التقيا اثناء حياتهما الدراسية الجامعية، جمعهما فكر تقدمي يساري واحد، كونهما ينتتميان لنفس التنظيم الفلسطيني المناضل، وهذا ما زاد من قوة انسجماهما وتفاهمهما مع بعض، ارتبطا بداية، بارتباط شفويا مقدسا، واتفقا على توطيد علاقتهما الشخصية، وتتويجها بزواج ناجح، كأي طالب جامعي يتوق للبحث عن شريكة حياته بنفسه، ويختار زوجته على مزاجه وذوقه الخاص، يتواصلان ويتفاهمان معا، من اجل هدف نبيل وشريف، وعلى هذا الاساس، كان لحلمي الأعرج، ورفيقته سمر خالد، اتفاق مسبق، مع سبق الاصرار، على تتويج علاقاتهما الودية في الجامعة، بزواج يرضى كل منهما به، ما لم يعطلهما مصاعب خارجة عن ارادتهما، او يحول بينهما حائل ما. حلمي الأعرج، من بلدة عنبتا الفلسطينية، شاب مفعم بالحيوية والنشاط، مجد في دراسته واجتهاده، اضافة لكونه ايضا مناضل فلسطيني بارز بين صفوف شعبه الفلسطيني، يحمل فكرا تقدميا يساريا، لا يأبه بعواقب نضاله، ونتائجه المدمرة عليه شخصيا، طالما يعلم مسبقا بان مشوار النضال طويل وشاق، وعواقبه وخيمة، ولا يحمد عقباها، لكنها مفروضة وواجبة على كل مواطن شريف، يؤمن بها، ايمانه بوطنه وشعبه، عند اعتقاله، كان في ريعان الشباب والقوة، حيث كان عمره يوم اعتقاله 29 عاما، كذلك رفيقته، سمر خالد، الشابة السمراء اللون، الجامعية الفلسطينية الحالمة والثائرة، والتي تحمل في ملامحها وبنيتها، كل ملامح بنات شعبها الفلسطيني، والمفعمة بالعواطف الانسانية والخلاقة، من مخيم عين بيت الماء في نابلس، والتي ما زالت في مقتبل عمرها، اثناء دراستها الجامعية، حيث كان عمرها 21 عاما، وتحمل فكرا يساريا تقدميا، وتعرف معنى النضال الحقيقي، وعواقبه الوخيمة ايضا، ولذلك، لم تأبه لمستقبل مصيرها وارتباطاتها الشخصية، طالما هي تعلم ايضا، ان مشوار النضال طويل وشاق، ومثالبه متنوعة وخطيرة، طالت وتطال تقريبا كل ابناء شعبها المناضل، لهذا كانت مؤمنة بقدرها، ولن تتزحزح عن مواقفها ومبادئها، ووعودها وعهودها ونضالها، مهما كانت النتائج المحيطة بها، قيد انملة، وكان مقدر لها ان ترتبط بوجدانها وباحلامها، بفارسها الفلسطيني المغوار، تحلم به شخصيا، كأي شابة فلسطينية تحلم، لن تتخلى عنه، مهما ضاقت الظروف بها، وهذا ما التزمت به امام ربها، وأمام من تحب، ومن ترتبط به، ومن تبني مستقبلها معه. تعاهدا كل من سمر وحلمي، أثناء دراستهما الجامعية في جامعة بير زيت، على التواصل معا، وبناء مستقبلهما المشترك، بالتعاون والتفاهم والتآلف، ووضعا الخطط المستقبلية لمستقبلهما الموعود، بعد تخرجهما من الجامعة، وحتى ينهيا دراستهما الجامعية على خير ما يرام. تسير الأيام الى الأمام قليلا، وفي اعوام الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الثمانينات، يشاء القدر ان يتهم الشاب حلمي، الطالب بجامعة بير زيت، بانه يخطط لعملية عسكرية خاصة، ضد قوات الاحتلال الصهيوني، ويعتقل على اثرها، من قبل سلطات الاحتلال، ويوضع في السجن قيد الأعتقال والتحقيق، كي يقدم للمحاكمة الصهيونية العسكرية بهذه التهمة، حدث هذا في شهر نوفمبر من العام 1987م، وكان اثناءها ما زال طالبا في جامعة بير زيت يدرس علم الأجتماع. علمت زميلته سمر خالد، ورفيقة دربه النضالي بالخبر، فوقع عليها الخبر مدويا وصاعقا، وتأثرت كثيرا لما حدث لزميلها، ورفيق دربها، وزوجها المستقبلي الموعود، فانتابتها شكوك كثيرة، لكيفية التصرف في مثل هذه الحالة التي المت بها، وما تفعله اتجاه هذا الخبر المؤلم والمحزن حقا، الذي تواجهه، فهي ورفيق دربها حلمي، ما زالا في بداية حياتهما الجامعية، ولم يستكملا بعد، مخططهما في الارتباط معا، حسب الأصول المتبعة في مثل هذه الحالات، بانتظار تخرجهما من الجامعة، كي يخطوا خطوات عملية وموضوعية، على مرأى ومسمع الناس، كالعادة المتبعة بين ابناء شعبنا الفلسطيني. اما حلمي، فلم ينم الليل ولا النهار بعد اعتقاله، ووضعه في السجن، فكان يقدر العواقب الوخيمة، لأفعاله التي يقوم بها، اتجاه العدو الصهيوني، ويقدر بانه على وشك الاعتقال او الاستشهاد بكل لحظة، كبقية ابناء شعبه المناضل، ويعلم ان العدو الصهيوني، لا يفرق بين مناضل سياسي او مناضل عسكري، فالفلسطيني، هو مستهدف في كل الحالات، مهما كان نضاله صغيرا او كبيرا، ومهما كانت التهم الموجهة اليه، ويعلم جيدا ايضا، بانه ليس افضل من ابناء شعبه الذين استهدفوا واستشهدوا، او اعتقلوا من قبل، وذاقوا الأمرين من السجن والسجان، ولكنه في نفس الوقت، لم ينس حديثه ووعوده لرفيقة دربه وزميلته الجامعية سمر، وكيف له ان ينساها هو؟؟؟ بعد ان عقد العزم معها على مواصلة النضال واستكمال مشواره الطويل ايضا، وتقضية بقية العمر معها، هل كل هذا سيضيع ادراج الرياح؟؟؟؟؟؟ أو يضيع في البحر؟؟؟؟؟ كان يتساءل، ويتحاور مع نفسه كثيرا، بعد اعتقاله؟؟؟؟؟؟؟؟؟ يا ترى، هل اتفاقي مع زمليتي ورفيقة دربي سمر، سينتهي عند هذا الحد؟؟؟ هل الاعتقال والعيش خلف قضبان السجن والسجان، هو نهاية مصيري مع سمر؟؟؟؟ هل حقا سمر، ستتخلى عني، وتنساني وتبيعني لأول شخص سيتقدم لخطبتها؟؟؟؟ وهل ستنتهي احلامي وطموحاتي وما خططت له مع سمر، خلف قضبان السجن؟؟؟؟؟ وهل وهل وهل، هكذا الكثير من الأسئلة التي تخطر على باله، يسالها لنفسه، ثم يجيب عليها، ويقول مرة في سؤال سأله لنفسه بعد القاء القبض عليه تمهيدا لمحاكمته، اذا حكمت علي المحكمة، ان اكون معتقلا لعشرات السنين، لذنب وطني ارتكبته، هل يعقل ان تنتظرني سمر؟؟؟؟ عشرات السنين حتى تتزوجني؟؟؟ وفقا لما تعاهدنا عليه فيما بيننا؟؟؟ ولماذا تقبل سمر؟؟؟ ان تضحي بحياتها ومستقبلها في انتظاري؟؟؟ من اكون انا حتى تنتظرني طول هذه المدة؟؟؟؟؟؟؟ وقد يكون هناك العشرات من ابناء شعبي، افضل مني كثيرا: او مثلي على الأقل، يتمنوا الزواج منها، وقد لا اخرج من السجن مدى الحياة، من يستطيع ان يعلم أو يتنبأ بهذا؟؟؟؟ بطبيعة العدو الصهيوني، واحكامه الجائرة والاجرامية، وحتى لو خرجت بعد سنين الاعتقال الطويلة، هل سأبقى انا حلمي الذي عرفته سمر؟؟؟؟ ولن تتغير مشاعري، أو أي شيء آخر بي؟؟؟؟؟ وهل حقا ستبقى سمر؟؟؟ كما عرفتها بأول علاقاتي معها بحماسها وعواطفها الجياشة نحوي، الن يؤثر غيابنا عن بعض، مدة سنوات الاعتقال الطويلة!!!!!! على طبيعتنا وسلوكنا ومشاعرنا نحو بعضنا البعض!!!!!! وعلى علاقاتنا الموضوعية، وما ذنب سمر؟؟؟ ان تنتظرني لعشرات السنين؟؟؟ وتتعذب لعذابي في السجن، لما اقترفته من عمل وطني اتجاه شعبي ووطني، اتحمل انا مسؤوليته لوحدي فقط، لماذا لا تفكر هي بحالها وبمستقبلها وتنساني؟؟؟؟ وتبحث عن شخص غيري، يلبي احتياجاتها، طالما اصبحنا بعيدين عن بعض كما شاء القدر لنا ذلك، ولن نلتقي ابدا، فنحن لسنا مخطوبين بعد، وانا اعرف شعور رفيقتي سمر، وحقيقة شعورها نحوي، وانها ستنتظري عشرات السنين، وحتى اخرج من المعتقل، ونستكمل احلامنا واجراءات ما اتفقنا عليه فيما بيننا. مع هذا وذك، لن ارغمها على انتظاري، ولست مقتنعا بأن تنتظرني طيلة سنوات اعتقالي، مهما طالت او قصرت هذه المدة، كما ان الشرع الديني يقول، من حق اي زوجة ان غاب عنها زوجها لمدة ثلاثة سنوات، ان تعتبر نفسها طالقا منه، فما بالكم بانني انا شخصيا، غير مرتبط بسمر، بأي ارتباط شرعي أو رسمي!!!!!! وكل ما بيننا، هو مجرد كلام شفهي، وغير موثق، اذن هل من حقي ان اطلب منها انتظاري؟؟؟ أو ان اقول لها، ان تبحث عن شخص آخر غيري؟؟؟؟ وهذا من حقها طبعا. لم تنته علاقة سمر، مع رفيق دربها وزميلها الجامعي حلمي، بمجرد اعتقاله، تمهيدا لمحاكمته، بل كانت تتابع اخباره كل لحظة ودقيقة، بل، وكل ساعة وكل يوم، وتنتظر محاكمته والحكم الذي سيصدر بحقه، على احر من الجمر. تتواصل اتصالات سمر مع رفيق دربها حلمي، وهو في المعتقل الصهيوني بطرق شتى، وتطمئن عليه، وتطمئنه عن حالها، بكل الوسائل الممكنة، وتشحذ من هممه، وتشد من ازره، وتعلمه بانها ما زالت محافظة على العهد والوعد والود الذي يربطها به، وانها لن تنساه او تتخلى عنه، مهما طالت سنين اعتقاله، وينشرح صدر حلمي كثيرا، لما سمعه من اصرار رفيقة دربه سمر، على مواصلة حبها وانتظارها له، مهما طال به المقام في السجن. يأتي اليوم الموعود، وهو يوم تحديد موعد محاكمة الأسير المناضل حلمي الأعرج، وتتابع سمر جلسات المحاكمة على احر من الجمر، وكان قرار المحكمة هو الحكم على رفيقها حلمي بالسجن اربع سنوات ، فينشرح صدرها وتفرح كثيرا، بالرغم من ان هذا الحكم جائر ومؤلم، بحق رفيق دربها حلمي، حيث ان مدة السجن هذه، ليست بالطويلة عليها، وهي على استعداد لتحملها وتصبر على ألمها ومعاناتها خلالها، ولكن حقيقة مدة الحكم، لم تكن بأربع سنوات كما ذكر، حيث تمت مضاعفة الحكم من قبل المدعي العام، ليصبح ثمان سنوات، وليس اربع، ولم يكن يعلم كيف يعلن هذا الخبر، لرفيقة دربه سمر، خوفا من ان يضعف هذا، من اصرارها وتصميمها على انتظارها له، والزواج منه، ولكن سمر، استطاعت ان توصله موقفها مرة اخرى، وتقول له خلال زيارتها له، بانها تعلم، بان الحكم الذي صدر بحقه هو لمدة ثمان سنوات، وليس باربع سنوات، وحتى لو كان لعشرات السنين، فلن تتخلى عنه، وستبقى تنتظره حتى يوم ان يفرج عنه، طال الدهر او قصر، وكان وقع كل هذا، على الأسير والمناضل حلمي، عظيما ورائعا ومدويا، شد من ازره كثيرا، وخفف من معاناته، وزاد من امله، بالخروج من المعتقل والزواج ممن يحب عاجلا او آجلا. عندما شعر الأسير والمناضل حلمي، مدى تصميم رفيقة دربه سمر، وزميلته الجامعية، على انتظاره، حتى يوم الزواج منه. قدر حلمي هذا الموقف من رفيقة دربه سمر خالد كثيرا، وزاده تعلقا بها واصرارا على الارتباط بها مهما كانت ظروفه، لذا طلب من اهله واقربائه العمل فورا، على خطبة رفيقته سمر من اهلها، وكتب كتابه عليها، ومهما كلفهم هذا الأمر من جهد وصعاب، وعلى ضوء ذلك، تمت الاجراءات المناسبة لخطبة سمر من قبل أهله، وكتب الكتاب عليها ايضا، وبأسرع من البرق، واصبحت سمر خالد، رفيقة درب حلمي، زوجته الشرعية، وفي اول زيارة لسمر لزوجها الشرعي والحقيقي حلمي، كانت مفاجأة سارة وجميلة جدا، لكل الأسرى المعتقلين بجانب حلمي، حيث احييت سمر خالد زوجة حلمي الشرعية، حفلة غنائية رائعة من خلف الاسلاك الشائكة، والحواجز بين الأسرى والزوار من الأهل والأصدقاء، والمعروف عن سمر خالد، بانها مغنية الثورة الفلسطينية، ومغنية الجبهة الديموقراطية، فهي تملك صوتا رائعا ومدويا وخلاقا وابداعيا وعذبا، وقد اعتادت على الغناء في الكثير من مناسبات الثورة الفلسطينية والجبهة بشكل خاص، ولها العديد من اشرطة الكاسيت في الاسواق الفلسطينية، فكان يومها عرسا فلسطينيا لا ينسى من قبل سمر خالد وحلمي ورفاقه في السجن، حيث رقصوا ما فيه الكفاية، وغنوا ايضا، وتحدوا سجانيهم بكل عنفوان وقوة، وكان عرسا فلسطينيا رائعا بحق وبحقيقة، لم تعهده سجون الاحتلال من قبل، وبهذا يكون الفلسطيني خلاقا دائما، ولا تعدمه الحيلة والاصرار، رغم نازية العدو وفاشيته الاجرامية. حرصت سمر، بعد هذا كله، على زيارة زوجها الشرعي، ورفيق دربها النضالي، وزميلها الجامعي، داخل معتقلات العدو الصهيوني، كل اسبوعين، حسب ما هو متبع في مثل هذه الحالات. ولم يفتها يوم زيارة واحدة قط، طيلة مدة اعتقاله والبالغة ثماني سنوات، وهو في السجن، الى ان تم الأفراج عنه، نهاية مدة محكوميته، في العام 1995م، وما ان تم هذا، حتى تم زواجه من رفيقة دربه سمر، بتاريخ 17/11/1995م في حفل رائع وبهيج، ضم العشرات من رفاق دربه واهله واهل عروسته، واليوم يكون قد مضى على زواجهما ما يقارب 16 عاما، وأنجبا خلال حياتهما الزوجية حتى يومنا هذا، ثلاثة من البنات، تتراوح اعمارهم ما بين 8- 14 عاما هذه قصة حقيقية وحية، للمناضلة الفلسطينية الرائعة سمر خالد، زوجة المناضل الفلسطيني حلمي الأعرج، والتي تعتبر نموذج حي وساطع، تعبر عن نضال وتضحيات المراة الفلسطينية، وهناك العشرات والمئات من القصص، امثال قصة سمر خالد، فالتحية لها ولزوجها، ولكل مناضلات ومناضلي شعبنا الفلسطيني.