فعلا اثارت القضية عدد223/4/2/2017 التي صدر بشأنها قرار رقم 970/2بتاريخ 26/12/2017 ضد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بتطوان حول أحقية القاضي المعزول من اجل موقف قانوني ( سياسي) في ممارسة مهنة المحاماة طبقا للمادة 18 من قانون المحاماة ، وإن كانت هذه الضجة المفتعلة للتغطية على أمور أصبحت واردة في دهن المرتفقين من مؤسسة العدالة ،وفي دهن عامة الشعب بل المؤسسات الدستورية نفسها (الرسالة الملكية لوزير العدل بشأن إنهاء مأساة المواطنين مع ظاهرة الاستيلاء على العقارات ) بكون الفساد أصبح مستشري قي هذه السلطة. فعلا أن الأمر كان مفتعلا للمسار الغريب الذي أخذته القضية ، فالمسألة بديهية ولا تحتاج لمجهود فكري مضني لتسوية ملف قرار هيئة المحاماة بتطوان، وعدم الطعن فيه بالاستئناف من طرف الوكيل العام للملك ، وترك القاضي المعزول يمارس مهنته التي إختارها، مادام انه يتوفر على جميع الشرط القانونية المطلوبة . لكن واقع الحكومة (والتيار الفاسد المستفيد من ريع الدولة )التي اتخذت من العداء والكراهية ليس فقط للتيار الجديد للقضاة ،الذي آل على نفسه إلا أن يقطع مع ماضي العدالة بكل تجلياته قبل دستور 2011 بل جميع مكونات المجتمع ذاقت مرارة التعسف وخرق حقوق الإنسان من قضاة ومعطلين وأساتذة وأطباء ومهندسين وأصحاب الإعاقة وغيرهم ،وجعلت الحكومة من نفسها مانعا ضد الاحتجاج حماية للفاسدين الذين سلمتهم صك الإعفاء من المحاسبة و المسائلة بالعبارة الشهيرة( عفى الله عما سلف )وفي ضل هذا السياق للأحداث أعطيت التعليمات بالطعن بالاستئناف ضد قرار هيئة المحامين بتطوان ، نكاية بالقضاة الذين وقفوا ضد التطبيع مع الفساد وفضح الفاسدين من المسؤولين القضائببن الذين عاتوا فسادا في مصير القضاة، مستغلين التغراث التي تبيح لهم ذلك في النظام الاساسي لنساء ورجال القضاء، وهكذا نشأت لوبيات تنادي بعضها بإبعاد هؤلاء القضاة عن ميدان العدالة بطريقة قانونية غير مثيرة للشكوك واستغلال التغراث التي تبيحها القوانين المنظمة لمهنة القضاء مع بعض المندسين الذين يقدمون أنفسهم أنهم يؤيدون التغيير (بتلفيق لهم جرائم مصطنعة مواقف سياسية وإجراء محاكمات صورية حتى لاتثار مشاعر المواطنين أو المجتمع الدولي لبلد تواق إلى الديمقراطية، وبعث صورة نمطية على جدية الدولة في إصلاح العدالة )والتيار الثاني ينادي بإعدام وتنحية القضاة الذين قاموا ضد الفساد ،وعزلهم وقطع أرزاقهم لتذهب ريحهم من الوسط القضائي نهائيا، لكون المواقف التي اتخذوها تنسب للسياسيين وهو ما يمنع عليهم الخوض فيه . 1 فمتى يكتسي تعبير القاضي العلني لموقف سياسي ؟ كل المواقف التي اتخذها القضاة الذين تم عزلهم ، لم تكن بواسطة أحكام وقرارات عبروا فيها عن رأيهم القانوني باستثناء القاضي الطرف في هذا الفرار الذي اصدر قرارا بحكم مهنته كقاضي يفصل قي الخصومات بين الأفراد والدولة والسلطة والإدارة، و كان في زمن ما يعرف بالحوار الوطني لإصلاح العدالة ، إلا انه تم الكيد لبعضهم الذين كانوا يعرفون خبايا ومكايد الفاسدين في هرم القضاء ، وواكبت ذلك أحداث لخروقات القانون ،منها على سبيل المثال (إدراج ملف العفو لمغتصبي الأطفال من طرف مدير الشؤون الجنائية الذي تمت مكافئته بمنصب لرئيس النيابة العامة للسلطة القضائية ) و ( استدعاء رئيس المخابرات المغربية من طرف قاضي التحقيق الفرنسي لشكاية كانت موضوعة ضده من طرف مغربي من اجل جريمة التعذيب وما صاحب ذلك من وقف اتفاقية التعاون القضائي،وعزل قاضي مغربي عبر عن موقفه القانوني من الاستدعاء ووقف اتفاقية التعاون القضائي مع فرنسا ) وتوالت المعالجات للوقائع من طرف المكلفين بها بطريقة معيبة أدت إلى عدة مآسي مازالت أثارها مستمرة حتى الآن . 2 فهل المواقف التي سلكها هؤلاء القضاة كانت سياسية ؟ لنقف أولا قبل الإجابة عن السؤال لكلمة موقف سياسي ؟ أي ماهو معيار التفرقة بين ما هو سياسي وما هو قانوني ؟ بصراحة لم أجد لحد الساعة تعريفا واضحا يمكنني أن أميز به معنى المصطلح ، وقد يكون ذلك تقصيرا مني او قصور في إدراكي للمفاهيم .أو اعتماد لوبي الفساد لمعيار (داخ ودوخ أو طيح من الطيارة ابوعزة ) فهل كل مطالبة علنية بمسائلة المسؤولين في الدولة هي موقف سياسي لا يجب الخوض فيه ؟ يجيب الدستور المغربي في فصله الأول ((.....وربط المسؤولية بالمحاسبة ) ولم يقيد كلمة المسؤولية لا بالسياسية ولا القانونية . فبعض القضاة الذين شملتهم حملة العزل لإسكات باقي القضاة، لم يصرحوا إلا بفضح الفاسدين والمطالبة بمحاسبتهم وتتبع ثرواتهم التي ينص عليها القانون ولم يستوحوها من قاموس سياسي ، أم أن الكلمة (سياسي ) هي كلمة يراد بها باطل كلما عبر قاضي عن رأيه ، وهو ماتنبهت له المحكمة الدستورية حين ألغت المقتضيات التي وضعها أشخاص نعرفهم حق المعرفة كانوا يعملون على ضبط أنفاس القضاة . حقا فالقاضي لا يمكن ان يفصل تماما عن المجتمع ، فهو معني بالصحة والتمدرس والإنارة والواد الحار والسكن والانتخابات، فكل التغييرات تعنيه ولابد له أبى أو قبل أن يخوض في هذه المسائل، وما بالك بالقاضي المرشحة بلاده للدخول في غمار إصلاح العدالة ، ان يستنكف عن ترك بصماته في حلقة مفصلية ويدلي بدلوه ثم يعاب عليه انه ينتقد الجهة الفلانية، وانه يتخذ موقفا سياسيا لشيء يعنيه في الصميم . القضاة يعبرون عن أرائهم في المواقف التي تتطلب منهم ذلك فهم حسب الدستور في فصله 117(( يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون )). فالعبارة الواردة بالفصل تعطي للقاضي الولاية وليس الاختصاص ، وهي أوسع معنى من الثانية فالولاية القضائية هي جبة القاضي يرتديها ويتستر بها أينما رحل وارتحل ، لا لشيء إلا لأنه ضمير الأمة، ويبعث الأمان بين الناس ، فلا يمكنه أن يحجم عن الخوض في أمر يخص أمور دنيا المجتمع الذي يعيش فيه بعلة انه يمنع عليه الخوض في أمور ليست من أموره فهو الرقيب بعد الله على كل مايقرر ويجري في المجتمع إذا تناهى لعلمه . 3 متى يمنع على القاضي الإدلاء برأيه وعليه الحفاظ على واجب التحفظ ؟ هناك عدة شروط تمنع على القاضي أن يدلي برأيه في نازلة معينة ،إلا بإصدار حكم أو قرار فيها ، ويشترط ان تعرض عليه القضية وهو في مجلس القضاء ،وطبق الشروط المنصوص عليها بقانون المسطرة المدنية والجنائية ويمنع عليه إنكار العدالة بدعوى عدم وجود نص أو أنها مسألة ( سياسية ) وهناك عدة شروط منصوص عليها بباب تجريح القضاة وتنحيهم أو تنحينهم عن بعض القضايا , مثلا للقرابة أو سبق الإدلاء بالرأي في النازلة قبل عرضها على القضاء أو التبعية أو العداوة لأحد الخصوم وغيرها من حالات التجريح التي نص القانون انها تجعل حكم القاضي باطلا . والقضاة الذين صرحوا ببعض الآراء في قضايا عرضت عليهم من طرف الصحافة أو مؤسسات أخرى تهتم بالقانون ، لم ينصبوا للبت فيها بمجلس القضاء حتى نقول أنهم خرقوا واجب التحفظ ، بل لو عرضت عليهم مستقبلا لتنحوا عنها وجرحوا أنفسهم للبت فيها لسبق الإدلاء برأيهم فيها ، وتحضروني عدة قضايا كنت شاهدا عليها في محكمة النقض أن شروط التجريح لانطبق من بعض الغرف التي تحال عليها بعض القضايا يكون فيها احد الخصوم قريبا أو له عداوة أو غيرها مع احد المستشارين الذين يشاركون في المداولات بدون حرج لعلمهم أن التجريح ليس سببا من أسباب الطعن بإعادة النظر ولو تمسك به الخصم كسبب لخرق القانون وهذا شيء عايناه ووثقتاه وليس ضنناه ، ويكتفي الرئيس او المستشار المعني بعد ان يبلي البلاء الحسن في الملف بطلب عدم إدراج اسمه في منطوق القرار. 4 الرئيس الأمريكي ترامب يصرح ان القضاة مسيسين . بعد رفض قضاة الاستئناف لطعن الرئيس الأمريكي ترامب للقرار الذي ألغى مرسومه القاضي بمنع مواطني سبع دول عربية الدخول لأمريكا ، أن القضاة مسيسين ، ووقف عند هذا الحد،ولم يتم اتخاذ إجراءات محاكمتهم لموقفهم (السياسي )من قرار رئيس الدولة ويقوم بعزلهم ، ولم يستخدم أقوى جهاز للمخابرات لإيقافهم واعتقالهم بجرائم محبوكة ضدهم ، ويعتقلون امام مقرات عملهم بامر من النيابة العامة، وتنفيذا من طرف الشرطة بل إن مستشاريه أشاروا عليه بعدم اللجوء للمحكمة العليا لأنهم لايرون أنهم سيجنون مكسبا من ذلك .لأن المؤسسات عندهم قوية يمكن ان توقف اي تجاوز على الحريات والحقوق من اي كان ، حين اللجوء عندها فهي دولة القانون. 5 قرار محكمة النقض المغربية كان تحت موجة تجاذب قوي بين تيارين . فعلا إن النازلة التي كانت معروضة على الغرفة الإدارية الثانية بمحكمة النقض، لم تكن تخلق أية صعوبة قانونية لقضاة أكفاء خابروا المهنة لسنين عديدة ، لكن هناك أسباب خفية ( سنكشف عنها لاحقا ) جعلت رئيس الغرفة وأعضاءها يستنجدون بقرار الرئيس الأول لمحكمة النقض عدد 48/2017 وتاريخ25/10/2017 بإضافة القسم الرابع من الغرفة المدنية فأصبحنا أمام عشرة قضاة بدل خمسة، حتى يكون قرارهم ملزما للغرف الوحيدة فيما ذهب إليه من تفسير المادة 18 من قانون المحاماة والذي جاء فيه ((..... على أن تستفيد هذه المهنة من التجربة المهنية لقدماء القضاة ......))وانتقاد القرار الاستئنافي المطعون فيه ((.... وحصرت مناط تسجيل قدماء القضاة بهذا الجدول في الحالتين المنصوص عليهما بالمادة 18دون سواهما ......)).كان هذا التعليل كافيا لنقض القرار من دون الإشارة أو بالأحرى الزيادة للأسباب التي أدت لعزل القاضي،و مادام أن محكمة النقض كانت مصرة على تمرير رسالة مشفرة لباقي القضاة الذين عزلوا (( الكلام عليك ياجارة )) حاولت قطع الطريق عليهم لمناقشة مامعنى الموقف السياسي وخرق واجب التحفظ والتدقيق في هذا الفعل الذي اعتبرته يتنافى ومهنة القضاء. 6 الرسالة المشفرة لمحكمة النقض للقضاة المعزولين بسبب تلفيق تهمة الموقف السياسي . مع أن الأمر يصعب شرحه (كلمة موقف سياسي )حتى ممن يدعون الاشتغال بالسياسية ، التي أصبحت توازي أي عمل جرمي يمكن أن يرتكبه القاضي مثل الدعارة والاتجار في الممنوعات والتزوير وغيرها ، مع أن الأصل في الأمور هي الإباحة ومن حق القاضي أن يعبر عن آرائه كما صرحت بذلك المحكمة الدستورية المغربية وهي بصدد التصديق على مطابقة القانوني التنظيمي للسلطة القضائية للدستور بحذف العقوبة المتعلقة بالتعبير عن الرأي وواجب التحفظ للقضاة ، لكونها مخالفة للدستور ، لكن التيار الضاغط والسائد بالسلطة القضائية ،والذي يسعى جاهدا لغلق الأفواه والألسن التي تنتقده وتفضح أساليبه حتى يتم إسكات جيش من القضاة ،لكن هيهات هيهات فمسيرة الف ميل انطلقت بخطوة منذ 2011 . وتذكرني نازلة القضاة السياسيين المغاربة او ما يصطلح عليهم ( بالنقابيين ) بقضية قاضي التحقيق الفرنسي (ديترو) الذي تكالبت عليه ألسنة الصحافة والمجتمع المدني الفرنسي حين أطلق سراح مغتصب الأطفال، لعدم كفاية الحجج فتم تسييس قراره وعين مجلس النواب لجنة للتحقيق معه في غياب أي موقف للقضاء الفرنسي من المس باستقلالية احد أعضائه من طرف السلطة التشريعية والذي أصيب بالعجز بعد قوة كان يضرب لها ألف حساب . وهكذا بعد دستور 2011 تم سن عرف (سيء الصيت) يعتبر القضاة الفاضحين والمطالبين بمحاسبة المسؤولين الكبار ، بالقضاة السياسيين لضربهم وتبخيس مطالبهم بعد ان عجزت أجهزة التيار الفاسد عن الإيقاع بهم في مكايد أخلاقية ومهنية جد متداولة ، فسهلت عليهم مأمورية التخلص من هؤلاء القضاة ( المشوشين ) بتهمة الموقف السياسي وخرق واجب التحفظ ، وحسنا فعلت المحكمة الدستورية التي ألغت هذا المقتضى الذي يمس بحرية تعبير القضاة .واعتبر الاتجاه الجديد في القضاة أن أحسن إنتصار حققوه خلال نضالاتهم هو اعتراف المحكمة الدستورية لهم بهذا الحق ، وان التيار الضاغط يعمل جاهدا لتمرير موقفه عبر القنوات القضائية ،نخص منها سلسلة قرارات محكمة النقض التي صدرت مؤخرا، خاصة عن الغرفة الإدارية والتي تنم عن تخبطها في إصدار قرار حاسم في الطعون المقدمة ضد قرارات العزل لقضاة ما يعرف ( بقضاة الرأي ) والتي عللت بتعليل هزيل ينم عن عدم وضوح الرؤيا والاستقرار على نهج واضح ، وهكذا وقفت القرارات حائرة بين ماقضت به المحكمة الدستورية وبين ماتسعى له الجماعة الضاغطة في صلب القضاء المغربي بالتخلص من هؤلاء القضاة ولو على حساب القانون وسمعة القضاء المغربي بخرق محكمة النقض لقرار دستوري حديث الصدور ، فخرجت بعلة مبهمة غير مفهومة ودون الخوض في صلب موضوع الطعن ( وحيث إن الطعن سابق لأوانه مما يكون معه غير مقبول ) هذه العبارة امليت على احد المحامين العامين ليدلي بها في مستنتجاته ضد طعن تقدم به احد القضاة فيما يخص نقله لمدينة نائية ، مباشرة بعد إقرار دستور 2011دون التوفر على الشروط القانونية لإدراج ملفه بالمجلس الاعلى للقضاء ، لكن المحكمة تبنت علة اخرى أفضل منها وهي أن الطعن أصبح غير ذي موضوع والنتيجة عدم القبول والتهرب من الخوض في موضوع الطعن ، كل هذا التخبط يريد به قضاء المحكمة العليا ان يكسب الوقت والظروف الملائمة ويؤسس لقرارات عادلة ومقنعة وجريئة مستقبلا وليس حاليا ، فالطعون الحالية سابقة لأوانها وكأنه على أهبة استقبال قضاء جديد ينعم بالاستقلالية وضمانات المحاكمة العادلة وتأمين القضاة من الخوف . علة القرار موضوع التعليق والتي تتضمن رسالة مشفرة للقضاة (ذوي المواقف السياسية وخرق واجب التحفظ ) وهي علة كما تنسب لقرارات محاكم الاستئناف ،علة زائدة يستقيم القرار بدونها ، فالطاعن لم ينازع في كونه عزل لموقف سياسي كما اعتبرته الجهة التي سطرت المتابعة ضده، لأنه بصدد مزاولة مهنة المحاماة وان الجهة التي أخطأت في تطبيق القانون هي التي جرته لهذه المناقشة عمدا لتعمم المسألة على باقي القضاة المماثلين المعزولين من اجل ما يعرف ب( الموقف السياسي ) الذي ألغته المحكمة الدستورية ، وتقول لهم بأن السياسة تمارس في المحاماة ولا تمارس في القضاء ، ويخلق القرار تفرقة بين المهنتين مع أنهما وجهين لعملة واحدة هي تحقيق العدل في المجتمع وفحوى هذه العلة التي جاءت بصيغة ((..... وعزل منه بسبب اتخاذ موقف يكتسي صبغة سياسية والاخلال بواجب التحفظ ، وهما فعلان وإن كانا يتنافيان مع سلك القضاء فإنهما ليسا كذلك بالنسبة لمهنة المحاماة ولا يدخلان في ما ينافي الشرف والمروءة أو حسن السلوك ، لانخراط فيها ....)) السطور الأخيرة الأربعة من الصفحة الرابعة للقرار. نسجل أن هذه العبارات تمس بسمعة نساء ورجال أبلوا البال الحسن في تتبيت قضاء مستقل ونزيه وفعال وشجاع ،ونتساءل من أي نبع استقاها القرار؟ ليخرق بها اجتهاد المحكمة الدستورية الذي ألغى المقتضيات التي تمس بحرية التعبير للقضاة ، خاصة ما يعني الموقف( السياسي) وواجب التحفظ ، هذه المخالفة الوحيدة والفريدة في العالم التي يتابع بها قضاة المملكة المغربية قبل حسم المحكمة الدستورية في الامر . وهكذا حسب الرسالة المشفرة للقرار، فالقضاة الذين عزلوا ليس لهم إلا حق اللجوء لمهنة المحاماة، وليس العودة للقضاء لأنه يرفضهم لكونهم يعبرون عن أرائهم بفضح المسؤولين والمطالبة بمحاسبتهم ،كما ان القرار وضع معيارا للتفرقة بين الجسم الواحد ،القضاء والمحاماة، فكبف يستساغ العمل (السياسي) للمحامي ويحجب عن القاضي وهو القائم على مراقبة كل القرارات والأفعال مهما كانت مسمياتها التي تحدث بأقاليم الدولة .وكأنما الفئة الضاغطة التي حولت القضاء المغربي الى هذه الوضعية المزرية ،مازالت توزع منح الريع على القضاة كأنها وارثة له ، فنقول لهم ما كان لنا أن نعود في ملتكم بعد ان نجانا الله منها، فنحن سنعود لسلطة قضائية جديدة إن شاء الله . 7 خاتمة فإن إصلاح هذه الوضعية الشادة والغريبة على المحكمة العليا التي تحترم وتنصاع للقرارات المحكمة الدستورية المجلس الدستوري سابقا أو الغرفة الإدارية المختصة بالطعون الدستورية سابقا ، والتي أضيفت لقرار الغرفتين مجتمعتين (العلة الزائدة) والتي تنم على الدوس وعدم الاعتبار لقرارات المحكمة الدستورية التي ألغت القانون الذي يمس بحرية تعبير القضاة ، هي وإن كانت زائدة فهي علقم لخرق القانون أقحمت بالقرار الصادر عن محكمة النقض لبعث تطمينات للفئة الضاغطة التي تكره هذا الصنف الشجاع من القضاة ، ويتعين كما يوجب القانون على رئيس النيابة العامة بالسلطة القضائية، أن يبادر بالطعن لفائدة القانون في قرار صدر خلاف القانون ( خرق قرار المحكمة الدستورية ) من طرف محكمة أوكل لها القانون النظر في طلبات الدفع بعدم دستورية القوانين ، أن يقدم طعنا لفائدة القانون ضد هذا القرار ويعرض على جميع الغرف حتى توضح محكمة النقض موقفا بصورة جلية دافعة لكل جهالة او غموض ،وان كانت هناك اجتهادات تستثني هذه المحكمة لكونها محكمة قانون لكن هذه الوضعية الشادة بعدم اعتبار قرار المحكمة الدستورية يجب أن تمحى من قرارات محكمة النقض ،لأنه ليس في صالح العدالة والقضاء المستقل الذي يتوق المغاربة لتوطيده وأن نتيجة الطعن لا يستفيد منها الأطراف ولا تضرهم وان العبارة الواردة بالنص القانوني نصت ( حكم اوقرار..) وهي على الإطلاق ولم تخص محاكم الموضوع دون محكمة القانون. محمد عنبر رئيس غرفة بمحكمة النقض سابقا