أكد الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، محمد عبد النباوي، اليوم الخميس بالرباط، أن افتتاح السنة القضائية لهذا العام يأتي على خلفية انعتاق السلطة القضائية من وصاية السلطة التنفيذية، وهو ما يجعل هذا الحدث يكتسي "أهمية تاريخية" تؤرخ لتأسيس السلطة القضائية كسلطة دستورية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وأوضح عبد النباوي في كلمة بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2018، أن الحدث "العظيم في تاريخ الأمة المغربية" يتحقق بعد ستين سنة من استقلال المغرب، بإرادة مشتركة من جلالة الملك والشعب المغربي، ليسمو بالتجربة الدستورية إلى مصاف الدساتير الكبرى الرائدة في العالم الديمقراطي، ولترتفع معه تطلعات المواطنين المغاربة من عدالتهم إلى أعلى المستويات. وأضاف أن النموذج المغربي لاستقلال السلطة القضائية يتميز بشموله قضاء الحكم وقضاء النيابة العامة على السواء، وهو ما جعل تفعيل استقلال رئاسة النيابة العامة يحظى بنقاش مجتمعي واسع ويثير تساؤلات شتى حول حدود هذا الاستقلال ومدى الخضوع للمساءلة والمحاسبة الدستورية. وأوضح أن هذه التساؤلات هي التي أجاب عنها المجلس الدستوري بالتأكيد على أن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض المعهود إليه بترؤس النيابة العامة، يظل مسؤولا عن كيفية تنفيذه للسياسة الجنائية، أمام السلطة التي عينته المتمثلة في رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكذا أمام المجلس الذي يتعين أن يقدم إليه تقارير دورية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، بالإضافة إلى المساطر المقررة لتصحيح الأخطاء القضائية وللتظلم من قرارات أعضاء النيابة العامة أو للطعن فيها. وحسب الوكيل العام للملك، فإن هذه المعطيات تجعل النيابة العامة أمام منعطف جديد يؤرخ لنوع مستحدث من الأداء المهني على مستوى القمة التي لم يعد وزير العدل هو محورها، بعد نقل سلطاته إلى الوكيل العام للملك. وقال عبد النباوي إنه منذ استلامه مقاليد رئاسة النيابة العامة وضع التوجيهات الملكية نصب عينيه واعتبرها خارطة طريق لتسيير النيابة العامة ولتنفيذ السياسة الجنائية للدولة. وهكذا، يضيف المسؤول القضائي، "وجهنا كتابة كافة أعضاء النيابة العامة إلى محاربة الإجرام والتصدي لكل خرق للقانون في إطار المساطر القانونية والنصوص التشريعية المتوفرة"، وذلك عن طريق الاهتمام بشكايات المواطنين وتحسين ظروف استقبالهم والتعجيل بالبت في تظلماتهم والبت فيها في أجل معقول، والتواصل مع المتقاضين لإخبارهم بمآل قضاياهم. كما همت التوجيهات التواصل مع الرأي العام فيما يشغل باله ويثير اهتمامه من قضايا تكون النيابة العامة مسؤولة عن البحث فيها أو تدبير موضوعها، وحماية الحقوق وصون الحريات الأساسية المكفولة بمقتضى الدستور للأفراد والجماعات، مع الالتزام بتحقيق التلازم والتوازن بين الحقوق والواجبات، لاسيما ترشيد استعمال الإجراءات القضائية الماسة بالحريات وعدم اللجوء إلى استعمالها إلا في الحالات القانونية التي تقتضي فيها الضرورة ذلك. وأعرب في هذا الإطار عن اعتزازه بانخراط كل فعاليات محكمة النقض، وفي مقدمتها رؤساء الغرف والأقسام والمستشارون والمحامون العامون وأطر كتابة الضبط وكتابة النيابة العامة بها في تفعيل مضامين التوجيهات الملكية الهادفة إلى تحقيق الأمن القضائي للمجتمع، وذلك من خلال تسريع وتيرة البت في القضايا المطعون فيها بالنقض وتصفية القضايا القديمة، بالإضافة إلى الرفع من عدد القضايا المحكومة بالرغم من الصعوبات التي عرفتها المحكمة خلال السنوات الأخيرة على مستوى مواردها البشرية، جراء إحالة مجموعة لا يستهان بها من قضاتها على التقاعد، والتحاق قضاة جدد من محاكم الموضوع. واعتبر عبد النباوي أن هؤلاء القضاء الجدد لم يتح لهم الوقت الكافي للتمرس على قضاء النقض، الذي يتميز بخاصيات لا تدرك إلا بتراكم سنوات الممارسة الفعلية إلى جانب قدماء قضاة النقض، والنهل من رصيدهم المعرفي وتجربتهم القضائية. وأكد بالمقابل أن التحاق هؤلاء القضاة الشباب كان له الأثر الإيجابي في دعم صفوف الهيئة القضائية بالمحكمة وإعطائها شحنة قوية وطاقة إيجابية، انعكست آثارها بالفعل على نتائج الأداء، بسبب إرادتهم الصادقة في الوفاء بالتزاماتهم المهنية، وتفانيهم وإخلاصهم في العمل، ورغبتهم الصادقة في المحافظة على مستوى مشرف من النتائج. وأفاد بأن عدد القضايا المسجلة لدى محكمة النقض انتقل من حوالي 35 ألف ملف سنة 2013 إلى ما يقارب 48 ألف ملف في السنة الماضية، فيما انتقل عدد القضايا المحكومة خلال نفس الفترة من 28 ألف إلى نحو 40 ألف ملف، موضحا أن هذه المعطيات تعكس الجهود الكبيرة التي يبذلها قضاة المحكمة، لاسيما بالنظر لاستقرار عددهم. وجدد عبد النابوي التأكيد على التزامه بالتعاون مع كافة سلطات الدولة وفقا لروح الدستور، على اعتبار أن النيابة العامة هي جزء من السلطة القضائية في تنفيذ السياسة القضائية للدولة بتعاون وثيق مع البرلمان والحكومة.