محمد مرابط لتطوان نيوز تطوان، أو الحمامة البيضاء كما هي ملقبة وكما هو متداول لدى عامة المغاربة، والمصنفة كتراث عالمي للإنسانية.. لم تعد تحمل من هذه المواصفات إلا الإسم، فالتسيب والإجرام يعمان المدينة بفعل تواطؤ المسؤولين من سلطات محلية وأمنية ومنتخبين الذين يتلذذون بالتفرج على ما تقترفه آليات ومعاول التخريب المتعمد في حقها وفي حق أبنائها وساكنتها.. بين تجاهل الأمر من طرف فعاليات المجتمع المدني واستسلام المواطنين للأمر الواقع.. والنتيجة كارثة محدقة تهدد المجتمع برمتهويصعب التكهن بمدى المأساة التي ستنجم عنها مستقبلا، وكل طرف من الأطراف السالفة الذكر يتحمل قسطا، بل حيزا واسعا من المسؤولية فيما يحدث.. هذه المدينة التي كانت مهدا للحضارة والإشعاع ومركزا للثقافة والعلم وقلعة للجهاد والتصوف، أضحت الآن رمزا لتجارة المخدرات القوية والانفلاتات الأمنية وارتفاع معدلات الجريمة بشكل فاق كل التصورات نتيجة الإدمان القوي والمتسع على المخدرات الصلبة، فيما يقبع المسؤولون في مكاتبهم المكيفة وبروجهم العاجية مكتفين بالتفرج على مأساة كارثية تعيشها المدينة.. الحديث عن النقاط السوداء بمدينة تطوان لا حصر له، حالات الانفلات الأمني تكاد تشمل كل فضاءات المدينة وأحيائها، غير أنها تتزايد وترتفع بشكل لافت للنظر في بعض الأحياء الشعبية، مثل جبل درسة، الإشارة، حومة عيساوة، سيدي طلحة، الباريو، جامع مزواق، خندق الزربوح، طابولة، طويبلة، نقاطة، الباربورين، سيدي البهروري، دار مورسيا، الطفالين، كويلما، التوتة… إلخ، لتتسع رقعتها في الآونة الأخيرة وتشمل بعض الأحياء كانت إلى عهد قريب تعتبر آمنة وتصنف ضمن الخانات البيضاءبالمدينة، مثل المصلى، الطوابل، المحنش، الخنيوريس، عين خباز وغيرها…، حيث تنتشر المخدرات بشتى أصنافها، ويبقى الكوكايين والهيروين الأكثر انتشارا واستهلاكا، وينتعش مهربوها وبائعوها بالتقسيط بشكل مثير وعلى طول السنة، حيث تعرف المدينة تزايدا ملحوظا في عدد المدمنين واتساعا مهولا في خريطة التجارة والاستهلاك، حتى صارت أنشطة باعتها مألوفة ولا تعرف المحاربة سوى في بعض المناسبات الموسمية، إلا أنها تظل مجرد ذر للرماد في العيون، إذ يتم اعتقال بضعة أشخاص بحوزتهم كميات محدودة جدا من الجرعات، فيما يظل الأباطرة والممولين الكبار في منأى عن الضبط والتفكيك، بل حتى الباعة بالتقسيط لا يتم اعتقال سوى عدد محدود جدا منهم، يمكن عدهم على رؤوس أصابع اليد الواحدة، فيما يظل الآخرون يتمتعون بكامل الحرية، يصولون ويجولون أطراف المدينة على مرأى المصالح الأمنية بشكل يثير أكثر من علامة استفهام واستغراب..!! وعلاقة بالموضوع ذاته، توصلنا من مصادر عليمة بمعلومات تفيد تواطؤ بعض رجال الأمن مع بائعي المخدرات بالتقسيط بعدة نقاط بالمدينة، حيث يغضون الطرف عنهم مقابل أتاوات تصل في بعض الأحيان إلى آلاف الدراهم في اليوم، وبعملية حسابية بسيطة يدرك المرء مدى ضخامة الأرباح التي يجنونها من وراء ذلك، ولهذا السبب يستحيل استئصال هذه الشبكات والقضاء عليها، وبالتالي فأمثال هؤلاء "الأمنيين" عوض القيام بواجبهم الذين هم عليه مؤتمنون، يساهمون في استفحال الظاهرة ضاربين عرض الحائط كل القوانين التي تحتم عليهم حماية أمن وسلامة وأرواح المواطنين، لينطبق عليهم المثل الشعبي الذي يقول: "الفقيه لي كنا كنترجاو بركته.. دخل للجامع ببلغته"..!! ففي تطوان التي تم ذكرها في التقرير السنوي لسنة 2012 حول تجارة المخدرات العالمية، المنجز من طرف وزارة الخارجية الأمريكية، تنشط شبكات منظمة لتهريب وبيع المخدرات القوية من هيروين وكوكايين وأقراص الهلوسة أكثر من غيرها، ثم شبكات لتهريب البضائع، بحكم العلاقة والجوار مع مدينة سبتةالمحتلة، والنتيجة هي حركة رواج ملفتى في مواد الشيرا والكوكايين والهيروين والأقراص المهلوسة.. عوامل كثيرة ترفع من معدلات الجريمة وحالات الانفلات الأمني في المدينة، حيث لا تتمكن أجهزة الأمن من استيعاب دائرة الانفلات الأمني، كما لا تستطيع تلك الأجهزة مراقبة كل تلك الأنشطة الممنوعة بسبب قوة شبكات التهريب والسرقة والترويج، وقوة ما تقدمه من رشاوى، وخطورة ما تمتلكه من نفوذ وإمكانات لوجيستيكية.. وما يزيد من خطورة انتشار هذه المخدرات بالمدينة والإقليم هو موقع تطوان ضمن ملتقى الطرق الكبرى لترويج المخدرات، فإلى جانب الحشيش الذي غالبا ما يتم إنتاجه محليا، هناك أقراص الهلوسة أو ما يعرف ب"القرقوبي" التي تأتي من سبتةالمحتلة أو من الجزائر عبر وجدة فمركز العروي بإقليم الناظور ثم الحسيمةتطوانطنجة، وتستقر غالبا بمرتيل والفنيدق و"البينيا" بتطوان التي أصبحت وكرا لأخطر أنواع المخدرات الصلبة بالمنطقة.. وذكر لنا أحد العارفين بخبايا سوق المخدرات، أنه إلى وقت قريب كانت مدينة سبتة السليبة تشكل مصدرا أساسيا لتهريب مختلف أقراص الهلوسة، خاصة تلك المعروفة باسم "ريفوتيل"، إلا أن منطق السوق والربح فرضا على معظم مروجي المخدرات الاستغناء عن هذه الأقراص واستبدالها بمخدرات أشد قوة وأكثر مفعولا، كالكوكايين والهيروين اللذان أصبح الإقبال عليهما يتزايد يوما عن يوم.. ويبقى ترويج الكوكايين والهيروين إحدى أخطر الآفات التي أضحت في السنين الأخيرة تتربص بالمجتمع التطواني وتنفث سمومها القاتلة في صفوف شبابها تباعا، حيث كانت بالفعل ظاهرة جد محدودة ومقتصرة على أبناء بعض الميسورين فقط، غير أنه الآن أصبحت تعرف توسعا وتضخما سرطانيا في مختلف الأوساط الاجتماعية والعمرية، لا سيما في صفوف الشباب العاطل عن العمل والطلبة والتلاميذ…، حيث أصبح الكثير منهم أسير نزعة "المونو" التي يقصد بها المدمنون تلك الحرقة التي تسري في أجسامهم قبل تناول هذه المدرت.. وترى مصادر أمنية أن ثمة علاقة وطيدة بين نوع المخدرات التي يقبل عليها الشباب والوسط الاجتماعي والاقتصادي الذي ينحدرون منه، فقد تجد انتشار مخدرات معينة في الأحياء الشعبية، حيث يعيش الشباب الفقر المدقع والحرمان من أبسط شروط العيش الكريم، الشيء الذي يجعلهم يلتجئون إلى تناول واستعمال المخدرات القوية والرخيصة الثمن، عكس ما نراه في مركز المدينة وبعض الأحياء الراقية، حيث المستوى المعيشي للشباب لابأس به، إن لم نقل أنه مستوى مرتفع بالمقارنة مع بعض المناطق الأخرى التي تعيش تحت عتبة الفقر.. وأكدت مصادر طبية وصيدلية أن أغلب الكميات المروجة بالمنطقة من الكوكايين والهيروين يحتمل أن تكون من النوع الرديء، إذ يعمد العديد من المتاجرين فيها إلى خلطها بمجموعة من المواد الكيماوية، وذلك بهدف التحكم في ثمنها وجعله في متناول غالبية الشباب، وهذا الثمن يفصح عن تركيبتها وجودتها، حيث نجد أن حبة الهيروين أو ما يعرف ب"الكحلة" يتم تداولها ب 30 درهما وينخفض هذا الثمن ليصل في بعض الأحيان إلى 15 درهما، و"سطرا" أو "شمة واحدة/ بابيلا" من الكوكايين فإنها تبلغ 40 درهما، وينخفض هذا الثمن كذلك ليصل إلى 25 درهما في بعض الأحيان، وهو ما نراه يختلف عن الأثمنة التي تعرف بها هذه الأنواع من المخدرات.. وما يؤكد هذا الاحتمال هو الأثمنة التي يتم بها تداول هذه المخدرات في المراكز والمناطق التي تعتبر هي المزودة الرئيسية لتطوان، فثمن الغرام الواحد من الكوكايين يصل سعره المتوسط بمدينة الفنيدق المزود الرئيسي لتطوان والمراكز المجاورة إلى 800 درهم، والهيروين إلى 400 درهم، وهي أثمنة مرتفعة بالمقارنة مع تلك التي يتم بها ترويج هذه المخدرات بتطوان ومرتيل ووادي لو وغيرها من المناطق المجاورة التي تنتشر فيها تجارة هذه الأنواع الخطيرة من المخدرات، والتي تكون نتائج تناولها جد خطرة على المستوى الصحي والأمني والاجتماعي والاقتصادي.. وتوجد أحياء عديدة بمدن تطوان ومرتيل والمضيق والفنيدق وغيرها معروفة لدى الأجهزة الأمنية بترويج هذه الآفة الخطيرة من غير أن تحرك ساكنا من أجل استئصال بؤرها السوداء، الأمر الذي يفسح المجال أمام المزيد من انتشارها في مناطق أخرى، بعدما أصبحت هذه الأحياء قبلة للعديد من الزوار الباحثين عن المخدرات القوية من هيروين وكوكايين وأقراص هلوسة، الني بدأت في الآونة الأخيرة تغزو المنطقة وتواصل زحفها فيما يشبه زحف السرطان على خلايا جسم الإنسان، مع ما يترتب عن ذلك من أخطار محدقة تنذر بكوارث وخيمة على المجتمع والناشئة. وقد عبر العديد من المواطنين، خاصة بمدينتي تطون ومرتيل، عن تذمرهم العميق وسخطهم الشديد من الانتشار الكثيف للمخدرات القوية، حيث يعمد العديد من المروجين المحليين إلى إغراقهما بالعاهرات والمخدرات، الأمر الذي تتحول فيه هذه المناطق إلى ساحة من المعارك الدامية بشكل يومي، سواء بين المروجين في ما بينهم، أو بين المدمنين، وهو ما ينتج عنه في الغالب جرائم غاية في الخطورة، تصل أحيانا إلى سقوط الأرواح والاعتداء الجسدي أو على ممتلكات الغير عن طريق السرقة والإتلاف، كما حدث مؤخرا بعدة نقاط وأحياء بمدينتي تطوان ومرتيل، مما يؤدي إلى حدوث انزلاقات وانحرافات اجتماعية وأخلاقية خطيرة في صفوف الشباب من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية.. ويطالب المواطنون بهذه المدن والمراكز بإلحاح من السلطات والجهات المسؤولة والمختصة استئصال هذه الآفة، ووضع حد لخطورتها المتزايدة، خاصة وأنه من السهل وضع جرد شامل للنقاط والبؤر السوداء التي يتم فيها تداول هذه السموم.. كما يعمل بعض بارونات المخدرات بالشمال على مقايضة الحشيش والقنب الهندي بالكوكايين والهيروين اللذان يتم جلبهما من الخارج عبر أشخاص لا يتوانى الشارع المحلي في تسميتهم، وما بالك بالأجهزة الأمنية والاستعلاماتية التي تمتلك كل الوسائل التي من شأنها الإيقاع بهذه الشبكات… (يتبع…)