الحوار الذي خص به جلالة الملك محمد السادس مجموعة من وسائل الإعلام الملغاشي، في إطار زيارته لمدغشقر، لا يمكن أن يدخل في خانة الحوارات السياسية فقط، ولكنه حوار يوضح رؤية وفلسفة جلالة الملك للنهضة الإفريقية المأمولة، والتي لا خيار عنها في الزمن الحاضر، حيث إن إفريقيا مطالبة بأن تكون قوة في مواجهة التحديات العالمية وإما لا تكون، وستبقى جغرافية خالية من البشر. وقد اعتبر جلالة الملك أن فلسفته في التعامل مع إفريقيا نابعة من منهج واضح، يرتكز على الحوار جنوب جنوب، أي أن إفريقيا يلزمها أن تأخذ زمام المبادرة بدل أن تنتظر من يفكر مكانها أو يمنحها مساعدات، ولم ينس جلالة الملك أن يؤكد على أن المغرب لم يأت لإفريقيا ليعطيها الدروس، وبهذا الخصوص يقول جلالة الملك "خلال الزيارات التي أقوم بها لإفريقيا أو عبر المشاريع التي أقوم بإطلاقها بها، لا يتعلق الأمر البتة بإعطاء دروس، بل في المقابل أقترح أن نقوم بتقاسم تجاربنا".
فاقتسام التجار الذي تحدث عنه جلالة الملك هو رسالة للدول الإفريقية وشعوبها المنهكة، مفاد هذه الرسالة أن إفريقيا ليست أمة عقيمة غير ولادة ولكن لديها خبرات وتجارب يمكن استثمارها بشكل إيجابي، ولكن ذلك يحتاج إلى قرارات سياسية من خلالها تمتلك إفريقيا سيادتها ولا تبق تابعة للدول ذات البعد الاستعماري التي ما زالت تحلم بعودة التاريخ بنفس جديد.
ولا يعتبر جلالة الملك أن المهمة سهلة، ولكنها معقدة إلى حد كبير، حيث وصف الرهانات التي تواجه القارة السمراء بالرهانات الكبرى، وسبب التعقيدات هو بعض الحكومات، التي ما زالت متمسكة بنهججها الانقسامي وإلا إن جلالة الملك اكتشف في الشعوب تطلعات كبيرة نحو التحرر وهو ما يدفع جلالته إلى مواصلة الحراك الإفريقي.
وكشف جلالة الملك أنه ليس "داعية" وإنما ملك للمغرب ويحمل صفة أمير المؤمنين، ووضع حدا للفهم المغلوط لإمارة المؤمنين، بحيث ينضوي تحت لوائها كل المؤمنين بباقي الديانات، وقال جلالة الملك "الشائعات التي تفيد بأن هذه المشاريع (يقصد المشاريع في مدغشقر) لن تعود بالنفع سوى على الطائفة المسلمة لا أساس لها من الصحة. فهذه المشاريع، موجهة بطبيعة الحال، لمجموع الساكنة. ملك المغرب هو أمير المؤمنين، المؤمنين بجميع الديانات".
إنها رؤية متقدمة لفهم الدين والموقف من أتباع الديانات الأخرى وليس ذلك غريبا على سليل بيت النبوة، حيث إن جده صلى الله عليه وسلم لم يكن موقف من المؤمنين بالديانات الأخرى ولم يقاتل سوى المحاربين، وما زالت وثيقة المدينة شاهدة على ذلك تصفع الأفهام المتخلفة والسلوكات المتوحشة للدعاة الجدد.