اتضح جليا أن هناك تناقضا صارخا بين المغرب والجزائر لمختلف القضايا، من الرؤية للإرهاب حيث تحتضن الجزائر واحدة من أخطر المنظمات الإرهابية التي لم تعد تخفي علاقتها بتنظيم القاعدة ويتعلق الأمر بجبهة البوليساريو، بينما يشدد المغرب الخناق على المنظمات الإرهابية، مرورا بالتهريب والاتجار في البشر وصولا إلى الرؤية للمهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين، حيث أن الجزائر لها باع طويل في طرد المهاجرين بمن فيهم الشرعيون منذ أن قامت بطرد ثلاثين ألف مغربي سنة 1975 إلى قرار طرد المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء. وحسب ما أوردت الصحف الجزائرية أخيرا فقد قرر والي ورغلة الجزائرية طرد 300 من المهاجرين السريين من دول جنوب الصحراء نحو نيجيريا بعد مقتل مواطن جزائري ومواجهات مع المهاجرين السريين.
فالجزائر لا ترى من حل لمشكل المهاجرين سوى طردهم نحو الدول المجاورة سواء بالقوة أو تسريبهم إلى دول الجوار، ورغم أن الجزائر تتوفر على موارد طبيعية كبيرة وعلى احتياطي نقدي فاق 200 مليون دولار فإنها لم تبحث عن حل جذري وإنساني لقضية هؤلاء المهاجرين الذين يفرون إما من المجاعات أو من الحروب الأهلية التي تعرفها دول إفريقيا جنوب الصحراء، وبإمكان الجزائر بما تتوفر عليه من إمكانيات أن تكون محضنا لهؤلاء وأن تشكل مقرا إنسانيا للفارين من القهر الاجتماعي والسياسي والعسكري وحتى للباحثين عن فرص أخرى.
فالرؤية الجزائرية للمهاجرين يتم اختزالها في إطلاق الرصاص عليهم في الحدود أو طردهم في حالة تمكنهم من الدخول إلى الأراضي الجزائرية، وبالتالي تكون الجزائر خارج الأوفاق الإنسانية والأعراف الدولية ومخالفة للقوانين المنظمة لحالات المهاجرين سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين، ورغم توفرها على خيرات تفوق كل بلدان المغرب العربي فإنها لم تستطع أن تتحول إلى بلد للإقامة لمن يرغب في ذلك.
في مقابل فوبيا الهجرة بالجزائر نجد في المغرب وضعا مغايرا ورؤية مختلفة، ففي المغرب هناك مكان للإقامة للمهاجرين من كافة القارات، من جنوب الصحراء إلى شرق آسيا إلى أستراليا إلى أمريكا اللاتينية، ولم يعد ينظر إلى المهاجر بالمغرب على أنه غريب ولكنه مقيم له الحق في البحث عن فرص مختلفة.
ولم يعد موضوع الهجرة موضوع خاص بإدارة تبحث عن مخارج لهؤلاء المهاجرين ولكن أصبح إرادة للدولة وعلى رأسها المؤسسة الملكية، وقد شغلت قضية المهاجرين حيزا مهما من خطابات جلالة الملك محمد السادس، والتي تشكل بالفعل، رؤية جديدة للسياسة الوطنية في مجال الهجرة ، إنسانية في فلسفتها، وشاملة في مضمونها، ومسؤولة في مقاربتها، ورائدة على المستوى الإقليمي.
فهذه الرؤية تأخذ بعين الاعتبار التحولات الكبرى التي تعرفها ظاهرة الهجرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، والوقائع الوطنية الجديدة ذات الصلة بالمهاجرين واللاجئين، حيث انتقل المغرب من وضع بلد مصدر للهجرة أو بلد للعبور إلى بلد مستقبل للمهاجرين.
وسبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن رفع تقريرا إلى جلالة الملك تطرق فيه لأوضاع المهاجرين بالمغرب، أعقبه لقاء ترأسه جلالة الملك وبحضور العديد من الوزراء الذين لهم علاقة بالموضوع من أجل تفعيل توصيات المجلس الوطني الذي أصبح له دور دستوري.
فبعد الذي جرى في الجزائر، الذي ليس سوى جزءا من ظاهرة عامة تعرفها هذه الدولة، فإن بين هذا السلوك ما تسير عليه الدولة في المغرب بون شاسع يُظهر مدى اختلاف الرؤى بين دولتين في التعاطي مع القضايا التي تقض مضاجع الفاعلين في شمال إفريقيا وقد اختارت الجزائر طريقة النعامة في الرؤية للإشكالات العسكرية والبشرية.
القضية ليست جديدة على الدولة الجزائرية التي تتحكم فيها الأبعاد العنصرية والعرقية في التعاطي مع الآخرين، بينما اختار المغرب أن يكون بلدا للتعايش وبلدا للإقامة لمن اختار الإقامة فيه وقد احتضن الفلسطينيين بعد التهجير الأول نهاية الخمسينات والستينات من القرن الماضي واشتغلوا في المغرب مدرسين وغيرها من المهن واحتضن العراقيين، وها هو اليوم يقرر تسوية وضعية المهاجرين واللاجئين وفق ما تنص عليه القوانين الدولية. وكما يقال لا قياس مع وجود الفارق.