لا زال الحمالون والكتاب العموميون من عمال ميناء طنجة ينتظرون تسوية وضعيتهم منذ صدور قرار توقيفهم عن العمل من طرف السلطات بعد توقف نشاط بواخر المسافرين في ميناء طنجة، وتنقيله إلى الميناء المتوسطي ، فبالرغم من الإلحاح المستمر للسماح لهم بمزاولة نفس العمل الذي كانوا يقومون به في الميناء الجديد(طنجة المتوسط)، أصرت الجهات المسؤولة، على تصفية ملفهم بمنحهم تعويضا رمزيا عن هذا التسريح، حيث تم وعدهم بعد لقاءات مارطونية بمنحهم تعويضا رمزيا لا زال معلقا إلى الآن ،إلأ أنه رغم مرور عدة أشهر على توقيع اتفاق بروتكول في شهر شتنبر 2010 من طرف السلطات وأربع جمعيات ممثلة للعمال ، لم يتم التوصل بشيء من ذلك مما جعل العمال يعانون من التشرد والضياع، ويتعلق الأمر بمصير 307 من العاملين الموزعين على صنف الحمالين، والكتاب العموميين، والحمالين المرتبطين بالنقل الدولي الذين يعيشون منذ ثمانية أشهر في بطالة تامة. فهذا القطاع الذي يراكم خلفه تاريخا حافلا بالمعانات الجامعة بين التهديد اليومي بالطرد والحرمان من القوت ، وبين أخطار المهنة، وعدم استقرار العمل، وغياب الضمانات القانونية بسبب المضايقات التي لا حصر لها، وهي حالة تعكس المآل السيئ لقطاع عريض من المواطنين الذين ارتبطت حياتهم بهذا الميناء منذ عدة عقود، بل يتعلق الأمر بكل المهنيين والحرفييين المتواجدين داخل الميناء وفي الجوار والذين يطلب منهم اليوم أن يستعدوا للرحيل ، وأن يولدوا من جديد بعد انطلاق أشغال إعادة هيكلة الميناء القديم ضمن مخطط وكالةتهيئة ميناء طنجة ، فالقرارسيطال مصير آلاف الأشخاص الذين يرتبط قوتهم بأنشطة الميناء المختلفة ، من صيد وتجارة وصناعة، والمستهدف أيضا هو الإنعاش الاقتصادي المرتبط بعملية العبور. فبتاريخ 14 ماي 2010 عقدت جمعية الحمالين بالميناء لقاء مفتوحا بمقر غرفة التجارة والصناعة بطنجة، تم خلاله التذكير باللقاء الرسمي الذي عقد بالولاية والذي أعلن فيه أنه ابتداء من 17 ماي 2010 سيتم نقل جميع الأنشطة البحرية للسفن القادمة من الجزيرة الخضراء ، وخلال هذا اللقاء نوقشت كل القضايا المرتبطة بالرسو، وبالطاقة الاستيعابية للرحلات البحرية دون أن يتم التطرق لمصير هذه الشريحة الاجتماعية . ولما طرح السؤال على المسؤولين بخصوص مصير العمال ، كان الجواب هو أنه لا مكان لهم في الميناء المتوسطي، وبدأ الحديث عن تمكينهم من مهن أخرى بديلة . فعقدت في هذا الصدد عدة لقاءات مع رئيس الشؤون العامة الذي قدم وعودا باسم السيد الوالي لتعويض العمال دون تحديد نوعية التعويض وحدوده الممكنة آنذاك . وفي سياق التعبير عن الاحتجاج، تساءل المتدخلون عن موقعهم من الإعراب ضمن مخطط التنمية البشرية الذي يعد بمحاربة الفقر والتهميش والإقصاء، وتساءلوا عما إذا كان الأمر لا يعنيهم باعتبارهم مواطنين ؟ وكان المطلب خلال هذه المرحلة هو فتح حوار مباشر مع الوالي ، لكن الأمل لم يتحقق، وظل الملف يتدحرج إلى حد الساعة دون أن يتوصلوا بالتعويض الموعود، علما أن العمال يرتبطون بهذه المهنة بشكل حميمي لأنها مصدر قوتهم الوحيد، ولكونهم لا يعرفون غيرها، كما أنهم زاولوها لعدة عقود، بل إن البعض منهم قد ورثها عن آبائه الذين واكبوا تطور الميناء منذ نشأته سنة 1905 ، حيث يتواجد ضمنهم أشخاص مسنون يتجاوزون 80 سنة من العمر . وعن ظروف عملهم في الميناء ، يقولون إنها لم تكن مفروشة بالورود خلال كل المراحل ، فبتاريخ 28-12-2005 توصلوا بقرار التوقيف من العمل لأسباب واهية، وظلوا يعانون البطالة والتشرد والتهديد إلى حين إرجاعهم بتاريخ 8-6-2006 ، وبعد العودة حددت لهم الجهة التي يمكن التواصل معها، واستأنفت الجمعية المهنية تأطير المنخرطين وتنظيمهم وفق نظام التناوب العادل الذي يضمن لهم حق العمل (واقتسام الصبر) خلال ساعات محدودة في الأسبوع بسبب كثرة عدد العاملين. وأثناء ذلك فوجؤوا بوقوع خروقات صادرة عن بعض الغرباء الذين تم دسهم وسط قطاع الحمالين والكتاب العموميين من أجل توريطهم ، حيث بدأ وقوع السرقات والمشاكل المتعددة التي كانت تنسب ظلما للحمالين من أجل خلق المبررات لطردهم من الميناء، مما دعا الجمعية إلى مراسلة الجهات المسؤولة لتنبيهها إلى المشاكل القائمة والإعلان عن براءتها مما يحدث هناك . ولقد ظل تعليل السلطات لقرار التخلص من الحمالين هو عدم وجود هذا الصنف من العمل في الميناء المتوسطي الذي سيشتغل وفق معايير ومواصفات حديثة ومتطورة ، علما أن الميناء تتواجد به عناصر تزاول نفس المهنة تابعة لشركة الأمن الخاص. يقولون نعم "إننا لم ندرس ولا نتوفر على شواهد لأن آباءنا كانوا فقراء وأميين ، وظلوا منشغلين بهم الوطن وهو طرد المستعمر، ولذلك أهملوا تعليمنا ، وألان بعد 50 سنة من الاستقلال نسأل عن المستوى الدراسي، ؟" وفي غضون هذه الأزمة توجهت الجمعية برسالة إلى الوالي وعدة جهات حكومية للتأكيد على أحقيتها في العمل ، وعلى الحق المكتسب بفعل الأقدمية في مزاولة هذه المهنة برخص كانت تجدد كل سنة. وتم الاستناد إلى فصل قانوني ينص على صفة عون جمركي ممثل في شخص الحمالين الذين يعملون إلى جانب أطر إدارة الجمارك. . وحول تاريخ المهنة، يقول العاملون "إنها بدأت في ميناء طنجة سنة 1905 ، ومنذ ذلك التاريخ والعمال يقدمون خدمات جليلة للوطن بتنسيق مع الجهات المسؤولة التي ساهمت في صد عدد من الأخطار منها (تهريب الممنوعات ، تسرب المشبوهين..وتعبئة المستودعات الخاصة بالمحجوزات،..) والمؤسف أنه يتم اليوم عقابهم لكونهم قد سلموا رسالة إلى جلالة الملك الذي أمر بإرجاعهم إلى العمل في سنة 2006. ويذكرون أنه أثناء زلزال الحسيمة تطوع العاملون للعمل بالمجان لحمل المساعدات المنقولة عبر البواخر خلال تلك المحنة . كما أنهم قاموا سنة 2008 بتنظيم رحلة جماعية إلىمدينة العيون رفقة الفرق الفنية التقليدية بالمنطقة للمشاركة في مهرجان ثقافي للتعبيرعن تأييد المبادرة الوطنية الخاصة بمنح صفة الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء. وقد تخلل الرحلة اصطحاب وفد من أطفال الصحراء رفقة أطرهم التربوية من أجل التخييم في مخيم الغابة الديبلوماسية بطنجة . وبعد مرور أزيد من ستة أشهر على المشكل القائم يذكر المعنيون بالأمر بمحطات الحوار، كما يتساءلون عن مصير النتائج التي تم التوصل إليها رغم هزالتها ؟ فالحوار قد استمر منذ شهر فبراير 2010 ، وأسفر عن تقديم وعود خاصة بالتعويض المحدد في مبلغ 60 ألف درهم بالنسبة ، وقيل إن شركة تهييئ ميناء طنجة ستساهم ب600 مليون سنت وهو ما يعادل 1/ من رأسمالها، ثم تخصيص 40 رخصة للنقل المزدوج، ورخص لنقل العمال، - علما أن هذا الصنف يمكن الحصول عليه بمجرد تأسيس شركة في الميدان - وكان الاتفاق هو أن تتحقق الاستفادة في أقرب الآجال، لكن التماطل ظل هو سيد الموقف.. وكان طرح الجمعيات خلال حلقات الحوار ، هو " أننا لا نريد تعويضا ، ولكن نطلب شغلا لا يكلف الجهات المسؤولة شيئا، لأن عملنا يرتبط بعملية العبور والعمل مع المسافرين.." ولازال العمال يتساءلون لماذا تم منعهم من العمل في الميناء المتوسطي؟ فهل الحقيقة هي كون الميناء -كما يقول المسؤولون - خاضع لمواصفات معينة خاصة بالوكالة الخاصة طنجة المتوسط؟ علما أنه تم تفويت مهمة الحمالين إلى القطاع الخاص الذي قام بتشغيل عدد من الحمالة يتراوح بين 20 و30 شخصا تم جلبهم من جهات أخرى، فلماذا لم تعط الأسبقية لشريحة الحمالين في طنجة ؟ لقد تم عقد لقاء مع ممثلي جمعيات العمال والعمدة السابق ببيته بتاريخ 9 مارس 2010 بعد الزيارة الملكية لميناء طنجة للتوقيع على اتفاقية إنشاء شركة تهيئة ميناء طنجة المدينة، وكانت الغاية من اللقاء هي الاطلاع على الملف ، باعتبار أن الجماعة طرفا في المشروع ، وقدمت له كل المعطيات، ووعد بأن يساهم في إيجاد الحل في أقرب وقت ممكن، بما في ذلك إمكانيات التشغيل في الميناء المتوسطي لجميع الأشخاص أو بعضهم.. وعقد لقاء ثان بمنزله يوم 18 يونيو 2010 بحضور الكاتب العام الجديد للولاية وبعض المنتخبين، ومدعوين من قطاعات مختلفة ، حيث طرح المشكل من جديد بناء على العروض والمقترحات التي طرحتها الولاية ، وكانت ملاحظات الجمعيات أن العروض غير مشجعة، وأنها لن تساهم في معالجة المشكل. واتفق أخيرا على المطالبة بالرفع من القيمة المالية للتعويض، وأن تمنح رخص النقل المزدوج للأشخاص الراغبين بصفة فردية، ثم تقديم تسهيلات بنكية لاقتناء السيارات. ويقولون إنه منذ ذلك التاريخ تم طرق كل الأبواب ، وفي المقابل تم منع المعنيين بالأمر من الاقتراب من موكب زيارة جلالة الملك للميناء يوم 30 -6-2010 ، ولما حاول أحد المتضررين تسليم رسالة تعرض للاعتقال ثم أطلق سراحه. وبخصوص المستويات التعليمية المتوفرة لديهم والتي تطالب بها الجهات المسؤولة كشرط لإدماج هؤلاء في سوق الشغل ، يسجل تواجد 40 شخصا ضمن صنف الكتاب العموميين يتوفرون على مستوى تعليمي يتراوح بين الثانوي والجامعي من أصل 307 عاملا ومستخدما. وقد حددت العروض الخاصة بالنقل والحراسة والنظافة والسياقة شروطا تعجيزية منها السن الذي لا يجب أن يتعدى 35 سنة، ومستوى الباكلوريا، علما أن أغلبهم يتجاوزون هذه السن بكثير، كما أنهم حرموا من الدراسة ولا يتوفرون على شواهد تعليمية، فكيف تعرض عليهم هذه الشروط داخل أجل محدد من أجل المشاركة في المباراة، أليس ذلك هو الإقصاء والحرمان من حق العمل بالطرق الملتوية؟ فهؤلاء العمال(وخصوصا الكتاب العموميين) كان عملهم يمتد إلى خارج الميناء صيفا، حيث كانوا يتواجدون إلى جانب المهاجرين في محطات الاستقبال (بكزناية ، وملباطا المهددتين بالإغلاق) ثم أخيرا محطة حجرة النحل التي لا زالت في طور الإنجاز، ومعناه أن هؤلاء لم يكونوا يشكلون أي عبء على الجهات المسؤولة ، كما كانوا يشتغلون في إطار منظم ، ويتوفرون على رخص، والأهم أنهم كانوا يؤدون خدمات للمواطنين وللجهات المسؤولة . وللإشارة فإن ميناء طنجة المدينة شهد خلال شهر أكتوبر الأخير (2010) ترحيل بعض البواخر الخاصة بالمسافات الطويلة وعددها 3 بواخر كانت تربط طنجة (بإطاليان وإسبانيا) إلى الميناء المتوسطي .وينتظر قريبا ترحيل جميع البواخر الخاصة بالمسافات الطويلة ، لكن يتوقع الاحتفاظ بباخرتين سريعتين بين ميناء طنجة وميناء طريفة، ويشاع أن عملهما سيكون مقتصرا على نقل المسافرين دون السيارات . فبعد سرد هذا السجل الحافل بالمعاناة والآلام التي تتخبط فيها هذه الشريحة الاجتماعية ، فهل ستبادر الجهات المسؤولة إلى التعجيل بحل المشكل ، وإرضاء المتضررين بشكل يضمن الحفاظ على حقهم في العيش الكريم والاستقرار من خلال خلق فرص التشغيل ضمن المشاريع المتوفرة التي تسمح بذلك، والمطلوب أكثر من ذلك هو التمهيد لاستقبال الحالات المماثلة التي ظهرت بوادرها في عدة قطاعت منذ الإعلان عن انطلاق مشروع تهيئة ميناء طنجة ، وهو ما يعني ضرورة فتح هذا الملف ومناقشته مع كل المتدخلين من أجل إيجاد حل للمشاكل التي ستطرح حاضرا ومستقبلا والتي ستشكل عائقا للتنمية المستدامة بهذه المنطقة .