الحزب الحاكم في البرازيل: المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    جوائز الكاف: المغرب حاضر بقوة في الترشيحات لفئات السيدات        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    السلطات المحلية تداهم أوكار "الشيشا" في أكادير    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض        حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في اليوم العالمي للأرشيف : أية تحولات للأرشفة في زمن "ما بعد كورونا" ؟
نشر في تطوان بلوس يوم 07 - 06 - 2020

يحتفل العالم يوم التاسع من شهر يونيو الجاري، باليوم العالمي للأرشيف (أقره "المجلس الدولي للأرشيف" – الذي تأسس في 9 يونيو 1948م بدعم من "اليونسكو"- لتعزيز آليات التعاون بين المؤسسات الأرشيفية عبر العالم، والارتقاء بمستوى ممارساتها الأرشيفية)، في ظرفية خاصة واستثنائية مرتبطة بجائحة "كورونا المستجد" – كوفيد 19- التي لم تربك العالم فحسب وتزحزح الكثير من الرؤى والمفاهيم والأولويات والاختيارات، بل، و أحدثت ثورة رقمية ناعمة "فجائية"، مست الكثير من القطاعات والميادين، في ظل إقدام دول العالم، على تنزيل تدابير استعجالية تكاد تكون نسخا "طبق الأصل"، من قبيل إغلاق الحدود الوطنية، وفرض حالات الطوارئ الصحية وحظر التجوال وفرض القيود على التحركات والتنقلات، كتدابير وقائية واحترازية، تحكمت فيها هواجس التصدي للفيروس التاجي والحيلولة دون انتشار العدوى، وهي تدابير متعددة المستويات، فرضت الاستنجاد بالرقمنة وما تتيحه تكنولوجيا الإعلام والاتصال من إمكانيات وفرص تواصلية، لتأمين استمرارية العمل والأنشطة والخدمات، والإبقاء على جسور التواصل قائمة بين الإدارات والمقاولات ومرتفقيها وزبنائها، مما أطلق العنان لبروز ممارسات إدارية وتواصلية جديدة، أو على الأقل لم تكن حاضرة بنفس القوة والحدة، من قبيل "التعليم عن بعد"، "العمل عن بعد"، "التقاضي عن بعد"، "الاجتماعات عن بعد"، "التجارة عن بعد"، "اللقاءات والبرامج الإعلامية عن بعد"، "الصحافة الورقية عن بعد"، "الاستشارات الطبية عن بعد"… إلخ.
وهي فرصة لاستحضار مسلسل بناء المنظومة الأرشيفية الوطنية، التي مرت عملية إرساء لبناتها عبر محطات، أولها: إصدار القانون رقم 69.99 المتعلق بالأرشيف (30 نونبر 2007) الذي شكل أول قانون أرشيفي في مغرب الاستقلال، ثانيها: إصدار المرسوم رقم 2.08.543 القاضي بتحديد أعضاء المجلس الإداري لأرشيف المغرب (21 ماي 2009)، ثالثها: ارتبط بمنشور صادر عن السيد رئيس الحكومة رقم 11/2011 المتعلق بالوثائق الإدارية والأرشيفية الصادر بتاريخ 6 أكتوبر 2011، رابعها: إصدار المرسوم التطبيقي رقم 2.14.267 القاضي بتحديد شروط وإجراءات تدبير وفرز وإتلاف الأرشيف العادي والوسيط، وشروط وإجراءات تسليم الأرشيف النهائي (4 نونبر2015)، وخامسها: إصدار المرسوم رقم 2.17.384 القاضي بإحداث المجلس الوطني للأرشيف (8 غشت 2017)، وبذلك، نستطيع القول أن بناء الصرح الأرشيفي الوطني، قد استكمل منذ سنة 2015 بإصدار المرسوم التطبيقي الذي حدد هندسة تدبير الأرشيف العامة، وهذا البناء التشريعي، أسندت مهام تنفيذه لمؤسسة "أرشيف المغرب"، وهي مؤسسة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، و التي تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بتعيين مديرها في شخص الأستاذ الجامعي والباحث في التاريخ المعاصر "جامع بيضا" بتاريخ 30 مارس 2011، وأعطيت انطلاقتها الرسمية غضون أواخر شهر ماي 2011 (27 ماي)، وصنفت سنة 2012 ضمن قائمة المؤسسات العمومية ذات الطابع الاستراتيجي، اعتبارا لأدوارها التاريخية والعلمية والتراثية والهوياتية والحقوقية والحداثية وغيرها.
يوم عالمي للأرشيف يحل – كما تمت الإشارة إلى ذلك- في ظرفية خاصة واستثنائية مرتبطة بجائحة "كورونا"، التي لم تربك العالم فحسب وتزحزح الكثير من الرؤى والمفاهيم والأولويات والاختيارات، بل، و أحدثت ثورة رقمية ناعمة "فجائية"، مست الكثير من القطاعات والميادين، في ظل إقدام دول العالم، على تنزيل تدابير استعجالية تكاد تكون نسخا "طبق الأصل"، من قبيل إغلاق الحدود الوطنية، وفرض حالات الطوارئ الصحية والحجر الصحي وحظر التجوال وفرض القيود على التحركات والتنقلات، كتدابير وقائية واحترازية، تحكمت فيها هواجس التصدي للفيروس التاجي والحيلولة دون انتشار العدوى، وهي تدابير متعددة المستويات، فرضت الاستنجاد بالرقمنة وما تتيحه تكنولوجيا الإعلام والاتصال من إمكانيات وفرص تواصلية، لتأمين استمرارية العمل والأنشطة والخدمات، والإبقاء على جسور التواصل قائمة بين الإدارات والمقاولات ومرتفقيها وزبنائها، مما أطلق العنان لبروز ممارسات إدارية واقتصادية وتعليمية وتواصلية جديدة، أو على الأقل لم تكن حاضرة بنفس القوة والحدة، من قبيل "التعليم عن بعد"، "العمل عن بعد"، "التقاضي عن بعد"، "الاجتماعات عن بعد"، "التجارة عن بعد"، "اللقاءات والبرامج الإعلامية عن بعد"، "الصحافة الورقية عن بعد"، "الاستشارات الطبية عن بعد"… إلخ.
وفي هذا الصدد، يمكن المجازفة في القول، أن "الجائحة الكورونية" أحدثت إن صح التعبير "ثورة رقمية ناعمة" في حقل الأرشيف الذي كان في شموليته خاضعا لسلطة الأرشيف التقليدية (الورقية)، وتوضيحا للرؤية، نؤكد أن هذه الجائحة، أفرزت أنماطا من التواصل الإداري والمهني والتربوي "غير مألوفة"، أو على الأقل لم تكن حاضرة بهذه القوة وهذه الدرجة، وبهذا السخاء "الرقمي" الكاسح، وضعتنا أمام "أرشيف" بثلاث هويات مختلفة، أولها: الأرشيف التقليدية (الورقية)، ثانيها: الأرشيف "الرقمية" (وثائق ورقية "المنشأ" تمت "رقمنتها باستعمال تكنولوجيا الإعلام والاتصال (حواسيب، ماسحات ضوئية ..)، و"الأرشيف الإلكترونية" (وثائق أرشيفية "إلكترونية" المنشأ)، وتنويرا للرؤية، نؤكد أن المغرب، واجه الجائحة كغيره من الدول، عبر إمكانيات وقدرات ذاتية عاكسة لقرارات متعددة المستويات، تم تصريفها في شكل وثائق "إلكترونية خالصة"، أو عبر جملة من القنوات والآليات ذات الطابع الإلكتروني، تباينت بين البوابات والتطبيقات الإلكترونية، من قبيل : بوابة كوفيد للدعم المؤقت للأسر العاملة في القطاع غير المهيكل المتضررة من فيروس كورونا (www.tadamoncovid.ma))، بوابة الضمان الاجتماعي ( covide19.cnss.ma )، إطلاق تطبيق معلوماتي لضبط مخالفي "حالة الطوارئ الصحية"، إطلاق بوابة إلكترونية ( Covid.dgsn.gov.ma ) موجهة للتواصل مع المواطنين ومصالح الأمن الوطني، حول الممارسات والتصرفات ذات الصلة بخرق مقتضيات حالة الطوارئ الصحية، تنزيل تطبيق "وقايتي" للحد من انتشار وباء كورونا، منصة إيداع شكاية عدم التوصل بالدعم (شكايتنا)، تطبيق "وقايتنا" لتتبع المصابين (wiqayatna) … إلخ.
وارتباطا بالتدبير اليومي للجائحة من قبل السلطات العمومية، راهنت مجموعة من الإدارات العمومية على خيار "الرقمنة" تفاديا لكل المخاطر الصحية المحتملة، ومنها "القضاء" الذي شهد ثورة "غير مسبوقة"، بانخراط محاكم المملكة في تقنية "المحاكمة عن بعد"، وفي هذا الصدد، نشير إلى ما سبق أن صرح به السيد مصطفى فارس – الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية – في كلمة ألقاها بمناسبة انعقاد أول اجتماع مباشر للمجلس الأعلى للسلطة القضائية منذ فرض حالة الطوارئ الصحية، أكد من خلالها أن "المحكمة الرقمية خيار استراتيجي لا محيد عنه في المستقبل القريب"، مشيرا إلى تحقيق حصيلة إيجابية ومؤشرات رقمية وتقنية (ما بين 27 أبريل و 29 ماي 2020)، إذ تم تسجيل (1469) جلسة "عن بعد"، أدرجت خلالها (22.268) قضية، وتم البت في (9035) منها، وهي قضايا استفاد منها ما مجموعه (24.926) معتقلا، وافقوا على محاكمتهم عن بعد، دون الحاجة إلى نقلهم إلى مقرات المحاكم، وكلها ممارسات "رقمية" برزت بقوة خلال هذه الظرفية الخاصة والاستثنائية، وانعكست بشكل مباشر على "الأرشفة"، من منطلق أن كل ما أنتج أو كون من قبل الإدارات خلال هذه الظرفية الخاصة والاستثنائية، هو "ممارسة أرشيفية":
و قد يصعب في الوقت الراهن تشخيص واقع حال الممارسة الأرشيفية في ظل استمرارية الجائحة وما تقتضيه من تدبير يومي لتداعياتها وآثارها على عدد من القطاعات، لكن بالمقابل، يمكن الإشارة إلى أن هذه التصرفات "الإلكترونية" المتعددة الزوايا، أفرزت وتفرز زخما من الوثائق الأرشيفية ذات الطابع الإلكتروني، وهذا الخيار، بالقدر ما أتاح للدولة والمؤسسات العامة والخاصة، فرصا لصناعة القرارات وتيسير سبل تنزيلها وترجمتها على أرض الواقع في إطار من السرعة والسلاسة والشفافية وتقريب الخدمات، وجعلنا نستشعر أننا أمام "ثورة رقمية" آخذة في التشكل في مجال "الأرشفة"، بالقدر ما نجازف في وضعه "تحت المجهر" لاعتبارات ثلاثة:
أولهما: غياب ثقافة لتدبير "الأرشيف الإلكترونية" في ظل واقع ممارسة (سياسي، إداري، اقتصادي، تعليمي، أمني، قضائي، تشريعي …) يتأسس بشكل كبير على "الأرشيف التقليدية" (الورقية).
ثانيها: الإدراك أن اللجوء إلى "الخيار الإلكتروني" ما كان له أن يحضر بهذه القوة، لولا الجائحة "الكورونية"، بمعنى آخر، يمكن الإقرار أنه لم يكن هناك استعداد مسبق لا مادي ولا بشري ولا تقني ولا حتى نفسي، لاحتضان هذا النمط من الأرشيف.
ثالثها: إمكانية تجاهل أو تهميش "الأرشفة" عموما، خاصة "الإلكترونية"، في ظل تركيز البوصلة بأكملها نحو الجوانب التدبيرية اليومية للجائحة، وسبل مواجهة تداعياتها الآنية والمستقبلية.
ونعزز هذه الاعتبارات، بالإشارة إلى أن القانون رقم 69.99 المتعلق بالأرشيف (30 نوفمبر2007)، خاطب بشكل أساسي "الأرشيف التقليدية" (الورقية)، ودليلنا في ذلك، أن المشرع الأرشيفي، لم يشر إلى "الأرشيف الإلكترونية"، إلا في مناسبتين، بعدما طالب الهيئات المنتجة للأرشيف "الورقية" (الوسيطة، والنهائية) بحماية وحفظ ما تنتج من أرشيف بشكل تدريجي في شكل "أرشيف إلكترونية" (المادتان 8 و11)، بمعنى أن "الأصل" هو "الورقي" و"الاستثناء" هو "الالكتروني"، وهذه "المطالبة" في حد ذاتها، تبقى فاقدة لطابع "الإلزام" ومتحررة من أي "ضابط زمني" و من أي إلزام بوضع جداول محينة للحفظ، تحدد آجال حفظ الأرشيف العادية والأرشيف الوسيطة ومآلها "النهائي" على غرار "الأرشيف التقليدية" (الورقية).
وفي هذا الإطار، واعتبارا لما تمت الإشارة إليه، وفي ظل غياب "البيئة المناسبة" (الإطار القانوني "الإلكتروني"، دليل مرجعي لحفظ وتدبير "الأرشيف الإلكترونية، غياب بنيات إدارية وبشرية متخصصة في تدبير هذا النمط من الوثائق الأرشيفية (الإلكترونية) التي تقتضي أدوات ووسائل ومنهجيات عمل خاصة، قياسا للأرشيف التقليدية (الورقية) …)، يصعب في الوقت الراهن (في زمن الجائحة) تشخيص واقع حال الممارسة الأرشيفية الإلكترونية، والذي يحتاج لدراسة ميدانية تطال الإدارات المركزية التي تحملت مسؤولية اتخاذ القرار، لكن بالمقابل، نكاد نجزم، أن "الممارسة الأرشيفية الإلكترونية، ستكون حاملة لمفردات الارتباك والتيهان، لفجائية الجائحة، ولغياب الإطار القانوني (الإلكتروني) والضابط التنظيمي.
وفي جميع الحالات، لابد من التنصيص على أهمية وقيمة ما ستخلفه الجائحة من تراث أرشيفي متعدد الزوايا، فهو "قيمة علمية"، تسائل مجموعة من العلوم والحقول المعرفية (التاريخ، علم الاجتماع، علم النفس، الاقتصاد، القانون، الطب، علم السياسة (العلاقات الدولية أساسا) ..)، في ظل جائحة أربكت كل العالم بشماله وجنوبه وشرقه وغربه، تداعياتها لا تسائل الراهن فحسب، بل تسائل أيضا التاريخ البشري في مدخل الأزمات والنكبات والمحن والحوادث والكوارث الفجائية، كما تسائل المستقبل، وما قد يحمله من متغيرات عالمية وإقليمية ووطنية، و"قيمة تراثية" حاملة لأبعاد وطنية وعالمية، من شأنها تدعيم ما راكمته الشعوب والمجتمعات عبر تاريخها الطويل، من تجارب وخبرات ذات صلة بالأوبئة الفتاكة والأمراض المعدية والمجاعات والحروب والكوارث الطبيعية الفجائية وكل أشكال المخاطر والأزمات، بشكل قد يمنح دول العالم، نوعا من المناعة والجاهزية، للتصدي لمختلف المخاطر المحتملة، و"قيمة حداثية وحقوقية": تتيح الإمكانية – في إطار الحق في المعلومة – لمساءلة القرارات المتخذة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والأمنية والقضائية والقانونية والإعلامية وغيرها، في إطار مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، كما تتيح الإمكانية أمام الدولة والمواطن لإثبات حق من الحقوق أو لتبرير اتخاذ قرار من القرارات، و "قيمة استراتيجية"، على اعتبار أن كل ما اتخذ من قرارات، أتاح نوعا من التراكم على مستوى الخبرات والتجارب فيما يتعلق بمواجهة الأزمات والنكبات والمخاطر والتكيف مع طقوسها، بالنسبة للدولة والمجتمع والمواطن.
وهو طابع استراتيجي يدخل في صميم عمل "مؤسسة أرشيف المغرب" التي صنفت منذ سنة 2012 ضمن قائمة المؤسسات العمومية "ذات الطابع الاستراتيجي" لما رسمه لها المشرع الأرشيفي من أدوار وصلاحيات متعددة المستويات، تجعل عملها خارج "الزمن الحكومي" و خارج "البرامج الحكومية"، وهو "بعد استراتيجي"، يقتضي استثمار كل ما تم إنتاجه أو تكوينه خلال هذه الجائحة، من وثائق أرشيفية (ورقية وإلكترونية)، كما يقتضي تشخيصا موضوعيا لما تم اتخاذه من قرارات، في أفق إرساء منظومة توقعية استشرافية، خاصة بتدبير الأزمات والمخاطر والحوادث الفجائية، بشكل يسمح لنا، بالتوجه نحو المستقبل بثقة وشجاعة وثبات، لكن تحقيق هذا المسعى الذي لا محيد عنه، يمر أولا، عبر حسن تنظيم ما أنتج من أرشيفات، ويمر ثانيا، عبر مدى الاستفادة من الجائحة العنيدة، وما أبانت عنه من دروس وعبر، لا مناص من التقاط إشاراتها، لتجويد، ممارساتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والأمنية والقضائية والثقافية والتنموية وغيرها، وهي جائحة، فرضت على مؤسسات الأرشيف عبر العالم، التواجد "وجها لوجه" أمام "محدد كرونولوجي"(وباء كورونا)، بالقدر ما أربك العالم وبعثر الأوراق وفرض تغيير وسائل ومناهج العمل والتواصل عبر الاستنجاد بالرقمنة، بالقدر ما زحزح "قارات" المنظومات الأرشيفية بالعالم، وغير ملامح "الأرشفة" في ظل الإقبال غير المسبوق على تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وهذا يجعل هذه المؤسسات الأرشيفية أمام تحديين اثنين:
– أولهما: الاستعداد لاستقبال أنماط جديدة من الأرشيفات أو على الأقل "غير مألوفة"، ويتعلق الأمر بالأرشيف "الإلكترونية" التي تسير في اتجاه سحب البساط من تحت أقدام "الورقية"، وهذا يفرض إعادة النظر في النصوص القانونية والتنظيمية.
– ثانيهما: مواكبة وتتبع ما ينتج أو يكون داخل الإدارات من وثائق أرشيفية إلكترونية، من باب التوعية والتحسيس أولا، ومن باب تقديم الخبرة والمشورة، بخصوص شروط وضوابط ووسائل حفظ وتنظيم هذا النمط من الأرشيف، بشكل ييسر عمليات الولوج إليها والاطلاع عليها واستثمار معطياتها.
واعتبارا للبعد العالمي للجائحة، فالمنظومات الأرشيفية عبر العالم، مطالبة بتفعيل آليات التعاون والتشاور والتنسيق وتبادل الخبرات والتجارب، واستعجال إطلاق نداء موجه لرؤساء الدول والحكومات عبر العالم، بقصد التوعية بحساسية الظرفية الخاصة والاستثنائية التي تمر منها الإنسانية، والتحسيس بأهمية التدبير الناجع والأمثل لما يكون وينتج داخل الإدارات من وثائق أرشيفية ليس فقط كذاكرة للعالم، ولكن أيضا، كقاعدة بيانات عالمية، يمكن استثمار معطياتها وأرقامها لمواجهة المستقبل حرصا على الأمن الصحي في أبعاده الوطنية والدولية، بل أكثر من ذلك، فهذه المنظومات الأرشيفية، من المفروض أن تكون قريبة من صانعي القرار لتقديم "الخبرة الأرشيفية" في حينها، تفاديا لأي ارتباك محتمل على مستوى التنظيم والحفظ، خاصة في ظل البروز القوي للوثيقة "الإلكترونية" في ظل الإقبال "غير المسبوق" على "الرقمنة"، وهي وثيقة يحتاج حفظها إلى ذوي الاختصاص (مؤسسات الأرشيف).
بخصوص "مؤسسة أرشيف المغرب" باعتبارها الذراع القانونية والمؤسساتية لأرشيف المغرب، نرى أن الظرفية تفرض عليها التحرك وفق ما هو متاح من الوسائل، لإثارة الانتباه إلى "القيمة الاستراتيجية" لكل ما ينتج أو يكون من وثائق أرشيفية في ظل هذه الظرفية الاستثنائية، والتحسيس بأهمية التدبير الأمثل لهذا التراث الأرشيفي "الاستثنائي"، وفي هذا الإطار، نطالب الحكومة باستعجال إشراك "أرشيف المغرب" فيما ينتج ويكون داخل الإدارات من وثائق أرشيفية، من باب تقديم المشورة والخبرة الضرورية على مستويات الحفظ، خاصة في ظل البروز القوي للأرشيف "الالكترونية"، وهي فرصة لنؤكد أن الجائحة الكورونية، أفرزت أو بصدد إفراز رصيد أرشيفي "نوعي"(خاص بالجائحة)، وهذا قد يشكل قوة دافعة لخلق رصيد أرشيفي وطني خاص بالأوبئة الفتاكة والأمراض المعدية والكوارث الطبيعية والمخاطر والأزمات على مستوى "أرشيف المغرب"، وهو رصيد أرشيفي، يقتضي ليس فقط عناية خاصة، بل ومقاربة خاصة على مستوى الحفظ، حتى لا يبقى مشتتا بين الإدارات التي صنعت القرارات، وأية مبادرة في هذا الشأن من قبل "أرشيف المغرب"، لابد أن تكون معززة بسند حكومي وتحديدا من رئاسة الحكومة، حتى تكتسب خاصية الإلزام.
واعتبارا لما نعاينه من تحولات رقمية كباحثين ومهتمين بالشأن الأرشيفي، نجازف في التأكيد أن ثورة رقمية ناعمة بصدد التشكل في مجال الأرشفة، في ظل الإقبال غير المسبوق على تكنولوجيا الإعلام والاتصال التي أثبتت نجاعتها في زمن الأزمات والنكبات، وهذه الثورة الرقمية، لابد أن يوازيها استعجال تنزيل حزمة من التدابير والإجراءات، منها :
– جائحة كورونا، أبانت بجلاء أن القانون رقم 69.99 المتعلق بالأرشيف الذي مرت عليه حوالي 13 سنة، بات "متجاوزا" لعدة اعتبارا قياسا للمتغيرات التشريعية التي شهدها المغرب عقب إصدار هذا القانون، ونخص بالذكر: إصدار دستور جديد، الشروع في تنزيل مقتضيات ورش الجهوية المتقدمة، إصدار ميثاق اللاتمركز الإداري، وقد تعمقت "بؤرة التجاوز" ببروز ممارسات أرشيفية "الكترونية" غير مألوفة، في ظل الإقبال غير المسبوق على تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وهذا يقتضي استعجال فتح نقاش متعدد المستويات بخصوص القانون الأرشيفي ومرسومه التطبيقي، من باب التعديل والتحيين، حتى يكون مستوعبا للمتغيرات التشريعية والرقمية.
– الحكومة، أطلقت العنان للعمل "عن بعد" الذي بات في الوقت الراهن، إحدى وسائل مواجهة الفيروس التاجي، مما سيرفع من منسوب الإنتاج الأرشيفي "الرقمي" و"الإلكتروني"، وهذا يضعنا أمام إدارة "رقمية"، تقتضي مواكبتها وتأطيرها قانونيا، وعليه، فقد بات تحيين "التشريع الأرشيفي" أمرا لا محيد عنه، إن لم نقل "ضرورة قصوى"، لإرساء "بيئة قانونية وتنظيمية" قادرة على احتضان الممارسات الأرشيفية الجديدة.
– الإقبال على إنتاج الأرشيف "الرقمية، والإلكترونية"، يفرض إثارة المخالفات الماسة بهذا النوع من الأرشيف والتي تختلف قطعا عن المخالفات المرتكبة في حق الأرشيف التقليدية (الورقية) من سرقة وإتلاف واختلاس وتسبب في الإضرار، والتي تطرقت إليها وإلى عقوباتها المواد 35و36و37 من قانون الأرشيف، كما يفرض إثارة "معاينة" مخالفات هذه الأنماط الجديدة من الأرشيف، لأن معاينة المخالفة الماسة بالورقي، تختلف قطعا بتلك الماسة بالرقمي والالكتروني، ومساءلة مدى أهلية الجهات المخول لها قانونا معاينة المخالفات الأرشيفية، ونخص بالذكر ضباط الشرطة القضائية بحكم الاختصاص العام، والأعوان المؤهلين لذلك من قبل "أرشيف المغرب"، وهذا يعد مبررا آخر، يستعجل "تحيين التشريع الأرشيفي" الذي لابد له أن يستوعب ما تمت الإشارة إليه من متغيرات، بما في ذلك متغير "الجهوية المتقدمة" الذي يفرض تملك ثقافة "الأرشيف عن قرب"، عبر آلية خلق "مراكز جهوية للأرشيف" لتخفيف الضغط على المؤسسة الأم (أرشيف المغرب) وتثمين التراث الأرشيفي الجهوي، بالإبقاء عليه بين أحضان البيئة التي أنتجته.
– موازاة مع ضرورات تحيين الإطار التشريعي، و بما أن "الرقمنة" باتت تنافس بقوة "الورقي"، بل وتهدد مستقبله في مستقبل السنوات، لا مناص لمؤسسة "أرشيف المغرب" من تعزيز حضورها على المستوى الافتراضي، بالتفكير في السبل الممكنة والمتاحة لخلق بوابة إلكترونية متعددة الخدمات (الاطلاع على وثائق أرشيفية عن قرب دون الحاجة للتنقل إلى مقر المؤسسة، عرض محتويات رقمية (أشرطة تربوية، تاريخية …)، رقمنة المعارض التي تنظم برواق المؤسسة لتقريبها من عموم الجمهور، عرض الندوات والأنشطة، عرض النصوص القانونية والتنظيمية، عرض منجزات المؤسسة، رقمنة الوثائق الورقية التي يتيح القانون حق الاطلاع عليها، التواصل مع الإدارات، الإعلان عن المباريات ومواعيد ما تنظمه المؤسسة من أنشطة على امتداد السنة، التعريف بما يتم إبرامه من اتفاقيات الشراكة والتعاون … إلخ.
وقبل الختم، نشير إلى أن "مؤسسة أرشيف المغرب"، قد أوقفت – ابتداء من 16 مارس الماضي وحتى إشعار آخر- جميع التظاهرات الثقافية والعلمية وخدمات قاعة المطالعة و رواق الأرشيف، في إطار التدابير الاحترازية للحد من انتشار الفيروس التاجي "كوفيد – 19″، مما حال دون تقديم أنشطة مواكبة للحدث، من شأنها الكشف عن حصيلة ما تحقق من مكاسب ومنجزات خلال سنة بأكملها، لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى أن المؤسسة، قد أعطيت انطلاقتها الرسمية أواخر شهر ماي 2011، وقد خرجت الولادة العسيرة من رحم المعاناة، لاعتبارين اثنين، أولهما: حالة الفراغ التشريعي والتنظيمي التي سادت المشهد الأرشيفي منذ الاستقلال، وثانيهما: الانطلاقة بأية بناية "مؤهلة" وأي "طاقم بشري" لتسييرها، ماعدا "مدير" (الأستاذ جامع بيضا) وجد نفسه وجها لوجه أمام "مولود" أرشيفي ربما ولد قبل الأوان، ولم يكن أمامه – وقتها – سوى الاحتضان، فكان "تأهيل المقر المؤقت"(جناح قديم من المكتبة العامة) بفضل "منحة" من الاتحاد الأوربي – تولى تدبيرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان – (ثلاثة ملايين درهم)، وقد أتاح التأهيل، توفير الحدود الدنيا لممارسة العمل في ظروف لائقة (مكاتب، قسم معالجة الأرشيف، ستة (6) مخازن لحفظ الأرشيف، قاعة متعددة الاستعمالات (100 مقعد)، موازاة مع توفير الموارد البشرية، وفي هذا الصدد، انطلقت المؤسسة بستة (6) مستخدمين سنة 2011، وتطور حصيصها بشكل "سلحفاتي" إلى أن وصل إلى واحد وخمسين (51) مستخدما سنة 2019.
ورغم العمر القصير وضعف ومحدودية الإمكانيات المادية والبشرية، استطاعت المؤسسة أن تحقق عدة مكاسب ومنجزات متعددة المستويات، ذات أبعاد أرشيفية صرفة (إنجاز دراسة سنة 2017 حول واقع الأرشيف والممارسة الأرشيفية بالإدارات المركزية للدولة، إصدار الدليل المرجعي لتدبير الأرشيف العمومي سنة 2017، تقديم الخبرة لعدد من الإدارات، إصدار مجلة أرشيف المغرب، تسلم العديد من الأرصدة ذات الصلة بعدد من المؤسسات والهيئات العامة والخاصة (أرشيف هيئة الإنصاف والمصالحة نموذجا) والأرشيفات الخاصة بعدد من رجالات الفكر والثقافة والإعلام والفن، إصدار دليل الموظف في التعامل مع الأرشيف العمومي …) وأبعاد تواصلية وإشعاعية (الانخراط في جملة من اتفاقيات الشراكة والتعاون مع عدد من المؤسسات والهيئات الوطنية والدولية، حضور وازن للمؤسسة في شخص مديرها "جامع بيضا" في المشهدين الإعلامي والثقافي (حضور برامج تلفزية وإذاعية، حضور فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، المشاركة في فعاليات معرض الكتاب ببروكسيل (بلجيكا) غضون شهر مارس الماضي الذي حضر فيه المغرب كضيف شرف، تنظيم عدة ندوات ومعارض برواق المؤسسة، استقبال العديد من الوفود الأجنبية، استقبال زيارات مؤطرة لعدد من المؤسسات التربوية … إلخ) وغير ذلك من المكاسب والمنجزات.
ونختم بالقول أن "مؤسسة أرشيف المغرب" ألبست جلبابا قصيرا وضيقا، قياسا لما سطره لها المشرع الأرشيفي من مهام وصلاحيات وتدخلات متعددة المستويات، وبالقدر ما نثمن منحها صفة "المؤسسة الاستراتيجية" سنة 2012، بالقدر ما نجازف في القول، أن "الاستراتيجية" تفرض تمكين المؤسسة من مقر (بناية) لائق بمواصفات معمارية حديثة، تستجيب للمواصفات الدولية ذات الصلة بحفظ الأرشيف، كما تفرض تعزيزها المستدام بالموارد المادية والبشرية واللوجستية، حتى تضطلع بأدوارها الاستراتيجية المتعددة الزوايا، وترتقي بواقع الممارسة الأرشيفية، وإذا كانت "كورونا" قد حركت المياه الراكدة لعدد من القطاعات، وجعلت من التغيير ضرورة ملحة لمواجهة المستقبل، فنرى أن الفرصة سانحة، لإعادة الاعتبار لمؤسسة عمومية، لا تحمل من "الاستراتيجية" سوى الاسم أو الصفة، عسى أن تتزحزح قارة "أرشيف المغرب" لتواكب التحولات الرقمية وما تطرحه من تحديات آنية ومستقبلية، ففي زمن الأزمات، ينبثق الخلق ويتجلى الإبداع وتحدث التغيرات …
– أستاذ، باحث في قضايا الأرشيف.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.