يحرص المغرب وكوت ديفوار، البلدان الشقيقان والصديقان منذ تاريخ طويل، على مر السنين، على إرساء تعاون مثمر قوامه تطابق نموذجي لوجهات النظر حول القضايا الكبرى المرتبطة بالسلم والاستقرار والاندماج الاقتصادي للقارة. وليست هذه الرؤية الحكيمة وليدة أجندة سياسية ما أو بحث محض وبسيط عن ريادة إقليمية، لكنها بالتأكيد نتيجة منطقية وطبيعية لارتباط قوي بالشرعية والمشروعية الدولية.
ولعل النموذج البارز لهذا المسعى الموحد، كان الالتزام الثابت لكوت ديفوار، على غرار باقي البلدان الصديقة والشقيفة للقارة، إلى جانب المغرب لكي تستعيد المملكة مكانتها داخل عائلتها المؤسساتية الإفريقية. وكان الرئيس الحسن وتارا قد قال في يوليوز الماضي من كيغالي برواندا، إن " مكانة المغرب بداخل الاتحاد الإفريقي"، مشيرا إلى أن المملكة تقدم الكثير من " الأمن والرفاه" للقارة.
وأضاف " داخل مجموعتنا، سيزيد هذا الأمر من تعزيز دور المملكة ومكانتها وريادتها. نستقبل إذن عودة المغرب بارتياح كبير".
هذا الموقف تم تأكيده مجددا في الخامس من دجنبر الماضي من قبل وزير الخارجية الإيفواري، أمون تانو مارسيل، حين أكد دعم بلاده لعودة المغرب إلى العائلة المؤسساتية، مبرزا أن هذا الدعم "لم يشكل موضوع أي تردد" وأنه " أمام كيان وهمي، لا تعترف به الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية، هناك المملكة المغربية التي تعتبر "بلدا محترما ومعترفا به من قبل الأممالمتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي".
وفي إطار هذه الفلسفة التضامنية دائما، كان المغرب أحد البلدان الأوائل التي أرسلت تجريدة تضم أزيد من 700 جندي من القوات المسلحة الملكية إلى كوت ديفوار في إطار بعثة الأممالمتحدة لحفظ السلم.
ويعتبر هذا النهج "الحكيم" و"المتبصر" للبلدين في معالجة الملفات الشائكة، إرثا تاريخيا وتقليدا مترسخا في الروابط التاريخية والعريقة التي تجمع البلدين منذ عهد المغفور له الحسن الثاني والرئيس الراحل فيليكس هوفويت بواني.
فمنذ سنة 1962، تاريخ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين كوت ديفوار والمغرب، عرف التعاون الثنائي تحسنا سنة تلو الأخرى قبل أن يأخذ خلال السنوات الأخيرة بعدا ملموسا بفضل الإرادة المشتركة لجلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس الإفواري الحسن وتارا.
واليوم، إذا كانت مهمة التجريدة المغربية في بعثة الأممالمتحدة لحفظ السلم قد انتهت في يونيو الماضي في إطار الانسحاب التدريجي لكوت ديفوار من البعثة الأممية، فإن الشراكة بين البلدين تظل في أعلى مستوى لها خاصة على المستوى الأمني.
وينبغي التذكير، غداة الهجوم الإرهابي الذي استهدف منطقة الباسام في مارس الماضي، كان المغرب أول بلد يرسل، بتعليمات ملكية سامية، فريقا من مكتب التحقيقات القضائية لمواكبة ودعم السلطات الإيفوارية في التحقيق الذي أجرته حول هذا الأعمال الإرهابية.
ويتجلى هذا الالتزام المتواصل لخدمة السلم والاستقرار، من الجانب الإفواري، في تبني سلطات أبيدجان لموقف "ثابت" و"لارجعة فيه" بخصوص قضية الصحراء المغربية.
ولم يفتئ الرئيس واتارا يجدد التأكيد رسميا على "الدعم الحاسم" لبلده للمقترح المغربي للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، في ظل سيادة المغرب ووحدته الترابية.
وكان قائدا البلدين قد أكدا خلال زيارة جلالة الملك لكوت ديفوار في مارس 2013 أن "استمرار هذا النزاع يشكل تهديدا للوحدة الترابية وأمن دول المنطقة وعائقا جديا للتنمية والاندماج الإقليمي الذي تتطلع له الشعوب الإفريقية".
وبخصوص القضايا البيئية، خاصة إشكالية التغيرات المناخية التي تعرفها القارة، فإن مواقف الرباط وأبيدجان متطابقان في هذا المجال، ويشهد على ذلك تنقل الرئيس واتارا إلى مراكش على رأس وفد إفواري مهم خلال قمة كوب 22.
فبين المغرب وكوت ديفوار، يتجدد الالتزام دائما من أجل العمل المشترك من أجل قارة تعيش في رفاهية ومتحكمة في مستقبلها.