بينما كنت أتجول ليلة العيد بشوارع تطوان كي أعيد حنين منظر احتفال ساكنة هذه المدينة بعيد الفطر السعيد و المتمثل في ارتداء الملابس الجديدة و الاكتظاظ على محلات بيع "البوكاديوس" و التقاط صور بالنافورة، جلب انتباهي ما تعودنا عليه في الماضي: شوارع نظيفة، مضيئة، زاهية وكأنها تشاركنا فرحة العيد هي الأخرى، و الأكثر من هذا خلوها من تجارة المفارش!!! " الله على منظر"، كم اشتقنا إليه، هذا ما رددناه جميعا عندما عادت إلينا صورة شارعنا الجميل، و الذي صنف ضمن التراث العالمي عن جدارة و استحقاق. خلوه من الشوائب أوضح بناءه الجميل و الفريد من نوعه، بياض جدران المدينة انعكس مع نور أعمدته بشكل متناسق وأضفى عليه المزيد من الرونق و البهاء فطبع في نفوسنا ارتياحا لطالما اشتقنا إليه. هدوءه المصاحب لإيقاعات سنفونية النافورة جعلنا نحس بأن لنا مدينة يستحق أن نوقظ غيرتنا عليها ونحافظ على تطهيرها من الشوائب التي علقت بها و تسعى للقضاء على هذه الجمالية… كم كان المنظر جميلا و نحن نحاول الذهاب و الإياب في هذه الشوارع دون أن نصطدم بأحد أو بشيء، و كم كانت فرحتنا عارمة لخلو آذاننا من صراخ الباعة الذين فرضوه علينا فرضا بهذا الشارع… تم إنجاز عدة أسواق بأظرفة مالية ضخمة شددت علينا و زادت من خنقنا في ظل الأزمة المتواجدة، فها هي الفرصة أمام المسؤولين لجر هؤلاء إليها قصد استغلالها، و تقديم المساعدات الضرورية لهم قصد الاستقرار بها، بل هناك حل إقامة أسواق يومية لهم بضواحي المدينة و تقنينها و تنظيمها من طرف البلدية كما يحدث في المجتمعات المجاورة، و التي تعالج الظاهرة بكل صرامة، و قد سبق لنا أن عرضنا هذا الحل و لكن دون جدوى. لم يعد الحل بتاتا في تجاهل المشاكل و عرضها بالحائط، و لم يعد شعار "الكل يأخذ نصيبه كما كتب له" جائزا، لأننا نعلم جميعا بأن هذه التجارة لا تؤمن قوت يوم واحد لمتعاطيها، فكيف لأصحابها أن يؤمنوا بها على حياتهم و مستقبل أسرهم ما داموا لن يجدوا ما يسد رمقهم في يوم يستعصى عليهم فرش هذه السلع لسبب أو لآخر. بهذه المعطيات و بغيرها يتضح بأن هذه التجارة ليست سوى سد أفواه لمن يمكن أن ينضافوا لقائمة المطالبين بحق العمل الشريف و المنظم ببلادنا كي يؤمنوا مستقبلهم و مستقبل أسرهم، و ما يقومون به من تطاول على استغلال الملك العام إلا تحدي و إصرار على اكتساب حق العمل، متمادين في حرماننا من الحفاظ على شوارع جميلة و نظيفة، و مساهمين في اشتعال نار الحقد عليهم لتخريبهم لهذه المعالم الفريدة من نوعها. و ها هي الفرصة مواتية لاجتثاث هذا الفيروس الشائع بيننا، و لعل الحل بيد السلطات التي لا يجب أن تتقاعس في التصدي لهذا المشكل وأن تضع الحلول البديلة لمن يعتزم بحق أن يكون نافعا لهذا البلد….