يخلد الشعب المغربي، يوم الجمعة 18 نونبر2016، بكل مظاهر الاعتزاز والافتخار، الذكرى ال61 لعيد الاستقلال الحدث المميز في التاريخ المعاصر للمملكة والذي جسد أسمى معاني التلاحم بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الوفي في ملحمة الكفاح الوطني. ويعد تخليد هذه الذكرى قبل كل شيء مناسبة لاستحضار انتصار إرادة العرش والشعب في نضالهما المتواصل من أجل التحرر من نير الاستعمار وإرساء الأسس الأولى لمغرب مستقل وحديث وموحد ومتضامن.
نضال المغرب من أجل تحقيق الاستقلال لقد مر نضال المغرب من اجل تحقيق الاستقلال بمرحلتين، الأولى تميزت بالكفاح المسلح (1912 - 1930) والثانية (1934- 1953) بانطلاق حركة وطنية سلمية سياسية تبلورت بعد إصدار الظهير البربري في 16 مايو 1930 وتمكن المغرب أخيرا من انتزاع إعلان الاستقلال في 2 مارس 1956 ليبدأ كفاحا آخر من أجل استكمال وحدته الترابية. 1- ظهور الحركة الوطنية وتطورها ما بين 1930 و1939 مهدت عدة ظروف لقيام حركة وطنية إضافة إلى الاستغلال الذي تعرض له المغرب في مختلف المجالات وتدهور وضعية الفلاحين والحرفيين والتجار والساكنة. و كان إصدار الظهير البربري(16 مايو 1930) أهم حدث أدى إلى بروز الحركة الوطنية. ا- الحركة الوطنية في منطقة الاحتلال الفرنسي: تم تأسيس أول حزب سياسي مغربي خلال الثلاثينيات وهو كتلة العمل الوطني بزعامة علال الفاسي ومحمد بلحسن الوزاني وأحمد بلافريج. هذا التكتل تقدم بمطالب شملت عدة مجالات: - إصلاحات إدارية: -فرض احترام النظام الإداري الاستعماري للمعاهدات الدولية -عدم السماح بالمس بالحدود المغربية -إلغاء كل المؤسسات التي أقيمت منذ إعلان الحماية - إصلاحات اجتماعية: - السماح بإنشاء مدارس حرة وإقامة المؤسسات العمومية خاصة المستشفيات - إصلاحات اقتصادية ومالية: -إعطاء الدولة المغربية حق استغلال المناجم - وقف الاستعمار الرسمي بالبوادي والمساواة في الضرائب المعمرين والمغاربة
ب- الحركة الوطنية في منطقة الاحتلال الاسباني: قادها حزب الإصلاح الوطني 1933 بزعامة عبد الخالق الطريس وحزب الوحدة المغربية 1937 بزعامة محمد المكي الناصري ، واللذان تقدما بعدة مطالب منها: - التشبث بالعرش العلوي - فتح مدارس ابتدائية وثانوية وفرض نظام التعليم بالعربية - تكوين مجالس بلدية - تحسين وضعية الفلاحين بالقيام بإصلاح فلاحي وعلى العموم، سواء في الشمال أو الوسط فإن الحركة الوطنية كانت موحدة الأهداف، ونسقت بين مطالبها وطريقة نضالها ضد الاحتلال. وهكذا شجعت الحركة الوطنية على׃ - تأسيس المجلات والجرائد من طرف شباب مغاربة تلقوا تعليما عصريا في مؤسسات الاحتلال فتشبعوا بالأفكار الليبرالية - اندماجهم في صفوف الحركة الوطنية الناشئة وتأسيسهم لمجلة المغرب (1932) بباريس وجريدة الشعب (1933) بفاس و اللتين عملتا على: - نشر أهداف الحركة الوطنية والتعريف بها - كشف الوجه الحقيقي للسياسة الاستعمارية و التنديد بالاستيطان الفلاحي - الدعوة إلى مقاطعة بضائع المستعمر ت- تطور الحركة الوطنية بين 1939 و 1956 وعودة الكفاح المسلح واستكمال الوحدة الترابية׃ 1 – بعض الأحداث ودورها في التطورات اللاحقة للحركة الوطنية ما بين 1939 و 1945 ׃ - الحرب العالمية الثانية التي أبانت عن ضعف الجهاز الإداري الفرنسي وهزائمه المتتالية - إصدار الميثاق الأطلسي 1941 والذي تضمن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها - زيارة الرئيس الأمريكي روزفلت للمغرب وتعهد هذا الأخير في لقاء أنفا سنة 1943 بمساعدة المغرب على نيل استقلال . وقد ساهمت هذه الأحداث في تطور العمل الوطني من مستوى المطالبة بالإصلاحات في ظل الحماية إلى المطالبة بالاستقلال حيث أصدر حزب الاستقلال في 11 يناير 1944 عريضة المطالبة بالاستقلال طالب فيها ب: فسخ معاهدة الحماية التي فشلت في تحقيق النتائج المرجوة - التأكيد على أن المغرب دولة لها تقاليد عريقة في الحرية والسيادة- استقلال المغرب تحت سيادة سلطانه محمد بن يوسف. و هكذا ساعد حدث (تقديم عريضة الاستقلال) الذي عكس تطور وعي رجال الحركة الوطنية في تمهيد الظروف لاستقلال المغرب. 2 – التطورات التي انتهت باستقلال المغرب ما بين 1946 و 1956 (عودة الكفاح المسلح)׃
لقد كان أثر كبيرلإصدار وثيقة الاستقلال بتنسيق مع السلطان محمد بن يوسف، وخطاب طنجة سنة 1947 الذي أكد فيه السلطان وحدة المغرب، وخطاب العرش سنة 1952 الذي شبه فيه السلطان الحماية بقميص قصير وضيق لصبي شب وترعرع فلم يعد القميص صالحا له، اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد 1952 وقيام المظاهرات الاحتجاجية قمعتها فرنسا بعنف ما أثر على سمعتها (أحداث كاريان سنترال) على مجريات التطورات حيث :
- خلعت الحكومة الفرنسية السلطان محمد بن يوسف ونصبت مكانه محمد بن عرفة في 20 غشت 1953 - نفي السلطان محمد بن يوسف وعائلته إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر - انطلاق المظاهرات وعودة الكفاح المسلح من خلال الحركات الفدائية ضد القواعد الفرنسية
و نظرا للتلاحم القوي بين الشعب و السلطان محمد بن يوسف، اضطرت الحكومة الفرنسية إلى فتح مفاوضات مع السلطان وقادة الحركة الوطنية سنة 1955 انتهت بعودة السلطان يوم 16 نونبر 1955 إيذانا بنهاية عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال بفضل كفاح مرير خاضه العرش والشعب رسم أروع صور الوطنية الصادقة. وفي 18 نونبر 1955، ألقى محمد الخامس خطابا تاريخيا أعلن فيه العزم على إنهاء نظام الحماية وبزوغ عهد الاستقلال. وفي نفس الوقت تم تشكيل الحكومة المغربية الأولى، حكومة ائتلافية برئاسة امبارك البكاي، معظم وزرائها من حزب الاستقلال. وقد دخلت هذه الحكومة في مفاوضات مباشرة مع الدولة الفرنسية لإلغاء معاهدة الحماية وللإعلان القانوني عن استقلال المغرب. وفي 2 مارس 1956 سيتم رسميا وبموجب اتفاق بين الدولتين الفرنسية والمغربية إلغاء معاهدة الحماية. كما سيتم بموجب اتفاقية مماثلة مع الدولة الاسبانية، وقعت يوم 7 أبريل 1956، إلغاء نظام الحماية بالمنطقة الشمالية. وفي أواخر أكتوبر 1956 سيتم إلغاء الطابع الدولي لمنطقة طنجة وإخضاعها للسيادة الوطنية المغربية. وهكذا، فقد ظل المغرب، رسميا طيلة نهاية الخمسينات وإلى حدود وفاة محمد الخامس في نهاية فبراير 1961، يحتفل من جهة بما سمي بالأيام المجيدة الثلاثة: 16 نونبر (عيد العودة، أي عودة محمد الخامس من المنفى) و17 نونبر (عيد الانبعاث) و18 نونبر (عيد العرش الذي كان يخلد ذكرى جلوس محمد الخامس على العرش في 18 نونبر 1927). كما ظل المغرب طيلة نفس الفترة يحتفل بعيد الاستقلال في 2 مارس من كل سنة 3 - مراحل استكمال الوحدة الترابية׃ بعد حصول المغرب على الاستقلال، بقيت عدة مناطق في يد الاحتلال الإسباني استرجعها المغرب عبر مراحل كما يلي: - 1957: إلغاء الوضع الدولي لطنجة واسترجاعها إلى جانب الرباط - 1958: استرجاع إقليم طرفاية - 1969: استرجاع سيدي إيفني بعد مواجهات عسكرية بين جيش التحرير والإسبان - 1975: استرجاع منطقة الساقية الحمراء بعد تنظيم المسيرة الخضراء - 1979: استرجاع المغرب الأطراف الجنوبية (وادي الذهب) بعد تخلي موريتانيا عنها طبقا لمخطط شيطاني لدكتاتورات الجزائر، فقدم ممثلوالأطراف الجنوبية المغربية الولاء للملك الحسن الثاني طيب الله ثراه يوم 14غشت 1979 إن الاحتفال بذكرى عيد الاستقلال المجيد يعيد تلك الأحداث العصبية والمجيدة في الوقت ذاته، التي عاشها الشعب المغربي، طيلة عقود من الزمن، كرس فيها تشبثه بحقه في الحرية و الكرامة. وإذ يستحضر الشعب هذه الذكريات، فإنه يؤكد على أنه رغم كيد الكائدين يواصل تحت قيادة محمد السادس نصره الله معركة الجهاد الأكبر، في بعديه الاقتصادي والاجتماعي و السياسي، بما تعنيه من تعبئة شاملة لكل مكونات المجتمع، لبناء الدولة المغربية الحديثة، على أسس ديمقراطية وتشاركية وتنموية.