أول ما يلفت انتباه الزوار على مدخل مؤسسسة ومتحف الرسام الأسباني أماليو غارسيا ديل مورال الثقافية لوحة بارزة مدون عليها هذه العبارة ( لقد شَادَ أماليو هذه الدار قربانا لمئذنة الخيرالدة ) باللغات الأسبانية والعبرية والعربية وهي رمز تعايش الثقافات الثلاث في مدينة إشبيلية. الفنان والأكاديمي الأسباني أماليو غارسيا ديل مورال يعتبر من بين أبرز الرسامين في إسبانيا حيث تتميز أعماله بقوة الألوان ونقاوة التعبير تحمل في طياتها رسالة فنية وإنسانية وفي نفس الوقت تخاطب جذور وتقاليد الثقافة الأندلسية كما ارتبط بعلاقة خاصة بمئذنة المسجد الكبير في إشبيلية والمعروفة باسم الخيرالدة , منذ عام 1973 سكن في هذا المبنى الأنيق من الطراز الأندلسي والذي يتكون من أربعة طوابق متجانسة تم تشييده في عام 1918 حيث استخدمة كسكن شخصي وورشة عمله وأستوديو للرسم مقابل مئذنة الخيرالدة حيث احتلت مكانة خاصة بالنسبة للرسام وهو يشاهدها باستمرار من عدة زوايا من منزله ومن النوافذ وعلى سطح المنزل وقد جسدها في العديد من أعماله الفنية والتشكيلية والتي جمعت بين تيارات الفن التشخيصي والواقعية والطلائعية . تم تحويل هذا المنزل بعد ترميمة وصيانته بشكل كامل الى متحف ومؤسسة ثقافية تحمل تحمل اسمه منذ 3 فبراير عام 1995, المبنى يحمل رقم 7 واجهته مطلية باللونين الأبيض والأصفر وهي ميزة العديد من المنازل في إشبيلية, يقع في المدينة العتيقة في حي سانتا كروس امام ساحة وحديقة دوننا البيرا تحيط بها أشجار النارنج (البرتقال المر) التي تشتهر بها مدينة إشبيلية , يتوسطها نافورة مياه تمتزج خريرها مع تغاريد العصافير في بيئة يعمها السكون والهدؤ , وهنا يبداء حوار الطبيعة مع الفن . مؤسسة ومتحف أماليو تحتوي على أغلب اعماله الفنية خلال مسيرته الفنية الطويلة مع الفن التشكيلي ويلقب برسام منارة الخيرالدة باعتبارة الفنان الأسباني الوحيد الذي رسم 365 لوحة لمئذنة او منارة المسجد الكبير الخيرالدة في إشبيلية بعدة ألوان ذات أضواء مختلفة يعكس فيها مكانتها الخاصة في قلوب ووجدان أهل إشبيلية . هذه المنارة او البرج تم تشييده في عهد الملك أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي خليفة الموحدين في عام 1184م , مازالت تبدو إلى يومنا قائمة وشامخة على ارتفاع 97,5 متر في مدينة إشبيلية بعد إضافة بعض التعديلات عليها في فترات زمنية مختلفة . مؤسسة أماليو , مبنى مفتوح لكل الزوار للتعرف عن قرب على الأعمال الفنية التي تركها هذا الفنان كما تقام فيها العديد من الأنشطة الثقافية والفنية يديرها الأستاذ مانويل كاباييرو كالابيا وماريا خوسيه ديل مورال ابنة الرسام الراحل أماليو وهي أستاذة الرسم في كلية الفنون الجميلة في إشبيلية ورسامة بارزة لها شاركت في العديد من المعارض الفنية التشكيلية داخل وخارج إسبانيا. الفن بشكل عام والفن التشكيلي بشكل خاص هو جزء هام من الثقافة والتي ترفدنا بالمعارف الإنسانية وتجسد في نفس الوقت إبداعات الفنانين وتفاعلهم مع محيطهم , الرسام أماليو استطاع برشيته ان يجذب الأنظار نحو منارة الخيرالدة عبر لوحاته التي تجسد هذه العلاقة بين الفنان ومحيطة , ثمة قول مشهور لابن رشد والذي كان قاضي مدينة قرطبة في الفترة من عام 1180م إلى عام 1190م مفادها انه اذا توفي موسيقي في قرطبة فان أدواته الفنية يتم نقلها إلى إشبيلية في حين اذا ما توفي عالم في تلك المدينة فان كتبه يتم نقلها إلى قرطبة ولكن الرسام أماليو غارسيا ديل مورال والذي ولد في غرناطة في عام 1922 وعاش وأبدع في إشبيلية حتى أخر لحظات حياته وكان رحيله الأبدي فيها في 1995 فان ريشته ولوحاته التشكيلية بقت في هذه المدينة كما ترك خلفة العديد من الأعمال الفنية والأدبية وستيقى في ذاكرة محبي ومتابعي الفن التشكليلي الحديث وخاصة وان أغلب لوحاته تعانق جدران وسماء وشوراع وروائح إشبيلية والأندلس .