قال مصطفى كرين، رئيس المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية، إن الإعفاءات التي باشرها جلالة الملك أمس في حق مجموعة من الوزراء والمسؤولين الساميين، تؤشر على بداية عهد جديد، وأن بعض الوجوه التي تم إعفاؤها أو إقبارها سياسيا كانت مرشحة لمغادرة المشهد السياسي، لأنها راكمت سجلا من الاختلالات. وأوضح الدكتور مصطفى كرين في حوار أجرته معه "تليكسبريس" أن أحزابا بعينها مسها القرار الملكي وعليها مغادرة الأغلبية الحكومية، وأن تتحلى بالشجاعة وتتخذ القرار. وفيما يلي نص الحوار: * إعفاء مجموعة من الوزراء هل هو مقدمة لعهد جديد في المغرب عنوانه ربط المسؤولية بالمحاسبة ؟ يجب فعلا أن تكون الإعفاءات بداية لعهد جديد، لأننا أمام فشل كل المنظومة التدبيرية التي سار عليها المغرب لحد الآن، وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أن المفهوم الجديد للسلطة قد استنفذ الأهداف المتوخاة منه، والمتجلية أساسا في التربية والتوعية بحقوق الإنسان. وإذا كان المفهوم الجديد للسلطة قد استطاع بالفعل أن يرتقي بالإدراك الفردي والجماعي للمغاربة بكينونتهم وبفهمهم لمتطلبات ومواصفات الانتماء لمجتمع القرن الواحد والعشرين، إلا أن هذا الإدراك لم يعد كافيا وأصبح يصطدم بجمود الممارسة واستمرار البنيات القديمة بشخوصها وعقلياتها. خلاصة القول إننا وبعد كل هذا الهدر الزمني، عوض أن نبني مؤسسات، وجدنا أنفسنا نبني مؤسسات (من البؤس)، ذلك أن المؤسسات التي تنهب المال العام ليست إلا بمؤسسات، والمؤسسات التي ينتشر فيها الريع والكسل والفساد وتنعدم فيها الوطنية والكفاءة ليست بمؤسسات، ولذلك كانت مستحِقَّة للنقد الذي وجهه لها جلالة الملك في خطاباته الأخيرة، وما ترتب عنها من إجراءات، ووجب أن تبدأ مرحلة أخرى من تاريخ المغرب، من خلال إعادة النظر في المنظومة السابقة فِي مختلف المجالات، من التعليم إلى البنيات التحية إلى الإدارة الترابية، إلى البناء السياسي والحزبي الذي تنبني عليه كل ديمقراطية. * ما هي قراءتكم في "الإعدام السياسي" لمجموعة من الوجوه عقب هذه الرجة السياسية؟ بالفعل ما حدث لبعض الشخصيات السياسية والحزبية التي طال وجودها في المشهد العام أكثر من اللازم، هو بمثابة إعدام سياسي، وإذا كان المصير الذي لقيه نبيل بنعبد الله منتظرا، بالنظر إلى ما راكمه من أخطاء، فإن مصير محمد حصاد جاء نتيجة لتراكم مجموعة من المعطيات من بينها فشله في تدبير الانتخابات السابقة، ذاك الفشل الذي يعتبر السبب الرئيسي في ما عرفه المغرب من بلوكاج حكومي، وما كاد يترتب عنه من أزمة سياسية، أما رشيد بلمختار، الذي يعتبر كما قلت من مخلفات العهد السابق، فإنه لم يسبق أن نجح في مهمة تحملها . * تأثير الإعفاء الملكي على مستقبل أحزاب بعينها، خاصة التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية التي كانت تستعد لتثبيت حصاد على رأسها؟ أظن أن المشهد الحزبي بعدده وعدته أصبح خارج سياق الأحداث في المغرب، بل أصبح عائقا في طريق الارتقاء بالممارسة الديمقراطية في بلادنا، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة عدم جاهزيته لا تنظيميا ولا كقوة إقتراحية من أجل مقاربة الإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب. إعفاء بنعبد الله يجب أن يقود منطقيا إلى خروج حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة، طبعا هذا دون الحديث عن كون الحزب قد فقد هويته الفكرية وبالتالي فقد تميزه ومبررات وجوده على غرار العديد من الأحزاب الأخرى كالحركة الشعبية والاتحاد الدستوري وغيرهما، لذلك سيكون من المفيد للديمقراطية المغربية ولنجاعة الممارسة السياسية والحزبية، إعادة فتح النقاش حول تأسيس الأحزاب ومعايير استمرارها، ربما وفق دفتر تحملات أكثر صرامة وفاعلية. كما أن القانون من الآن فصاعدا يجب أن يكون أكثر تشددا مع بعض الأحزاب التي لا تملك أي مشروع مجتمعي، ولا تتوفر على أية قوة اقتراحية وغير مؤهلة لتحمل المسؤوليات التدبيرية في الحكومة، وإنما يستمر وجودها في المشهد السياسي من خلال تقنيات انتخابية صرفة.