في شوارع العاصمة الرباط، ونقلت الخبرَ بالصوت والصورة والوصف والتعليق.الحمير المتظاهرون كانوا يلبسون أقمصة أنيقة وربطات عنق حداثية، لكن ذلك لم يمنع المراقبين والصحفيين من معرفة الحقيقة، وهي أن رؤوسهم هي رؤوس حمير فعلا. حينما كنت أمس أتابع الأخبار والصور عن الحمير المتظاهرين ضد الحكومة، ورأيت ابتهاجهم وبلاهتهم، تذكرت قصة يحكيها أهل فاس منذ قرن أو نحوه. وهي أن رجلا بدويا من إحدى القبائل المجاورة قرر أن يدخل مدينة فاس ويتعرف عليها، بعد أن ظل حياته كلها يسمع عنها دون أن يراها. قدِم الأعرابي مدينةَ فاس، فإذا به منبهر مسحور بكل ما يراه من عجائبها التي لا قبل له بها، فظل ينجذب من حي إلى حي، ومن جهة لأخرى، ومن معلمة لأخرى، إلى أن اشتد به العياء والجوع، فمر بأحد المطاعم وشدَّتْه إليه روائح الطعام الشهي. وقف البدوي بباب المطعم يستطلع ويستنشق، فإذا بشاب من داخل المطعم يدعوه ويرحب به. دخل صاحبنا وجلس، فجاءه الطعام والشراب كما يحب ويشتهي. فلما انتهى قام منصرفا، فطالبوه بالثمن، فإذا به ليس معه شيء يدفعه، ولم يكن يدري أصلا أن هذه الضيافة لها ثمن يُدفع. عند ذاك أخذوه إلى حاكم المدينة، فحكم عليه بعقوبة تعزيرية، وهي: أن يتم تطويفه على حمار، ويُعَرَّفَ أهلُ المدينة به وبفعلته، ثم يحلقوا رأسه تنكيلا به، ثم يطرد إلى خارج المدينة. وكذلك كان… عاد الرجل إلى قريته فسألوه عن رحلته إلى فاس؟ فقال: لقد رأيت من عجائبها ما رأيت، وفي وقت الغداء دعاني بعض أهلها فأكلت وشربت ما لذ وطاب. بعد ذلك أخذوني لزيارة الأمير في قصره. وبأمر منه أركبوني على حمار، وذهبوا بي لأتجول فيما بقي من المدينة، وهم يهتفون بي فرحين مرحبين، ثم حلقوا رأسي بدون مقابل، ثم حملوني مسافة في طريق عودتي… هكذا وعلى هذا النحو عاد الحمير مساء يوم الأحد 22 شتنبر، فرحين فخورين بأول تظاهرة من نوعها…تاركين المحللين السياسيين متحيرين يتساءلون: هل هذا تطور وإبداع في عالم السياسة؟ وهل هو توسيع لدائرة العمل السياسي بانضمام فئات جديدة إليه؟ أم هو موت للأخلاق والآداب في السياسة؟ أم هو موت للسياسة من أصلها؟ الكاتب: الدكتور احمد الريسوني