رغم أني -كما كتبت في مقالة لي سابقة- ليست من رواد كرة القدم ولا من عشاقها. فإن ذلك الاحساس العجيب بالوطنية الذي يتغول بدواخلي كلما تعلق الأمر بقضية تمس الوطن، جعلني أشعر بالمهانة من كثرت هزائم المنتخب الوطني المغربي التي تكررت حتى عمت أصداء فضائحها الوطن وإمتدت إلى خارج حدوده، وغمرني التدمر والسخط والاستياء كما هو حال باقي الجماهير المغربية العاشقة والولوعة بكرة القدم، وحتى غير المهتمة بها. بعد أن ضاعت عليها الفرجة والحماسة وقوة المنافسة، وتحولت عن الافتخار بنجومها الوطنية التي أصبحت محط تهكم و سخرية، منشدة الفرجة عند غيرها من الفرق الأجنبية التي ليس من السهل أن تجد في نهاية الأسوع مكانا شاغرا، داخل المقاهي المتوفرة على الجهاز الرقمي، والتي تمتلئ بطونها بجمهور مواظب على متابعة مباريات الدوري الاسباني.. وعندما يتجادل الناس حول المنتخب الوطني وهو أمر لا ينتهي في مقاهينا وأنديتنا الخاصة والعامة فهم يتجادلون في العادة عن أسلوب اللعب ونوعية المستوى الذي يجب أن يكون عليه المنتخب الذي يحبون أن يكون متميزا. ورغم أن كل القوانين الرياضات ومبادئها قد بُنيت على مبدأ الربح و الخسارة و تقبل كل النتائج بالروح الرياضية العالية التي يجب أن يتسم بها كل جمهور رياضي متخلق. فإنهم أمام توالي الهزائم وتواصل الاندحارات وزيادتها عن الحدود المقبولة التي خلفت الحسرة بالقلوب حتى لم يعد أحد من محبي الأسود يكن لهم الحب و التقدير نفسه الذي حمله لهم المغاربة على اعتبار أنهم تجسيد للأمة حتى أنه جرت العادة أن يستقبل رؤساء الدول والسياسيون المنتخبات المنتصرة ويجلسون مع لاعبيها ويأخذون معهم الصور التذكارية. ونفس الشيء كان في عهد المرحوم الملك الحسن الثاني، حيث نال المنتخب المغربي رعاية واهتمامًا خاصًّا من الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه، الذي كان من عاداته أن يستقبل الفريق الوطني بعد نتائجه وعروضه الطيبة في بعض البطولات ويمنح اللاعبين الأوسمة والنياشين، ويستقبل المدراء الفنين ومدربي المنتخب عند بدء توليه مهام عمله ويتعرف على مطالبه، ويأمر بتوفيرها، وقد حدث هذا مع البرازيلي "خوزيه فاريا" مدرب نادي الجيش الملكي المغربي الذي تولى تدريب منتخب المغرب حتى صعد به إلى نهائيات كأس العالم بالمكسيك عام 1986م، وتكرم عليه بمنحه الجنسية المغربية. وقد فعل الشيء نفسه مع الفرنسي هنري ميشيل الذي قاد أيضًا منتخب المغرب للصعود إلى مونديال فرنسا عام 1998م، بعد أن لمس الملك بنفسه حجم المؤامرة التي تعرض لها فريق بلاده من منتخبي البرازيل والنرويج بمساعدة الحكم الأمريكي الذي سبب احتسابه لضربة جزاء لصالح النرويج في الوقت الضائع إلى إبعاد المغرب عن الصعود لدور ال 16، وقد أشاد الملك بفريق بلاده، ودعا الشعب إلى استقبال "الأبطال"، وبالفعل خرج الشعب المغربي عن بكرة أبيه لاستقبالهم استقبال "الأبطال"، وفي مقدمتهم الملك الذي منحهم الأوسمة والنَّياشين، وتعطَّف على هنري ميشيل بالجنسية المغربية أيضًا. بل والأكثر من هذا فأن الملك الحسن تحدث إلى سعيد بلقولة الحكم المغربي قبل إدارته لنهائي كأس العالم بساعات وطالبه بأن يحسن تمثيل المغرب أمام العالم كله الذي يتابع تلك المباراة، وبعد المباراة بعث إليه ببرقية تهنئة بسبب ظهوره بمستوى رائع ومشرف لدولة المغرب، والأكثر من هذا أن الملك استقبله وكرَّمه بعد عودته ومنحه أرفع الأوسمة، خاصة وأنه أول حَكَم من خارج أوروبا وأمريكا الجنوبية يدير نهائي كأس العالم. ولكن بعد فقدان المنتخب الوطني لبريقه، وتبدل طعم مبرياته، وزوال بهجتها، وفتور حماستها، وتوقفت أسوده عن إهدائنا البهجة الخالصة مع زئيره الذي ملأ أرجاء الدنيا في يوم من الأيام . فلا عجب أن تستفز هذه الأوضاع الكروية المخزية أعصاب الجمهور المغربي وتثير بداخوله هواجس تفقده الصبر والتحلي بأخلاق الرياضة المتعارف عليها دوليا، فيوجه -الجمهور الذي حضر مباراة المغرب الكامرون، بمدينة فاس- (حسب المساء عدد 982 الثلاثاء17 نوفمبر 2009 ) سيلا من الشتائم للاعبين وللجامعة مرددين الازمة المشهورة «الجمهور هاهو والمنتخب فينا هو»، مع الهتاف باسم المدرب الوطني بادو الزاكي، ووصف المكتب الجامعي بأبشع النعوت، قبل أن يرموا بمئات القنينات على جنبات الملعب" وصل بهم الغضب والإستياء لدرجة المطالبة بمعاقبة "كل الذين أساروا للكرة المغربية، وكل الذين قتلوا في المغاربة حماستهم، وكل الذين يتلذذون اليوم بهزائمنا، وكل الذين خططوا لكي نصل اليوم إلى ما نحن فيه من ذل وهوان ودرك أسفل..." كما قال أحمد أمشكح في مقاله" أسود وأسود" في صحيفة الأيام العدد402 19-25 نونبر2009. المهم الإنتقام ممن كان وراء هذا السجل الكروي المملوء بالهزائم المرة والخيبات المقيتة، على غرار ما كان يفعله بعض السياسة في الكثير من بلدان العالم، بعد كل مباراة، حيث يؤدبون اللاعبين بعد الخسارة عبر ضربهم بالعصا على أرجلهم، وهو عمل لم يكن يقوم به عدي إبن صدام حسين فقط والذي كان يأمر بتعذيب أعضاء المنتخب القومي العراقي بعد كل هزيئمة جناها المنتخب في أي من مبارياته. بل كان ذلك معروفا عند الصينيين القدامى أيضا، الذين كانوا يقدمون الولائم للفريق الفائز ويجلدون الفريق المنهزم. كما كان الحال أيضا في عهد ستالين كان رئيس الشرطة السرية لافرنتي بيريا الرئيس الشرفي لنادي دينامو موسكو يرسل لاعبي الفرق المنافسة إلى سيبيريا. ما يبين وبالملموس أن كرة القدم ليست لعبة رياضية فحسب بل هي من أخطر الألعاب السياسية التي تنشط فيها ألآعيب السياسيين الذين يذكر أنهم كانوا يفرضون أسماء اللاعبين ويحذرون المدربين من الخسارة لأن الهزيمة بالنسبة لهم ليست رياضية بل هي هزيمة سياسية، كما حدث مع حزب العمال البريطاني في عهد هارولد ويلسون، الذي حمل مسؤولية هزيمة حزبه في الانتخابات العامة في عام 1970 لهزيمة منتخب انجلترا المفاجئة في كأس العالم. ومن أطرف المواقف الانتقامية لشرف المنتخب الوطني المغربي بعد الهزائم التي مني بها. اقدام قاصر يبلغ 14 سنة ينحدر من أحد الأحياء الشعبية بفاس، على الارتماء من علو 4 أمتار للوصول إلى الملعب في الدقائق الثلاث الأخيرة المتبقية من عمر المباراة التي جمعت بين المنتخب الوطني ونظيره الكامروني، واستحواذه على الكرة، والذهاب بها إلى مرمى الكامرونيين حيث سجل هدف الشرف نيابة عن لاعبي الفريق المغربي، قبل أن ينتهي به الأمر بين قيود رجال الأمن. [email protected]