أثار خبر نشرته وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية، حول تأمين عملية تصويت أفراد الجيش خارج الثكنات، ردود فعل قوية لدى المتتبعين للشأن السياسي والوضع العام بالجزائر. وتساءل العديد من المتتبعين حول الجهة التي سيصوت لصالحها أفراد الجيش، وهل سيصوتون بكل حرية واستقلالية عن التعليمات الواردة من الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي؟.
وإذا كان قايد صالح قد أكد، في كلمة توجيهية ألقاها بمقر قيادة القطاع العملياتي شمال شرق "إن أمناس" بالجنوب الجزائري، على أن "واجب المواطنة يفرض على أفراد الجيش الوطني الشعبي القيام بواجبهم الانتخابي خارج الثكنات"، فإن بعض المختصين يردون بالقول إن الأمر لا علاقة له بالواجب الوطني وان التصويت خارج او داخل الثكنات سيّان، ما دام الأمر يتعلق بكثلة ناخبة يغلب عليها الانسجام والتنميط لأنها ألفت الأوامر العسكرية النابعة من فوق ولا يمكنها ان تخالف هذه الأوامر، في ظل تحكم المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية بالجزائر لأسباب تاريخية، وأخرى واقعية ومصلحية مما جعلها تتمسك بالدور الأساسي في رسم معالم السياسة العامة الداخلية والخارجية في الجزائر..
وفي ظل هذا الوضع، ورغم التعديلات الدستورية التي تكرس مبدأ الفصل بين السلطات والسعي إلى تحييد المؤسسة العسكرية عن الحياة السياسية، فإن القول بتراجع دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية لا يعدو أن يكون ظاهريا إذ أن الوضع يتسم بهيمنة المؤسسة العسكرية وتدخلها في صنع الخريطة السياسية بالبلاد وذلك من خلال دعم مرشحيها سواء على مستوى الرئاسة او البرلمان..
ولا أحد اليوم يمكنه ان ينفي الدور الذي يلعبه حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري في رسم معالم السياسة بالجزائر باعتباره حزب العسكر وأداته لتحقيق مخططاته مع إضافة بعض الأحزاب الأخرى الموالية إلى رقعة الشطرنج بالجزائر، خاصة حزب "الإرندي" الذي يرأسه مستشار الرئيس بوتفليقة أحمد أويحيى..
ويرى المتتبعون للشأن الجزائري، أن أصوات أفراد الجيش ستكون من نصيب جبهة التحرير الوطني، الذي يرأسه فعليا بوتفليقة ومن خلاله المؤسسة العسكرية، وبالتالي فإن تصويت العسكر لن يساهم في حلحلة الأوضاع في الجزائر لأن هذه الأخيرة، ليست هي الولاياتالمتحدة أو كندا أو أستراليا أو فرنسا أو المملكة المتحدة أو السويد أو جمهورية التشيك أو نيوزيلندا أو حتى إسرائيل وغيرها من الدول الديمقراطية التي تسمح بتصويت العسكريين فى الانتخابات بفضل تاريخها ومؤسساتها الديمقراطية التي حسمت في أمر الصراع العسكري-المدني، وليس كما هو الحال بالنسبة لدول عرف تاريخها صراعا مدنى-عسكرى مثل دول أمريكا اللاتينية كالبرازيل والأرجنتين والأكوادور وتركيا والكونغو وأندونيسيا، وغيرها، وهو ما ينطبق على الجزائر، ومن تم وجب عدم السماح بتصويت العسكريين فى الانتخابات لان الأمر ينطوي على خطورة كبيرة على الديمقراطية وعلى مسار التحول في اتجاه الانعتاق من قبضة الديكتاتورية العسكرية بالجارة الشرقية ..
أما تأكيد الفريق قايد صالح على أن "واجب المواطنة يفرض على أفراد الجيش الوطني الشعبي القيام بواجبهم الانتخابي خارج الثكنات وفقا لقوانين الجمهورية وتبعا للإجراءات التي تم اتخاذها بالتنسيق مع وزارة الداخلية وهو ما سيسمح لكافة أفرادنا العسكريين بأن يدلوا بأصواتهم بكل حرية وشفافية ويشاركوا إخوانهم المواطنين في أداء هذا الواجب الوطني الهام".، فإن ذلك لن يقدم ولن يؤخر شيئا ويبقى مجرد كلام في كلام..
عندما ستصير الجزائر دولة ديمقراطية بمعنى الكلمة، لا يُسمح فيها بتدخل المؤسسة العسكرية في الشؤون السياسية وفي رسم الخرائط كما تريد، عندها فقط يمكن لقايد صالح ان يتحدث عن حق أفراد الجيش في التصويت شأنهم في ذلك شأن باقي المواطنين.
أما والجزائر تسيّر ب"الريموت كونرول" من طرف الطغمة العسكرية الحاكمة، فإن صالح وزمرته لا يمكنهم تضليل الرأي العام الداخلي والخارجي بأسطوانة "واجب المواطنة" و"حق أفراد الجيش في التصويت" كباقي الجزائريين..