تبت المحكمة العليا بأمستردام في العشرين من الشهر الحالي في الدعوى التي رفعتها جمعيات مدنية اسلامية ومناهضة للعنصرية وبذلك يكون القضاء الهولندي قد دخل كطرف ثالث في السجال الدائر بين زعيم حزب الحرية اليميني خيرت فيلدرز وبين منتقديه. في حوار مع إذاعة هولندا العالمية، استبعد الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة تراو الهولندية إيلدارت مولدر أن تحسم المحكمة العليا السجال "نظرا للصعوبة البالغة في تحديد مفهوم التمييز العنصري"، فإن فيلدرز سيسعى إلى توظيفها لصالحه انطلاقا من تشديده على حرية الرأي والتعبير. لا بد من مواصلة الحوار وعن الموقف المناسب من اطروحات فيلدرز يؤكد محرر ملف الشرق الأوسط في صحيفة "تراو"على ضرورة الحوار من أجل التوصل إلى نتائج ايجابية تصب في مصلحة الهولنديين والمسلمين في هولندا : "من السهل جدا أن ترفض أفكار فيلدرز وتتبنى مقاطعة أفكارها أو الاستهزاء بها ، إلا أن هذا الأسلوب لن يحقق اية نتائج ، ومن الأفضل التعمق في أفكار فيلدرز ودحضها عند الضرورة، خصوصا وأنه يعبر عن أفكار وتوجهات شريحة واسعة من الهولنديين دون أن يكونوا من أتباع حزبه بالضرورة وإذا نجح المسلمون في الإجابة على الأسئلة التي يطرحها فيلدرزفي هذا المضمار، فسيكون ذلك في صالح المجتمع الهولندي وفي صالح المسلمين أيضا . ويشدد مؤلف كتاب "المصادر الخلافية في الإسلام " على خطورة أن تسود تصورات زعيم حزب الحرية اليميني خيرت فيلدرز: "ان الكارثة هن ان تنتصر افكار فيلدرز عن المجتمع بشكل نهائي وقاطع بما فيها الأفكار التي تخص المسلمين ". وحول مبادرات الحوار بين فيلدرز والمسلمين يقول مولدر: "صحيح أن فيلدرز قد رفض الدعوة للحوار ، لكنه غير قادر على إغلاق باب الحوار بشكل تام ، كما يمكن لمسار الحوار أن يشق طريقه بسبل عديدة . حينما شاهدت فيلم "فتنة" تعرفت على سوء الفهم الكبير والمحوري في أطروحات فيلدرز وتصوراته عن الإسلام والمسلمين، فهو لا يفرّق بين المسلمين المعتدلين وبين المتطرفين، وتحليله قائم على أساس افتراض حرب بين المسلمين من جهة وسائر العالم من جهة أخرى، ولا يدرك أن الصراع محتدم في إطار الدين الإسلامي ذاته بين المتطرفين وبين الغالبية المعتدلة ". مساهمة المسلمين برأي مولدر اكثر من ضرورية لتقديم وجهات نظرهم في المواضيع الاجتماعية والسياسية في هولندا. حسب مولدر عليهم أن يجيبوا على هذا سؤال لماذا تؤيد هذه النسبة الكبيرة من الهولنديين آراء فيلدرز؟ والإجابة على هذا السؤال تتطلب التعمق في الأفكار الأساسية لفيلدرز واكتشاف نقاط الضعف ونقاط القوة فيها . بالنسبة لموقف المثقفين الهولنديين يرى مولدر أن هناك صنفين من المثقفين الهولنديين، الأول في موقع التبرير لمواقف المسلمين في أوربا ويتجاهل نوايا المتطرفين منهم، وفي المقابل هنالك مجموعة تحيل كل المشاكل والأزمة الاقتصادية إلى الإسلام والمسلمين، ولا ينظر إلى الجوانب الايجابية في الدين الإسلامي، والتي يمكن أن تساهم في تجنب الأزمة الاقتصادية بحكم مواقفها الصارمة من الربا، وهو المحور الأساس في تسبب الأزمة الاقتصادية. بعض المثقفين يبررون تصرفاتهم بثقافة ميتة، يدعون انتماءهم إلى الثقافة المسيحية – اليهودية من ناحية ن وإنهم يمثلون الامتداد الحقيقي لخطاب التنوير وقد غاب عن أذهانهم أن التنوير طريقة عقلية، قبل أن يحصر بالتاريخ فقط ، ليست هناك هوية ثقافية مستقرة ، هناك ثنائيات مصنعة ومفتعلة ، ولابد من رفض الاستعلاء الثقافي مادام مفهوم الثقافة غير محدد، وشخصيا كهولندي قرأ معظم أعمال نجيب محفوظ وروائيين عرب آخرين ، أعتقد أن هذا الموروث الثقافي هو أساسي في تكوين "هويتي الثقافية" مع ذلك يؤكد مولدر أن المسؤولية تقع في جانب كبير منها على المسلمين في الدفاع عن أفكارهم وتصوراتهم وتقديم حلولهم المقترحة للمشاكل الأساسية في المجتمع الهولندي . أما المهاترات والسخرية والاستهزاء فهي عديمة الفائدة ولا تبني أسسا للتواصل بين المسلمين والهولنديين