كانت العرب في الجاهلية غارقة في ظلام الجهل والخرافات، تعيش على هدي الأوهام والخزعبلات، وتعبد من دون الله ما لا يسمع ولايبصر...هُبل ومناة و العزى واللات، فبلغت الجاهلية منهم مبلغ أكل الآلهة، ووأد البنات، وإرث الأمهات، وعضل الزوجات، واستحلال جميع المحرمات. أُمَمًا أُشْرِبَتْ قلوبهم الكف***ر فداء الضلال فيهم عَيَاءُ فكان من لطف الله وعنايته، على فترة من الرسل، أن يبعث فيهم من أنفسهم رسولا صدِّيقًا أمينَا، دعاهم إلى عبادة الواحد الأحد، الفرد الصمد، ونبذ الأصنام والأوثان؛ فأزال الله به من القلوب الأضغان، وفتح به أَعْيُنًا عُمِيَا، وآذانًا صُمَّا، وشرح على يديه قلوبا غُلْفَا، وأنَارَ عقولا جَلْفَا... فكان مولده إيذانا بنور الهداية، وانمحاق الكفر والغواية... مولد كان منه في طالع الكف***ر وَبَالٌ عليهم ووَبَاءُ فأضاء نور النبوة الأرجاء، وانطلقت الهواتف من السماء، وانشق القمر وانقشعت الظلماء، واهتزت عروش الملوك والأمراء؛ ولد الهدى فالكائنات ضياء***وفم الزمان تبسّم وثناء إنه مولد الهادي تسامى من حمى البيت المجيد، وإنها لسيرة تشق القلب ولو كان من حديد، كيف لأسطر أن تصفه؟!، أو قلم يرتعش بين اليدين أن يوفيه حقه؛ مولد وسيرة أثارت من المداد نثرا وشعرا، وألهبت القلوب حبا وذِكْرَا، فهذي الأحزاب والصلوات ما فتأت تَتْرَى، وهذي المولديات والنعليات تتبع الواحدة الأخرى، وما هذه الخاطرة إلا فقاعة من رغوة أمواج البحر، مخضتها ذكرى مولد خير البشر محمد ، ذكرى مولدٍ تُملي علينا اليوم واجب النصرة، وإن الكلمات لتَقْصُر، والألفاظ لتَحْصُر عن الحديث عن واجب النصرة... كيف يستوعب الكلام سجاياك*** وهل تَنْزِحُ البِحَارَ الرِّكَاءُ وإن القلب ليضيق فزعا ورهبا، والقريحة تفيض من الكلام رغبا، فقلت: ما لبيت القصيد مني يتَمَنَُّع*** كلما أردت نصرة محمد يَتَقَنَّعُ فلا هو يكشف عن وجه بحره*** ولا هو على تفاعيله يتقطَّعُ أهِبْتُ أم هِبْنَا معا ذكر م***ن كل النفوس إليه تتطلَّعُ نعم إنها الهيبة والخوف، وما ذاك إلا من تفريطنا في واجب النصرة لرسول الله ، هذا الواجب الذي يلحُّ علينا الآن أكثر من أي وقت مضى، كيف وهاهي الإساءات لشخصه الكريم تتوالى من الحاقدين المبغضين، والناقمين الحاسدين بشتى الأنواع والأشكال والأجناس، فتوجب على الكل فَرْضاً نصرة رسوله الكريم، كل من موقعه، وبقدر استطاعته وجهده، قولا وفعلا، إشارة وعبارة، حركة وسكونا.... وغاية السُّولِ من نصرة الرسول الاقتداء بسنته، واتباعه في هديه وسمته، والتخلق بأخلاقه، وإيثار محبته، وفي ذلك خير الزاد للمعاد؛ إذ الاقتداء عنوان المحبة وترجمانها، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[آل عمران:31] صلى عليك الله يا علم الهدى*** واستبشرت بقدومك الأيام هتفت لك الأرواح من أشواقها*** وازَّيَّنَتْ بحديثك الأقلامُ عذرا رسول الله..... فما لنا عذر في تقصيرنا غير أنَّا نحبك، فنرجو الله القدير أن تكون محبتنا سببا في الدخول في دعوتك المختبأة، ونيل شفاعتك المرتجاة، فقلت وأنت خير القائلين: « لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجَّل كل نبيٍّ دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا»[صحيح مسلم]. ذ.يوسف الحزيمري... من وحي ذكرى المولد النبوي.