يقول المغاربة "الرجل هو الكلمة" بل إنهم يؤمنون بأن "الشماتة هو اللي ما عندو كلمة" وأن المسؤول الحقيقي والجيد هو "مول الكلمة" الذي يعمل بإخلاص على الوفاء بوعوده، لنفسه ولمن انتخبه وأوصله إلى كرسي الحكم، وينجز أعمالا تبقى خالدة في أذهان الجماهير ولن تنساه حتى بعد مغادرته لتسيير شؤونهم.بينما هناك كثير من المسؤولين لم يقدموا شيئا يستحق الذكر طوال سنوات تصديهم لموقع المسؤولية. بل على العكس فمنهم من كانت له اليد الطولى في نشر الفساد والإفساد بشكل بشع باستباحتهم الثروات الوطنية لشخوصهم ومن دون وجه حق، ونشرهم المحسوبية والمنسوبية بمؤسسات الدولة، حتى استشرى الفساد في معظم المفاصل حتى بتنا نكتة بين الأمم وأصبحنا نحتل المراكز المتقدمة في سلم الفساد في العالم، وشهد تاريخنا الحاضر بروز أناس كانوا لا يحلمون إلا بشغل بسيط أو وظيفة عادية في بلدية ما وأصبحوا بقدرة قادر في الواجهة بفضل تقلباتهم الانتمائية بين الأحزاب، وتشبتهم بالمناصب أيا كانت، وعضهم عليها بالنواجذ والمخالب، وتغييرهم لانتماءاتهم الحزبية كما يغيرون جواربهم-كما يقول المثل الفرنسي- كلما تطلب ذلك مصلحتهم الشخصية. ربما كان ذلك السلوك على المستوى السوسيولوجي أمر طبيعي. لكنه على المستوى الأخلاقي مرفوضة وعلى المستوى القانوني محرمة. ومع ذلك فإنهم يمارسونه "بلا حشمة ولاحيا" ويدافعون عنه بكل صلف وجرأة، وهم مستعدون إلى تغيير الجلد بدل "الفيستة" للمزيد من الامتيازات الريعية التي يضمنها بقاءهم في المنصب. لقد عاشت الساحة السياسية المغربية مظاهر سلبية عديدة وغير مبررة في كثير منها، وعلى رأسها ما عرفته الساحة السياسية في الآونة الأخيرة التي تسبق الآنتخابات الجماعية من سلوكات انتقال مكثف للنواب البرلمانيين و المستشارين الجماعيين من فريق الى آخر. و من حزب الى آخر. والتي يطلق عليها ظاهرة "الحريك" أي "الترحال السياسي" الظاهرة الخطيرة التي لا يمكن للناخب الذي منح النائب صوته على خلفية انتمائه إلى حزب معين، استيعاب خطورتها بسهولة، لأنها تلغي عند حدوتها التعاقد النظري، الموجودة بين النائب أو المنتخب وبين المواطن الذي انتخبه لكونه صاحب برنامج معين. ولأنها خيانة لبرامج الأحزاب، وتعمقا لتغيب الثقة في المؤسسات وضرب مصداقتها، وتميعا للعمل السياسي وتميعه. ومن المؤكد أن حزب الأصالة والمعاصرة ليس هو من خلق تلك الظاهرة، كما يدعي بعض قادة الأحزاب المتضررة من الترحال الذي عايشوه مند عقود. لكنه عرف كيف يستفيد من الظاهرة بذكاء لدعم بيته الداخلي، مادامت لا تشكل بالنسبة إليه أية مشكلة، بقدر ما تشكل هاجسا يؤرق الأحزاب التي غادرها الرحل إليه، والتي يتوجب عليها قبل اتهامه أن تطرح على نفسها السؤال المهم: لماذا لم تُخَلٌق هذه الأحزاب العمل السياسي والحزبي بتطبيقها لقانون الانتخابات الذي ساهمت في سنه؟ والذي ينص في إحدى مواده على منع الترحال. بل إن الكثير من تلك الأحزاب المنددة اليوم، هي من كرس ولازالت تشجع تنقلات النواب والمرشحين، وتسهل مأموريتها مع اقتراب مواعد الانتخابات، حتى أصبحت تتم بمنتهى السهولة والسرعة وكأنه لا وجود لقانون يحكمها ولا ضابط يضبطها. ما جعلها تستفحل بدرجة كبيرة جدا وتتحول لظاهرة معممة في المغرب بين جميع أحزابه السياسية على مختلف توجهاتها ومرجعياتها، ما عرف منها بالإدارة، والوطنية واليسارية، وحتى الحزب الإسلامي الوحيد الممثل في البرلمان لم يسلم من تلك الظاهرة التي لازمت الحياة البرلمانية المغربية منذ الستينات، حيث عرفت أول حالة خلال الولاية التشريعية لعام.1963 مع النائب غاندي بن دحمان من فريق الجبهة. وأخدت بعده الحالات تتواتر وتتزايد الى غاية عام 1997، حيث تجاوزت 102 حالة خلال مدة زمنية قصيرة. وقد احتل فريق الحركة الديمقراطية الاجتماعية مقدمة الأحزاب التي عرفت ترحالا جماعيا، اذ وصلت نسبة الترحال داخل فريقها خلال الدورة الخريفية للولاية التشريعية لسنة 1997، 64.51% ، وعرف الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية الظاهرة بنسبة 6.25%. والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بنسبة 1.81%، وجبهة القوى الديمقراطية بنسبة 44.44%، والعدالة والتنمية بنسبة 40 في المائة. وليست هذه هي المرة الأولى التي ترفع فيها الأحزاب المتضررة أصواتها عالية للتصدي للترحال السياسي بإلغاء الانتداب الانتخابي لكل مخالف للقانون،بهدف عقلنة العمل السياسي وتخليصه من الظواهر التي أصبحت تسيء إلى مؤسسات البلاد السياسية، وقد طالب الكثير من الأحزاب بتطبيق المادة 5 من قانون الأحزاب التي تنص أنه «لا يمكن لشخص، يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم، أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه أو في تاريخ المرسوم المحدد، حسب الحالة، لتاريخ الانتخابات التشريعية العامة الخاصة بمجلس النواب أو بمجلس المستشارين بالنسبة لأعضاء البرلمان المؤهلين للترشيح لهذه الانتخابات» وهناك من طالب رفع سيف القضاء في وجه الرحل ومحاكمتهم، بل إن الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية قدم دعوى بمن رحل من حزبه إلى حزب آخر. فقد سبق لوزير العدل الراحل، محمد بوزوبع، أن هدد عام 2003، قبيل موعد الانتخابات الجماعية، بتحريك المتابعة القانونية في حق البرلمانيين الذين يغيرون انتماءهم السياسي بين الدورات. وقد أثار تهديد بوزوبع آنذاك، والذي لم يتم الشروع في تنفيذه، ردود فعل متباينة في الوسط السياسي، بين من رأى فيه إجراء معقولا لضبط المجال السياسي وإضفاء نوع من المصداقية على العمل السياسي، الذي يقف وراء ظاهرة العزوف، فيما اعتبره آخرون ضربا لحرية الأشخاص في اختيار انتماءاتهم الحزبية التي يضمنها الدستور في الفقرة الأخيرة من الفصل التاسع منه القائلة «حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية أو سياسية حسب اختيارهم، ولا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون» هته الفقرة التي يتمسك بها حزب الأصالة والمعاصرة والتي بعث بسببها برسالة إلى كل من الوزير الأول عباس الفاسي ووزير الداخلية شكيب بنموسى، يدعوهما فيها إلى التراجع عن تطبيق المذكرة التي أقرتها الحكومة، والتي تمنع الرحل من البرلمانيين والمستشارين بالغرفة الثانية ومسيري الشأن المحلي من الترشح في الانتخابات المقبلة. ووصلت حدة التهديد إل الإعلان عن تقديم بعض أعضاء من الغرفة الأولى والثانية استقالتهم في حالة تطبيق هذه المذكرة، كما هدد حزب عالي الهمة برفع يده عن المساندة الحكومية وإسقاطها دفاعاً عن جيشه الانتخابي الذي بني على الترحال السياسي. السؤال الذي يطرح نفسه مع هذه الأوضاع العبثية، هو هل ستعرف الاستحقاقات الجماعية الجديدة استقرارا على مستوى التزام النواب بالبقاء داخل الأحزاب التي ينتمون إليها، أم أننا سنعيش على نفس السيناريو والسلوك الذي طبع الانتخابات السابقة التي عرفها المغرب منذ استقلاله، والمتمثلة في «ظاهرة الترحال» التي أثارت اهتمام الرأي العام ومتتبعي الشأن السياسي داخل المغرب، الذي أصبح يستعصي معها على المواطن المغربي تحديد اللون السياسي للكثير من المنتخبين. لكنه ما يبدو أن الدولة لن تظل هذه المرة عاجزة عن محاربة هذه الظاهرة، وبالتالي لن تظل مرهونة ومستسلمة لمحترفي خرق القوانين الانتخابية، فالرغبة الصادقة في اتجاه تصحيح المشهد السياسي، والإرادة القوية من أجل محاربة الظاهرة والتصدي لها، قد وردت بوضوح حينما شدّد وزير العدل عبد الواحد الراضي على تطبيق القانون على كل المخالفين له، سواء الأحزاب أو الأشخاص، حيث قال الراضي في اجتماع له بمقر وزارته في الرباط، أخيرا، مع الوكلاء العامين ووكلاء الملك في إطار التحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة ل,2009 إن الحكومة وجميع المؤسسات الأخرى مصرّة على تطبيق القانون ضد كل من يخرق ''قواعد اللعبة وقواعد القانون نفسه''. وأكد الراضي أنه ''على من يدخل لهذه اللعبة (الانتخابات) عليه أن يدرك أن هناك إرادة لمحاربة الفساد والغش، وإذا كان لا بد من العلاج أمام إصرار البعض على الغش فسيطبق هذا العلاج''، وأضاف الراضي، في كلمته مخاطبا وكلاء الملك والوكلاء العامين، ''علينا أن نقوم بدورنا من أجل حماية الديمقراطية بصرف النظر عن الأحزاب أو الأشخاص.. فهل تكفي مثل هذه التصريحات لنتوقع تغيراً شكلياً و جوهرياً في الانتخابات القادمة؟. بعض الذين التقيتهم وحاورتهم من باب الدردشة السياسية فقط وليس من باب التحليل أو التوقعات، يميلون إلى الرهان القائم على أن استمرار نفس التيارات ونفس الألوان وبالتالي لن تختلف انتخابات 12 يونيو عن سابقاتها، وبالتالي لن تتغير السياسات ولن تتغير الوجوه ولن تتغير الأحداث إن لم تترشح لمزيد من الاحتقانات والاختناقات.. [email protected]