ونتيجة تباطؤ المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء في التوقيع على الاتفاقية، التي صادقت عليها الجماعة الحضرية (دورة فبراير 2008)، وبالتالي دخولها حيز التنفيذ الفعلي، أصبح مرفق الإنارة العمومية بالمدينة يعرف اختلالات كثيرة، بدءا بعدم إصلاح أعطاب الإنارة بعدد من المناطق، بعد تعرضها للتلف، وانقطاعها كليا في كثير من شوارع وأحياء المدينة، التي أضحت تعيش في ظلام دامس لأسابيع متواصلة..!! بدأت إشكالية ضعف التغطية الكهربائية في عدد كبير من شوارع وأحياء مدينة طنجة، عندما جرى تخلي شركة أمانديس عن تدبير مرفق الإنارة العمومية، اعتراضا على «هزالة المبلغ المالي» الذي خصصته الجماعة الحضرية كمقابل لهذا التدبير، بعد أن اتضح لها أنه لا يتلاءم مع أشغال إصلاح الإنارة بجميع النقط المدرجة في المدار الحضري للمدينة. وبعد أخذ ورد، جرى إنهاء العقد المبرم مع أمانديس، وتكليف المكتب الوطني للكهرباء بالإشراف على تدبير هذا المرفق، غير أن عمليات الإرجاء والتسويف، أخرت انخراط هذا المكتب في صيانة وتأهيل شبكة الإنارة العمومية في طنجة، التي كان من المفروض أن تتم منذ أوائل شهر أبريل 2008.. تعميم الظلام على الأحياء: ظلت شوارع كبرى ومناطق سكنية بكاملها في مدينة طنجة، محرومة من الإنارة العمومية، لفترة تجاوزت 5 أشهر كاملة (أبريل سبتمبر 2008)، مما حول أزيد من 15 حيا سكنيا إلى «نقط سوداء»، تنعدم فيها الإنارة، وتزداد فيها معدلات الإجرام بجميع أنواعه..!! ونظرا لانعدام جهة مكلفة بإصلاح أعطاب شبكات الأعمدة الكهربائية، بسبب تخلي أمانديس عن تدبير هذا المرفق،، وتأخر المكتب الوطني للكهرباء في الإشراف على القطاع، فقد واصلت الإنارة العمومية بالمدينة تدهورها يوما بعد يوم، وامتد الخلل ليشكل أزمة حقيقية، تبدو معالمها وشواهدها في الحقائق التالية: بالتركيز على المناطق السكنية التي تنعدم بها الإنارة بالكامل، استنادا على التحري الذي قامت به رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بطنجة، نذكر الأحياء التالية: حومة زينب، حومة السوسي، حي المارج، أشناد، بني توزين، حومة الحوتة (أحرارين)، وتجزئة المرس التي تشهد عطبا شاملا في الإنارة لمدة 7 أشهر متواصلة..!! مقابل ذلك، هناك أزيد من ثلاثين حيا يشكو من نقص حاد في الإنارة العمومية، وفيما يلي قائمة بأسماء هذه الأحياء ونسب ضعف الإنارة بها: جزيرة الخير (عطب منذ 5 أشهر)، حومة الزويتنة (50 في المائة)، حومة المقدم (50 في المائة)، الركايع 3 حي السلام (50 في المائة)، حومة بوحوت شارع الكويت (80 في المائة)، شارع إيران، بنديبان، الزودية (50 في المائة)، حي بنكيران، ساحة فارو (50 في المائة)، طريق سيرفانطيس، شارع الحسن الأول، شارع طارق ابن زياد، شارع إنجلترا، وشوارع أخرى متفاوتة في نسبة النقص في الإنارة. من مجموع حوالي 37 ألف نقطة ضوء موزعة على مناطق مدينة طنجة، فإن نسبة 75 في المائة منها، حسب مصادر اتصلت بها جريدة «الشمال»، تتراوح ما بين «حالة نقص واضحة» في الإضاءة، و«انعدام كلي» للإنارة، وتعود أسباب هذا الوضع المختل، الذي لا يوجد له مثيل في أي مدينة مغربية أخرى، إلى العوامل التالية: كثرة الأعطاب في شبكات الأعمدة الكهربائية، التي لا يتم إصلاحها بالمرة، مما يجعلها تتراكم باستمرار لتمثل معضلة حقيقية، خاصة في الأحياء الشعبية وضواحي المدينة. هناك مئات من المصابيح التي تتعرض للتلف كل يوم، في الشوارع الكبرى والأحياء الهامشية، دون أن يتم تعويضها بأخرى صالحة للإضاءة القوية، الأمر الذي يجعل نسبة 60 في المائة من أحياء طنجة تغرق في الظلام كل ليلة..!! وإذا كانت نسبة كبيرة من أحياء المدينة تعاني من نقص حاد في الإنارة العمومية، فإن ثمة مناطق آهلة بالسكان ظلت محرومة من الإضاءة منذ إقامتها قبل سنوات، ولم يتم حتى الآن ربطها بالتغطية الكهربائية..!! عمق أزمة الإنارة العمومية: عند التحري الدقيق حول معضلة الإنارة العمومية بمدينة طنجة، يتضح أنها ليست في واقع الأمر وليدة السنتين الأخيرتين (20072008)، بقدر ما تعود إلى السنوات العشر الأخيرة، عندما لم تفكر المجالس المنتخبة التي تعاقبت على تدبير الشأن العام، في إعداد دراسة شمولية حول أنجع السبل لتأهيل مرفق الإنارة العمومية بطنجة. ويتضح، من خلال بنود الاتفاقية الموقعة مع المكتب الوطني للكهرباء، أن الجماعة الجضرية، بقيادة العمدة دحمان الدرهم، لم تتبن مثل هذا التصور العملي، إلا بعد أن تعمقت أزمة الإنارة العمومية في المدينة، وإن كان تكليف المكتب الوطني للكهرباء بموجب الاتفاقية الموقعة بين الطرفين بإنجاز دراسة متكاملة لتأهيل شبكة الإنارة العمومية في المدينة، في إطار تصور يروم الاقتصاد في الطاقة، يمكن أن يشكل في حالة سير الأمور على نحوها العادي بداية لنهاية هذه المعضلة الحقيقية. التأخر السلبي في اتخاذ قرار بهذا الحجم، يدمغ المجالس المنتخبة المحلية بتهم التقصير في تدبير أهم مرفق في المدينة، ويؤكد بوضوح ما سبق أن قلناه في جريدة «الشمال»، من أن افتقار هذه المجالس لرؤية واقعية فعالة بخصوص إيجاد الحلول لمعضلات المدينة على جميع الأصعدة يطعن في مشروعية تمثيلها لجموع سكان طنجة ..!! التهرب من مواجهة المعضلة: في الوقت الذي تراكم فيه شبح الظلام الدامس على غالبية مناطق مدينة طنجة، بدا غريبا أن ترتفع أصوات مستشارين بالمجلس الجماعي احتجاجا على ارتفاع تكاليف الإنارة العمومية بطنجة، بينما لم نسمع سوى أصوات قليلة داخل المجلس تستنكر حالات التدهور المتواصل التي تطال وضعية هذا المرفق، وحجم الاختلالات التي تشهدها شبكات الإنارة العمومية، سواء في توزيع الإضاءة، أو صيانة أعطابها المتكررة، أو المزمنة في واقع الأمر..!! وخلال الدورة الاستثنائية للمجلس الجماعي، لم يتورع بعض المستشارين عن دعم موقف شركة أمانديس، التي كانت تريد استفادة مالية أكبر لمواصلة تدبيرها لقطاع الإنارة العمومية بطنجة، والقلة القليلة من أعضاء المجلس هي التي اتخذت موقفا حاسما فيما يخص إلزام العمدة دحمان الدرهم بالعمل على تحيين القرار الجبائي لمواجهة معضلة النقص الحاد في الإنارة العمومية..!! وبدا مثيرا للانتباه، أن دحمان الدرهم، الذي عرفت طنجة في عهده وضعية سيئة للإنارة العمومية، لا يعنيه في هذا المشكل سوى التأكيد أن مرفق الإنارة العمومية بطنجة، «يستنزف ميزانية المجلس»، بينما الذي لم يجرؤ الدرهم على قوله، هو أن الجماعة أبدت عجزا كاملا عن تقديم خدمة فعلية لتأهيل شبكات الإنارة العمومية، وتخلت حتى عن دورها في مواكبة عمليات الإصلاح والصيانة..!! عوامل تحول دون تطوير مرفق الإنارة: خصصت الجماعة الحضرية 42 مليون درهم (بزيادة 10 ملايين درهم عن سنة 2007)، لتسديد مستحقات استهلاك الإنارة برسم سنة 2008، وبرمج المجلس 8 ملايين درهم كمصاريف متعلقة بالصيانة والعناية بشبكات الإنارة العمومية، وما يمكن قوله أن هذه الاعتمادات المالية سوف لن يكن لها أي مردود فعلي كبير على وضعية هذا المرفق، ما لم يتم مباشرة العمل على مواجهة الاختلالات البارزة التالية: وضع حد لعمليات الحفر العشوائي في الشوارع والأحياء، التي تؤدي غالبا إلى تدمير شكبة الكهرباء، وذلك انطلاقا من تفعيل التنسيق بين جميع المتدخلين المعنيين بإنجاز أشغال الإصلاحات بالمدينة. العمل على رفع الإنجازات المرتبطة بشبكات الإنارة العمومية إلى مستوى الشروط المنصوص عليها في دفاتر التحملات، فما يلاحظ هو أن هذه الإنجازات يتم تفويتها لمقاولات غير مهنية، الأمر الذي ينعكس سلبا على حجم جودتها. ضرورة تشغيل الأعمدة الكهربائية المنتشرة في جميع شوارع وأحياء المدينة، بكيفية معقلنة ورشيدة من أجل تفادي عمليات التشغيل العشوائي، التي ينجم عنها ضعف الإنارة، وكثرة حدوث أعطاب. المصدر: الشمال