دار الشعر بتطوان قدمت كتابين نقديين لأسماء اليسوني وسفيان الماجدي أقامت دار الشعر بتطوان نهاية الأسبوع الماضي حفل تقديم وتوقيع كتابين نقديين، في فضاء دار الصنائع بمدينة تطوان، وبحضور المئات من الطلبة والباحثين والمهتمين بالشعر ونقده. الكتاب الأول كان عن "التراث الأدبي واللغوي لمحمد بن تاويت التطواني: دراسة تحليلية نقدية"، للدكتورة أسماء الريسوني، والثاني عن "اللغة في شعرية محمود درويش" للدكتور سفيان الماجدي. افتتح الدكتور والمحقق المغربي محمد مفتاح اللقاء الأخير لدار الشعر بتطوان، الذي انعقد نهاية أكتوبر الماضي، وهو يكشف عن خبايا كتاب أسماء الريسوني. وأكد محمد مفتاح أن الباحثة/ الكاتبة قد "بنت مؤلفها على ثنائية محورية، الأولى هي أن العالم محمد بن تاويت كان هاجسه الأسمى هو الدفاع عن الهوية الثقافية المغربية في خصوصيتها وتفردها، لكن في سياق التماهي مع الهوية الثقافية العربية في شموليتها وانفتاحها وتماهيها مع الثقافة الإنسانية، أو إن شئت قل العالمية". وأما منهجه الذي سلكه في دراسة التراث المغربي عامة وأدبه، فهو "الشق الثاني من هذه الثنائية، حيث تفرد الكاتب بمنهجه الخاص الذي لم يكن يخضع للتصور الأكاديمي الدقيق، رغم تمثله للمنهج الأكاديمي ووعيه به من خلال جمعه بين الدراسة التقليدية التي تشرب بها في المغرب، وبين تكوينه الأكاديمي الذي نهل فيه، وإن شئت قل استقاه، من دراسته في مصر على كبار العلماء والأدباء والمفكرين المميزين من أمثال طه حسين وأمين الخولي وأحمد أمين وغيرهم". وبحسب المتحدث، فهو "منهج متفرد ومتمرد لا يراعي جلة من عناصر البحث وآلياته، رغم وعيه بأهمية تلك الآليات". الأمر الذي يمثل "إشكالا في الثقافة المغربية" بحسب تعبير مؤلفة الكتاب". مؤلف الكتاب الباحثة أسماء الريسوني توقفت، في تقديم كتابها، عند ظروف تأليف الدراسة، والتي كانت في الأصل أطروحة جامعية تقدمت بها لنيل الدكتوراه في الأدب العربي، من جامعة محمد الخامس بالرباط، كلية آداب/ أكدال. وبحسب الباحثة، فقد "جاء اختيار الاشتغال بتراث محمد بن تاويت التطواني الأدبي واللغوي لاعتبارات عديدة؛ أهمها: الغنى والتنوع، ثم تشتت غالبيته بين ثنايا الصحف والدوريات، ولكون صاحبه لم ينل حظه من الدراسة". وترى الريسوني أن الأستاذ محمد بن تاويت، ومن خلال مختلف إصداراته ودراساته، إنما "كان ينطلق من هاجس واحد يتمثل في الدفاع عن الهوية الثقافية المغربية في أبعادها العربية". وفي تقديمه لكتاب "اللغة في شعرية محمود درويش"، يرى الناقد المغربي الدكتور محمد آيت لعميم أنه قد "كُتب الكثير عن تجربة محمود درويش الشعرية، حيث تناوله الباحثون من زوايا مختلفة وصنف مشروعه الشعري إلى لحظتين: الأولى هي الارتباط المباشر بالقضية الفلسطينية، حيث كانت القضية تسبق الشعر وتصنعه. ثم لحظة الاشتغال على جمالية القصيدة والتحرر من إرث التفعيلة الثقيل برتابته، والاستفادة من طرائق كتابة قصيدة النثر". وهكذا، انتقلت التجربة، بحسب المتحدث، "من شعر القضية إلى قضية الشعر". من هنا، يرى آيت لعميم أن الباحث المغربي سفيان الماجدي قد حاول، في كتابه الموسوم ب"اللغة في شعرية درويش" أن يتحرر من ركام الراسات التي حجبت نص درويش، "وعاد إلى فحص النصوص مباشرة، مستعينا بالنصوص الموازية لدرويش في حواراته ومقالاته، محاولا بذلك استخلاص نظرية الشعر عند درويش المستبطنة من خلال منجزه النصي. ساعيا إلى إعادة تصنيف التجربة من خلال الإبدالات اللغوية، ومن خلال مساندة النثر للشعر". وانطلاقا مما ورد في كتاب الماجدي، يخلص الناقد في قراءته إلى أن "تجربة محمود درويش الغنية عملت فيها مجموعة من العناصر متضافرة، منها التساند بين الشعر والنثر والانفتاح على السرد الحكائي، وإلغاء الحدود بين الأجناس، والارتكاز على البنية الحوارية، ومنح الإيقاع السلطة المطلقة. فلدرويش شهوة لا تقاوم للإيقاع الذي يختاره ويكاد يشرق به كدمعة المتنبي"، يختم آيت لعميم. أما مؤلف الكتاب، الدكتور سفيان الماجدي، فأكد أن دراسته كانت "تتغيا مقاربة اللغة في أعمال الشاعر محمود درويش، انطلاقا من قراءة تروم الانتقال من النص الشعري نحو استخلاص التصورات النظرية التي ينبني عليها". لأجل ذلك، افنتح الكتاب على "تلقي نتاج محمود درويش في النقد الأدبي العربي من حيث المضامين والخصائص الفنية والجمالية، فيما هو ينشغل، أيضا، بالاقتراب من هذا النتاج من خلال إنجاز قراءة للأعمال تعتمد المهيمن فيها". وفي مرحلة لاحقة، تجوهت الدراسة، بتعبير صاحبها، نحو "استخلاص تصورات ومفاهيم أطرت الممارسة النصية للشاعر، من قبيل الشعر والنثر والإيقاع والصورة، بالنظر إلى أن ممارسة محمود درويش زاوجت بين الفعل الشعري والتأمل النظري". من جهته، نبه مدير دار الشعر بتطوان الشاعر مخلص الصغير إلى أن هذا اللقاء الثقافي والأكاديمي يصادف الذكرى المائوية لميلاد محمد بن تاويت التطواني، الأديب واللغوي وأحد أعلام النهضة المغربية الحديثة، مثلما يصادف اللقاء الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر الفلسطيني والعربي محمود درويش. ليمثل هذا اللقاء اعترافا بباحث من رواد الدرس الأدبي واللغوي في تطوان والمغرب، واعترافا بما قدمه الراحل محمود درويش للشعرية العربية المعاصرة، وهو يكتب قصيدة كونية منفتحة على العالم.