- تلميذ الثانوي الإعدادي والتأهلي نموذجا يتميز تلميذ السلك الثانوي الإعدادي و التأهيلي بمجموعة من الممميزات المرتبطة بمرحلة المراهقة ومتطلباتها الوجدانية؛ ففي هذه المرحلة يكون التلميذ المراهق في أوج العطاء على مستويات عدة: المستوى الجسماني، والمستوى العقلي، والمستوى الجنسي، والمستوى الانفعالي. هكذا يتضح منذ البداية أن مرحلة السلك الثانوي تعد من أهم مراحل العمر و أخطرها. وقد عمل عدد من الباحثين في ميدان السيكولسانيات والسوسيولولجيا و... وغيرها من العلوم على كشف النقاب عن حقائق الإنسان من خلال سلوكه الخارجي. وقد أخذنا نموذجا لذلك ظاهرة الكتابة على الجدران في المؤسسات التعليمية و الثانوية منها على الخصوص. تعد اللغة أهم وسيلة للتواصل بين أفراد المجتمع، و هي أخطر نعمة وهبها الله للإنسان فقد تستعمل للتصريح كما قد تستعمل للتضمين وهو الغالب. ولذلك كان القدماء يقولون: تكلم حتى أراك ؛لأن اللغة تفضح ما نحاول أن نخفيه عن أنفسنا، واللغة حمّالة أوجه... وقد اتجه النقد الأدبي في توجهاته الحديثة إلى تجاوز التعليق على النصوص إلى البحث عن الدوافع النفسية والاجتماعية والتاريخية... التي ينبع منها الانتاج الأدبي سعيا لفهمه وتفسيره(المنهج التاريخي والاجتماعي والمنهج السيكولوجي) من خلال أثر اللغة. إن تعاملنا مع الكتابات التي نشاهدها على جدران المؤسسات التعليمية يجب أن يتجاوز مجرد تفكيك بسيط لما نشاهده على جدران الأقسام أو ما يكتب في المراحيض أو المقاعد والأبواب ... إلى مساءلة هذه النقوش والرسوم للبحث عن الرسائل التي يرغب التلاميذ في نقلها إلى المخاطب( إدارة المؤسسة أو الأستاذ أو التلاميذ أو المجتمع...). إن هذه الكتابات ليست ضربا من ممارسة مزاجية، لا طائل من ورائها، أو محض نزوة عارضة، أو مجرد تزجية لجهد و وقت ذاتيين. إنها، على العكس من هذا، فعل كتابي، تعبيري، و إيصالي دالّ أشد الدلالة و أبلغها، لذلك من اللازم الاهتمام بها بأوفى ما يمكن من الانتباه و الاعتناء و التأمل و التقرّي والاستخلاص. إن اللجوء إلى الكتابة على الجدران أو أبواب الأقسام ... عادة ما يكون نتيجة دوافع وضغوطات يعيشها التلميذ يرفض أن تضل حبيسة دواخله، و ذلك عنادا منه إمّا لعامل المنع الذي تباشره، عادة، في هذه الحالة منظومات السلط المادية و الرمزية: سياسية كانت أم إيديولوجية أم دينية أم أخلاقية أم ثقافية.. تجاه الذات الكاتبة أو الموضوع المكتوب. لذلك يعتمد التلميذ تقنية الاستتار، مستفيدا من عمومية مكان هذه الكتابة و مشاعيته، درءا منه لرقابة فعلية أو متوهمة، و تحاشيا لمنع تحقق الكتابة و المكتوب. وهو، أي التلميذ، بذلك العمل يتصارع مع إملاءات الأنا الأعلى الجمعي أو اللاشعور الجمعي. فالمجتمع عبارة عن خليط من القيم ؛ حيث تتداخل فيه القيم الجديدة إلى جانب قيم قديمة، كما تكثر الاتجاهات وتتصارع حول أهداف ووسائل التغيير. فيقع الشباب ضحية هذه التناقضات، ويجدون أنفسهم في حالة من العلاقات الصراعية بين قدراته على العطاء وبين مجموعة من العوائق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية... التي تصد هذه القدرات. لذلك كله يتخذ وسائل تعبيرية غير مباشرة للتعبير عن مواقفه وأفكاره. و غالبا ما نجد هذه الكتابات تعبر عن مظالم مرتبطة بالإدارة التربوية أو تصرفات الأساتذة ... وعادة ما تكون سجلا للإخبار و البوح و العفة، أو القذف و الشتيمة والبذاءة التي شكلت حيطان و المدارس و المراحيض و الدروب... أرضيتها التدوينية. إنها أداة فاعلة للإفراج عن مخزون تعبيري ضاغط على مخيلة التلاميذ تتم ترجمته إلى علامات كتابية على صفحة الطاولة المدرسية التي يجلسون عليها، أو صفحة أيّما حائط يمرون، قصدا أو مصادفة، بمحاذاته. وغالبا ما تكون تلك الكتابات أو الرسوم... حاملة لدلالات بليغة وإيحائية تحتاج بحثا لسانيا و سيميولوجيا و نقديا، و ثقافيا بعامة. إنها اقتصاد تعبيري وقع العزوف عن استثماره بما فيه الكفاية نتيجة التسفيه القبلي لمنتجيه و منعشيه. ولذلك أعتقد أنه من الضروري النظر إلى هذه الظاهرة باعتبارها خلقا وإبداعا، قد يكون عن وعي أو عن غير وعي، ولكن مسؤوليتنا تقتضي التعامل معها بوعي وبعين ناقدة؛ بحيث لا ننظر إلى اللغة بوصفها وسيلة مجردة يمكن فصلها عن سياقها الاجتماعي والثقافي والتاريخي والنفسي... ومن أسباب ظاهرة الكتابة على الجدران نذكر على سبيل المثال لا الحصر: 1 الأسباب النفسية: ترتبط هذه الأسباب بالتغيرات التي يعرفها التلميذ المراهق في نموه الانفعالي الذي يشكل مصدر قلق بالنسبة إليه، ولذلك يلتجأ إلى الجدران الذي يعدها بمثابة فضاء للراحة، والكتابة كوسيلة لتفريغ مكبوتاته وللتعبير عن مواقفه تجاه ذاته او تجاه الآخرين وقد يخرج خلالها على المبادئ المحددة للسلوك في المجتمع. ويتميز النمو الاتفعالي للتلميذ المراهق في هذه المرحلة العمرية بجملة من الخصائص مثل الإحباط والتوتر والحساسية المفرطة والتردد في اتخاذ القرار والميل إلى الجنس الآخر... ولذلك فالكتابة على الجدران من هذه الزاوية هي نتيجة لحرمان التلميذ من إشباع حاجاته الأساسية من أمن ومحبة وتقدير وحرية ونجاح وسلطة ضابطة(مادية ومعنوية) ويمكن تبين ذلك من خلال بعض الكتابات الحائطية الدالة التي يعبر التلميذ من خلالها عن ألمه النفسي. و مثال ذلك: المؤسسة سجن. هل المؤسسة فضاء للحرية؟ يعيش التلميذ في المؤسسة حالة مزرية، لهذا يجب الاهتمام به حتى يعيش في أمان. 2 الأسباب البيئية الأسرية: الأسرة هي المؤسسة الأولى والأساسية من المؤسسات الاجتماعية المسؤولة عن إعداد التلميذ للتفاعل المجتمي وللدخول إلى المؤسسات التعليمية بروح مشبعة من خلال ما يتوفر له من أجواء النمو السليم جسديا وفكريا وعاطفيا وسلوكيا.ويتوقف أثر الأسرة في مسألة التطبيع الاجتماعي على أمور عدة منها: وضعها الاجتماعي والاقتصادي، والمستوى الثقافي، وجوها العاطفي المرتبط بكيفية معاملة الوالدين للتلميذ المراهق ومعاملة الوالدين بعضهما لبعض وما يقوم بين الإخوة والأخوات من تنافس... وبالجملة فكلما كانت التنشئة الاجتماعية ملائمة كان التلميذ المراهق سليما والعكس صحيح. وإذا حدث هذا اللاتوازن اتجه التلميذ إلى جدران المؤسسة التعليمية لتفريغ مواقفه وعواطفه. 3 الأسباب الاجتماعية: يعد فضاء المؤسسة مكانا لتوسيع الدائرة التواصلية للتلميذ، حيث يلتقي داخله بوافدين جدد من الرفاق والأصدقاء، ويصطدم بسلطات جديدة: سلطة الحراس العامين والمدير والأستاذ....ويتأثر التلميذ في هذا المستوى(التأهيلي الثانوي) تأثيرا واضحا بالثانوية حيث تقدم له مناهج جديدة في التربية والأخلاق...وهنا قد يجد التلميذ صعوبة في التأقلم مع هذا الجو أو المناخ الجديد الذي قد يعود الى عدة أسباب: خلل في منهجية التدريس عدم مراعاة الأستاذ للفروق بين التلاميذ: على المستوى النفسي، والاجتماعي، والصحي.... وما يترتب عنها من مشكلات انضباطية. صعوبة المادة الدراسية لبعض التلاميذ وسهولتها للبعض الآخر. وهذا ما يجعل التلميذ يعيش في دوامة من القلق والاضطراب النفسين الشيء الذي يؤدي به إلى كبت الروح الانتقامية في أعماقه، ومن تم يتخذ الكتابة على الجدران وخاصة جدران الأقسام للتعبير بعبارات قاسية مثل: نجاح التلميذ في الامتحان رهين بموضوعية الأستاذ. والمقصود هنا بطبيعة الحال النزاهة في التصحيح؛ إذ عادة ما يحاول التلميذ الذي لم يحصل على معدل يرضي طموحاته إلى تبرير إخفاقه باتهام الأستاذ بعدم الموضوعية في التصحيح وتكثر الاحتجاجات خاصة في تصحيح الفروض. 4 الأسباب الاقتصادية: من الطبيعي أن يحقق الوضع الاقتصادي المتوازن نوعا من التوازن النفسي للتلميذ وخصوصا في هذه المرحلة الحرجة، أما الغنى الفاحش أو الفقر المدقع فغالبا ما يؤديا به إلى الانحراف. ومن الحقائق الثابتة في التاريخ أن للفقر نتائج سلبية على فكر الإنسان وعواطفه وإرادته... وقد اكد ابن خلدون في المقدمة على أهمية عوامل مختلفة في تكوين شخصية الفرد منها طبيعة الغداء والجو....ومن التعابير المعبرة عن الحرمان المادي ما وجدناه مكتوبا على جدار بعض المؤسسات التعليمية: إلى متى هذا الحرمان؟ كيف ندرس ونحن في فقر وتهميش؟ ما ذنب الفقراء؟ كاد الفقر أن يكون كفرا. 5 الأسباب السياسية: من حقائق التاريخ أن الأمم تتأثر بالسياسات السائدة فيها ، وفي مجال المؤسسة يلتجئ التلميذ إلى الكتابة على الجدران متى أحس أنه لا يستطيع التعبير عن أرائه بحرية. وقد طغت العبارت التي تحمل شحنات سياسية على الكتابات التي نجدها في المؤسسات بشكل متساوي مع العبارات العاطفية والجنسية. ومن هذه العبارات: الأمازيغ طبقة مهمشة في المجتمع. الأمازيغية في خطر. أن أموت دفاعا عن فكرة خير من أن أموت على فراش المرض. الأمازيغ أبطال والتاريخ يدلنا على ذلك. الحب حلال وليس حرام... وبهذا تكون هذه الكتابات تعبيرا فنيا ذا طبيعة إديولوجية لأنها تعبر عن الهامش والصامت والمكبوت في المجتمع بعض طرق العلاج: التأكيد على البعد التربوي في معالجة الظاهرة بدل الطرق العقابية والزجرية لأن دور هذه المؤسسات تربوي بالدرجة الأولى . فبإمكاننا أن نبقي على الرسم على الجدران و لكن تحت إشراف و تنسيق من مختصين يقومون بصقل مواهب المتعلمين: الخط، أو الرسم...وقد نتركهم يختارون الألوان والرسوم والكتابات...التي يحبون أن تزين بها جدران مؤسستهم. وبمثل هذا السلوك يستفيد الجميع: التلاميذ من ناحية الحرية التي منحت لهم للتعبير والاختيار والمشاركة، والمؤسسة(المجتمع) من خلال تهذيب بعض سلوكات المتعلمين مثل الكتابة على الجدران. ألاّ ننظر إلى هذه الظاهرة نظرة سلبية فقط ، ونجتهد في الكشف عن وجهها الإيجابي لأنها تعبير لا شعوري عن طاقات نفسية كامنة، وربما كانت تمثل رسائل رمزية للمجتمع للفت الانتباه إلى مواهب وإمكانيات موجودة لديهم أو مشاكل غفلت عنها المؤسسات والمنظمات الاجتماعية. تخصيص فترات للمتعلمين خلال الموسم الدراسي للتعبير بكل حرية عن كل مشاعرهم وطموحاتهم وتظلماتهم... على شكل جداريات أو على شكل لوحات فنية أو خلال حصص التربية الفنية وحثهم على التعبير عما يجول في خواطرهم. عقد ورشات تربوية تهدف إلى تحسيس المتعلمين بقيمة البعد الجمالي لتعزيز الاتجاه الإيجابي. و التحسيس بالآثار السلبية لبعض الكتابات التي تحمل عبارات فيها قذف للآخرين: أساتذة أو تلاميذ... وخلاصة القول : إن ظاهرة الكتابة على الجدران التي تعرفها مؤسساتنا التعليمية هي شكل من أشكال الاحتجاج على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية... وقد تطورت هذه الظاهرة بفضل انتشار استخدام الإنترنيت حيث أصبحت المدونات الإلكترونية تنافس الكتابة على الجدران إذ تم الانتقال من الجدار الواقعي إلى الجدار الافتراضي في الفيس بوك . وهذا الأمر يحتاج دراسات مستفيضة تجمع بين تخصصات معرفية مختلفة من لسانيات وفلسفة وسيكولوجيا وسوسيولوجيا.... قصد فهم عميق للإشكالات التي يتخبط فيها تلاميذ السلك الثانوي خاصة والتلميذ المغربي عامة، و البحث عن حلول تساعد على تحسين وضعيته بشكل يجعله قادرا على المحاججة والتحليل، ويتمسك بالمثل والاستعداد الدائم للمناقشة. وبذلك يتم إعداد تلميذ قادر على ولوج التعليم العالي والاندماج في المجتمع. *عضو بمختبر العلوم المعرفية كلية الآداب، ظهر المهراز ، فاس