سهل أن نحس بأننا على حق قبل أن نصطدم بواقع حالنا، واقع يعيد شريط ما حسبناه من مكتسباتنا فيعيدنا لوضعنا الأليم بعد حدوث ما يربكنا. حديثي اليوم سأتناول به ماحدث يوم توجهنا لسبتة "المحتلة" لقضاء يوم عطلة، و للترويج على" الكفار" بشراء بعض سلعهم التي تعلو جودتها جودة منتوجاتنا قليلا فنتلهف عليها لتفرغ جيوبنا و نخرج منها ونحن نردد "هاذيك الشمتة ماشي سبتة"، ونحن في تلك اللحظات أشبه بالمدمنين على لعب القمار أو ممارسة أي بلية تضيع كل الممتلكات ، كما نحس حين الدخول إليها بعد صبر أيوب لطول الطابور المرتص على مسافات طويلة لغاية الحدود و الذي أصبح يدوم لساعات و ساعات، و مع ذلك نستحمل، أننا سعداء بشراء الكماليات المعروضة بشكل مغري على رفوف متاجر "النصارى". و الغريب أن الكل يحس بالسعادة و ينظم نفسه و يتحلى بأجمل الصفات من تزيين و لباقة في الكلام و أدب في السياقة وعدم النقاش في الأثمنة التي لا تقبل الجدل و غير ذلك، و كاننا في المدينة الفاضلة حينها، لنجد الوجه المعاكس لهذه التصرفات بمجرد الدخول للمنطقة التي يشتغل فيها المغاربة و التي تردنا حتما لواقعنا المرير المذل المجرد لكل أوجه الإنسانية، ويجعلنا نعتبر ممتهني هذه الحرفة أشبه "بالبهائم" مع احترامي الشديد لبعضهم ممن يرفضون هاته المعاملة الفضة التي تجردهم من شخصيتهم و من كل تقدير للأسف. يوم عدنا من الحدود أمام تدخل فظ من "نصراني" غليظ لا يقبل النقاش بعد طرحه لسؤال: "لديك تأشيرة أم إقامة؟" ، لا هذا ولا ذاك، نحن من سكان المدينة المجاورة للحدود والتي تسقط عنها هاته الشروط حسب الأعراف و القوانين الدولية، فكان جوابه: غير مسموح لكم بالدخول ، ووجه عصاه نحو الطريق التي يتوجب أن نعود منها دون أن يسمع أي رد وأمر بقطع الطريق في وجهنا. حقيقة هذا الشعور جعلتنا نغتاظ و نشمئز من هؤلاء المحتلين الذين يعلمون جيدا أننا ذاهبون عندهم لنفرغ مافي جيوبنا لكنهم يرفضون، قهر و حقد لم أشعر به من قبل و لم أعرف معنى الإحتلال إلا بهذا التصرف اللئيم، فعدنا لشبابيكنا مجددا لختم الجواز بخاتم العودة رعم اننا لم نبرح تراب بلادنا. حينها سألنا الشرطي المكلف بذلك عن سبب منع الكفار لنا من الدخول فرد:" لا نعلم و مع ذلك فإننا متلهفون على الذهاب عندهم، أكدنا له صحة ماقال و عاتبناه على كوننا نعطي الأسبقية للآتين من هناك لمجرد أن سيارتهم تحمل رقم البلد المحتل، بل لهم أفضلية أكثر من هذه لكونهم لهم الحق في العبور عبر ممر خاص بهم دون أن يختموا الجواز حتى لا يتأخرون في طوابير الانتظار فيملون و يحسون بالتعب و لا يعودون، و نحن اعلم بانهم لا يأتون إلينا إلا لكوننا نمكنهم من اقتناء الخبز و السمك و الفواكه الطرية و الخضر الطازجة بأبخس الأثمان...