عندما شاهدت الناس يتناولون مشروباتهم الساخنة، خاصة القهوة، وقوفاً أمام المقاهي التي أغلقها فيروس لعين، ورد إلى خاطري بيت من الشعر تكرر عند شاعرين من شعراء المعلقات الذين أجد متعة لا تضاهى في قراءة ما كتبوا. يقول امرؤ القيس في معلقته التي استهلها قائلاً : قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ وُقُوْفاً بِهَا صَحْبِي عَلَّي مَطِيَّهُمُ يَقُوْلُوْنَ لاَ تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَمَّلِ وكرر طرفة بن العبد البيت نفسه مع تغيير مفردة، في معلقته التي قال في مطلعها : لِخَوْلَةَ أَطْلالٌ ببُرقَةِ ثَهْمَدِ تَلوحُ كباقي الوَشْمِ في ظاهر اليَدِ ثم جاء البيت المقصود كالتالي: وُقوفًا بها صحبي على مَطِيِّهُمْ يَقولونَ لا تَهْلِكْ أسىً وتَجَلّدِ في حالة "إمرؤ القيس وطرفة بن العبد “ سبب "الوقوف” عاطفي ، إذ أن عباقرة المعلقات تركوا لنا أعذب وأعمق الكلام ، وكل واحد منهم كان يتحدث عن "معشوقته"، حتى لتخال أن أولئك الأفذاذ هم الذين اخترعوا العشق والحب في دنيا الناس هذه. في تقديري أن الذين كتبوا تلك الأبيات لم يكونوا بشراً عاديين بل كانوا مزيجاً من عبقرية وجنون . إذا بدا لكم إعجابي بالقمم الثلاث، عنترة بن شداد وامرؤ القيس وطرفة بن العبد واضحا ،فذلك امر لا أداريه . ما كتبوه ليس شعراً بل عبقرية جنون. يا لك من شاعر أيها العنترة عندما قلت: لولا سناني والحسامُ وهمتي لما ذكرتْ عبسٌ ولاَ نالها فخرُ بَنَيْتُ لهم بيْتاً رفيعاً منَ العلى تخرُّ له الجوْزاءُ والفرغ والغَفْر ُوها قد رَحَلْتُ اليَوْمَ عنهمْ وأمرُنا إلى منْ له في خلقهِ النهى والأمر سيذْكُرني قَومي إذا الخيْلُ أقْبلت وفي الليلة ِ الظلماءِ يفتقدُ البدر يعيبون لوني بالسواد جهالة ولولا سواد الليل ما طلع الفجر وانْ كانَ لوني أسود فخصائلي بياضٌ ومن كَفيَّ يُستنزل القطْر محوتُ بذكري في الورى ذكر من مضى وسدتُ فلا زيدٌ يقالُ ولا عمرو *** أعود إلى "التنين الصيني" الذي جعلنا نعيش موتاً ونحن بعد أحياء، وجعل لا حل لرشف كأس قهوة إلا "وقوفاً بها صحبي". وحتى خلال هذه الوقفة يدور الحديث عن الجائحة ، والكل يسأل : كم وصل العدد . تحول الناس إلى أرقام ، لم تعد هناك سوى الأرقام. توارت الأيام التي كنا نقول فيها " نحن نقهر الموت لأننا نسرف في الحياة ". كان الناس للقضاء على رتابة الحياة يجعلون من اي حدث أمراً مهماً ومبرراً لإقامة حفلات باذخة. الآن يسأل الناس الذين هم “ وقوفا بها صحبي" ، هل سيكون هناك عيد أضحى . يا آلهي كم تغيرت دنيانا . في زمن قبل زمان "وقوفاً بها صحبي"