من الصعب قبول موقف صادر عن المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية بخصوص "المحاكمة العادلة" في المغرب، وهو ينتمي لإدارة تمتلك من الوسائل ما يخولها تشكيل موقف موضوعي، غير أنه من المؤسف أن يأتي التصريح المذكور حول "العدالة وحرية التجمعات والصحافة" في المغرب، استنادا على ما وصفه بتقارير سلبية تم التوصل بها حول صدور قرار جنائي ابتدائي بإدانة صحفي يدعى "سليمان الريسوني"، بعقوبة حبسية يدعي انتهاك حقه في المحاكمة العادلة على خلاف ما تفرضه مقتضيات النظام القضائي المغربي، وكذا متابعة "الولاياتالمتحدةالأمريكية" لقضايا أخرى مماثلة من بينها، قضية عمر الراضي. أي موضوعية هذه تستند إليها الإدارة الأمريكية؟ كيف يمكن الاستناد إلى تقارير صادرة عن جهة مساندة للمتهمين، بينما كان المفروض أن تجمع الخارجية الأمريكية بين موقفين متناقضين، موقف المتهمين وموقف الضحايا، ومن خلال هذا التتبع تستطيع تكوين موقف موضوعي مبني على معطيات الواقع، بدل توريط دولة كبرى، تمتلك من أدوات التحقيق ما لا يخطر على بال، في موقف أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه "منحاز" وتم بناؤه بطريقة حديث "المقاهي"، وهو شيء لا يليق بالدول مهما كان وضعها. تعرف أمريكا قبل غيرها أن المغرب قطع شوطا كبيرا في استقلالية القضاء، ومن أدوات ذلك توفير شروط "المحاكمة العادلة" لكافة المتهمين والمتابعين، وهذا الأمر شهد به المفوض الأممي المكلف بتتبع المحاكمة العادلة، ونعرف أن موظفي الأممالمتحدة مقربون من أمريكا أكثر من عضو آخر في هذه المنظمة الدولية، كما زارت المفوضة الأممية المكلفة بالتعذيب المغرب، ومارست تحقيقا مستقلا وزارت أغلب المؤسسات السجنية وخرجت بتقرير فاجأ الجميع هو أن التعذيب ليس نهجا للدولة في المغرب وأي حالة منفردة يتم كشفها يعاقب مرتكبها. المحاكمة العادلة اختيار مغربي لم يفرضه عليه أحد، لأنها جزء لا يتجزأ من بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، وسبق للوكيل العام للملك باستئنافية الدارالبيضاء، أن أصدر بيانا أو تقريرا عن ظروف محاكمة سليمان الريسوني، الذي كان متابعا بالاغتصاب والاحتجاز، وأوضح في هذا التقرير كل مراحل هذه المحاكمة، وبين كيف قامت المحكمة بتوفير كامل ضمانات المحاكمة العادلة، التي تسبب المتهم ومن يسانده في الشوشرة عليها ومحاولة عرقلتها. إذا كانت الخارجية الأمريكية معنية فعليا بحقوق الإنسان وضرورة احترامها، فإن تصريح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية انتهك بشكل صارخ حقوق الضحايا، بل أعطى الضوء الأخضر للدوس عليها مثلما تدوس إدارته على حقوق المواطن الأسود مما أدى إلى ظهور حركة "حياة السود مهمة"، وأي تدخل في قضاء بلد مستقل هو عنوان على الانحياز لجهة عبّرت هي نفسها عن استعدادها للتعاون مع الأجانب لخدمة أهدافها الصغيرة. في كل بلد هناك قوانين تحمي حياة الناس، والقضاء دوره حماية حقوق الضحايا من خلال معاقبة المجرمين، أما فيما يتعلق بقضية عمر الراضي لدينا سؤال إلى المسؤول الأمريكي: هل تقبل أمريكا بتعاون مواطن أمريكي مع جهاز دولة أجنبية؟ تقتضي الشراكة الاستراتيجية حماية الشركاء لا الاستماع إلى بيانات يتم تدبيجها لغرض تشويه صورة بلدنا من قبل مواطنين مغاربة لا يألون جهدا في الإساءة لوطنهم، لكن على الإدارة الأمريكية أن تعرف أن التوجه الجماعي للمغاربة هو التأكيد على أن القضاء مستقل وأن المتقاضين سواسية في الوقوف أمام المحكمة وليست الصحافة صفة تمنح صاحبها حصانة من المتابعة إذا تعلق الأمر بقضايا الحق العام.