بعد تعليق البرلمان المنتخب وإقالة الحكومة في 25 يوليو، حل الرئيس التونسي قيس سعيد السبت المجلس الأعلى للقضاء، وفي إجراء أثار مخاوف على استقلالية السلطة القضائية ووصفه منتقدوه بانحراف جديد نحو الاستبداد. وأغلق عناصر الشرطة التونسية الإثنين مقر المجلس الأعلى للقضاء، الهيئة التي استحدثت في 2016 لتعيين القضاة، ومنعوا الموظفين من الدخول، كما صر ح رئيس المجلس يوسف بوزخر لوكالة فرانس برس . واعتبر الخبير السياسي سليم الخراط أن قرار سعيد يمث ل "مؤشرا خطيرا ومقلقا للغاية وهو استمرار لقرارات ما بعد 25 يوليو". وأضاف أن ه منذ انقلاب يوليو في مهد الربيع العربي، "لم يتوق ف (سعيد) عن الضغط على القضاء وات هام بعض القضاة بالفساد". واتهم سعيد خاصة المجلس الأعلى للقضاء بإبطاء التحقيقات في اغتيال الناشطين اليساريين شكري بلعيد ومحمد براهمي في 2013. وقال مساء السبت، إن "هذا المجلس أصبحت تباع فيه المناصب بل ويتم وضع الحركة القضائية (التعيينات فيه) بناء على الولاءات"، في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية المناوئة له. وبحسب الخراط فإنه "بعد مرحلة من الضغط الشفوي على أساس الاتهامات، انتقل سعيد إلى الفعل: الممثل الوحيد للسلطة التنفيذية وضع يده على القضاء، وهذا ما كنا نخشاه". وأضاف "الآن قيس سعي د يسيطر على القضاء، لذلك نحن بعيدون جدا عن دولة القانون حيث الفصل بين السلطات. (...) يمكننا القول إن نا في نظام استبدادي بشخص وحيد لأن قيس سعي د ليس معروفا عنه على الإطلاق أن ه يستمع للغير". من جهته اعتبر المحل ل يوسف الشريف أن سعي د "يمكن أن يضع القضاء تحت سلطة الرئاسة بشكل غير رسمي كما كانت في ظل ديكتاتورية الرئيسين (الحبيب) بورقيبة و(زين العابدين) بن علي". بالنسبة للخراط فإن القضاء "يفترض أن يصون حقوق المواطنين وحرياتهم ويطب ق القانون، ولتحقيق هذه المهم ة يجب أن يكون مستقلا عن أي سلطة أخرى حتى لا يتعر ض لضغوط، واليوم لم يعد هذا الاستقلال مضمونا ". وأعرب الخراط عن أسفه لأن ه "لم يعد بإمكاننا القول إن تونس بلد في طور التحول الديمقراطي. تونس تنضم مرة أخرى إلى نادي الديكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية". بدوره أبدى رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزخر أسفه لأن سعيد بقراره حل المجلس الأعلى للقضاء "أكمل مشروعه لتفكيك أي مؤسسة وأي سلطة موازية موجودة منذ عشر سنوات. الرئيس سعيد استولى على القضاء بالقوة وهو ما يشك ل خطرا على القضاء والحقوق والحريات". بالنسبة للشريف فإن القضاء في تونس تعر ض لانتقادات شديدة من قبل العديد من التونسيين "الذين يشتكون من بطئه والمعاملة غير المتكافئة التي يتعرضون لها أمام المحاكم"، وفي هذا السياق فإن أكثر الانتقادات لقرار الرئيس سعي د تأتي "إما من النخبة المثقفة التي تتخوف على مستقبل دولة القانون، أو من أولئك الذين ينتمون للمجلس الأعلى للقضاء". من ناحيته قال المحلل السياسي عبد اللطيف حناشي، إن "نظام القضاء، الذي لم يكن قادرا على إصلاح نفسه أو الفصل في الملفات الكبرى، وفر فرصة مثالية" للرئيس سعيد ليفرض قراراته "كما فعل في 25 يوليو" عندما برر انقلابه بانسداد الأفق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد.